العيسى: دعاة الكراهية يستثمرون الصراع السياسي لتفريخ طفيلياتِ التطرف

  • 4/8/2018
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

أكد الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى أن دعاة الكراهية يستثمرون الصراع السياسي لتفريخ طفيلياتِ التطرف والإرهاب مبينا أن الرابطة تسخر كافة امكانياتها العلمية والفكرية للتصدي لقوى الشر التي تسعى للعبث بالأمن الاجتماعي، وهددت المجتمع الإنساني. جاء ذلك في كلمته خلال فعاليات مؤتمر "الأمن المجتمعي"، الذي نظمته رابطة العالم الإسلامي بالتعاون مع المنتدى العالمي للوسطية ومقره الأردن، في العاصمة عمّان بحضور عدد من كبار الشخصيات الأردنية يتقدمهم رئيس مجلس الأعيان الأردني فيصل الفايز كما حضرته شخصيات علمية وفكرية وسياسية وفعاليات مدنية متعددة من خمس وثلاثين دولة. وشدد الدكتور العيسى، أمام المؤتمر الذي شهد مشاركة حزمة من المفكرين والعلماء والباحثين والمسؤولين من عدد من الدول، على أهمية هذا اللقاء المؤتمري العالميّ، الذي يتصدَّى لموضوع وَحدة الأمة على هَدْي الوسطية والاعتدال، الذي يُمَثل مطلباً عزيزاً، ومرتكزاً رئيساً في دين الإسلام. وقال العيسى في كلمته: "عندما تكون الأمة في هذا الشأن، على جادة سواء، فعائد ذلك على داخلها في أمنها المجتمعي بمفاهيمه وتفاصيله كافة، وأيضاً عائده على رسالتها الشاملة التي جاءت رحمة للعالمين ومتممةً لمكارم الأخلاق"، موكداً أن "وعي الأمة عندما كان في حال من المد والجزر، من زمن لآخر، كنا على مشاهد مؤلمة من فصول تاريخية محسوبة على رجالِ أحداثها، وليس على الإسلام، إلا في منطق من حَمَّلَ الإسلام جنايةَ التوظيف والسطو". واستطرد بقوله: "وليس أحدٌ محسوباً على دين الله إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم، وعليه فليس من الرشد التكلفُ في تسويغ أخطاءِ التوظيف السياسي والمادي للدين؛ فهو لا يُنتج سوى المزيد من التأزم وفُقدان الثقة وترسيخِ الصورةِ الذهنية السلبية. وأضاف: "في سياق المد السيء، نجد أمامَنا طرفي نقيض التطرف: التطرفَ المحسوبَ زوراً على الإسلام، والتطرفَ المضادَّ المتمثلَ في ظاهرة ما يسمى بالإسلاموفوبيا، وقد تبادلا الاستفادة من بعض، كما تبادلا الرهانَ على مجازفات كل منهما". وشدد على أن الأمن المجتمعي في سبيل وصوله إلى وَحْدة الأمة، يتطلب منها النهوضَ بواجبها على أكمل وجه ـ كلٌّ في ما يخصه ـ إنْ في العدالة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، أو في نهوض علماء الأمة ودُعاتِها بمسؤوليتهم العلمية والفكرية على هدي الإسلام الرفيع. ودعا أمين عام الرابطة، حَمَلَةِ العلم والفكر، إلى توعيةَ شباب الأمة لتحصينهم من عاديات الشر التي خطفت عدداً منهم مستغلة عاطفتهم الدينية المجردة، لافتاً إلى "إن لكل نازلة بالأمة تشخيصاً يُوصِلُ إلى أسبابها وعلاجاً، وعندما نخطئ التشخيصَ (فواتاً أو مكابرة)، فإن العلاج الموهوم لن يقتصر على عدم الشفاء، بل سيُضاعف من الداء ويُعقد الحالة. وتطرق العيسى للحديث عن أثر الوعي في نهضة الأمم، قائلاً: "لم تنهض أمة من الأمم إلا بوعيها، وما أعاق الوعيَ إلا استحكامُ الجهل، إنْ بانسداد الفكر في بيئات التصنيف والكراهية والتوظيف السلبي، حيث ضيقُ الأفق وحلقاتُ السجال العقيم التي زادت الأمةَ عنتاً ومشقة، وطائفيةُ وصداماً، مُتَحَيِّنَة بيئاتِ الصراع السياسي لتُفَرخ فيها طفيلياتِ التطرف والإرهاب، في تكاثُر مؤلم، تَمَدَّدَ في منطقة فراغٍ، يتحمل طليعةَ مسؤوليةِ شغلِهِ علماءُ الأمةِ ومفكروها". وأكد أنه لا نهضة لأمة إلا بتمثل قيمها الرفيعة، سلوكاً يترجم صدقها وعزيمتها، بعيداً عن سردياتٍ لا طائل وراءها، كشفها الزمنُ ولا يزال، مضيفاً "كما لن تتجاوز صورتَها السلبيةَ، وبعضُ أقلياتها في عدد من الدول غير الإسلامية على عنت المواجهة مع بلدان دخلوها بعهد احترام دساتيرها وقوانينها وثقافتها، ليتجاوز الوعيُ بذلك، وكذا الوعيُ بحق المطالبة بالخصوصية الدينية وَفْق الأدوات الدستورية، إلى رفع الصوت بالصلف والكراهية والعناد غير المجدي، في سياق النكث بالالتزام، وعدم التفريق بين مفهومي الاحترام المادي والقناعة الدينية". وخلَص بأنه عندما نكون على أنموذج هذا الواقع المؤلم بغَيْبَةِ وعيه، فإننا أمام مُعضلةٍ، تعود بنا إلى الوراء، وإلى دعم حيثيات الكراهية المقابلة، ومن ثم التصعيد والصراع، لنؤكد مع الأسف نظرية صدام الحضارات في الوقت الذي ننعى على كراهيِّتها وتخلُّفِها". وأعتبر الأمين أن التسليةُ بالتوصيات والمقرَّرات في أعقاب المؤتمرات والملتقيات وهي حبيسة النَّفْسِ الأمارةِ، لن تجدي سوى إضاعة الجهد والوقت والمال، والملامةِ على أصحابها"، مشدداً على أن الأمة بحاجة إلى عزيمة صادقة، وتشخيص صحيح، قبل حلقات الدوار المفرغ، وهي تُدرك أن الحل يبدأ من داخلها، وأن التشخيص واضح أبلج. وكانت جلسات المؤتمر قد ناقشت مشكلة الإخلال بالأمن الفكري، وما نتج عنها من فساد عريض، جعل المجتمع العربي والإسلامي نهباً للأطروحات الفكرية المتطرفة التي نالت من قوته ووحدته وآماله في مستقبل مشرق، معتبراً أنه نتيجة متوقعة لحالة تغييب الوعي، وضمور الفكر، والاستسلام للمشاعر الحالمة، والخطاب الانفعالي المنفصل عن الواقع. وأكد المؤتمرون، ضرورة البحث عن صيغة للتوافق المجتمعي بين المكونات المختلفة، تحقق العدل، وتضمن للجميع حقوقهم في مجتمع تعددي آمن، يسعد في جنباته الجميع، داعين في الوقت ذاته إلى الانتقال بالأمة المسلمة من دائرة الإمكان الحضاري إلى دائرة الفعل الحضاري، بتعزيز الوسطية، ونشر الوعي، والانتقال من الرؤية الجزئية الضيقة لعالم اليوم إلى الرؤية الكلية الشاملة. وشددوا على جملة من الأسس والركائز الفكرية، تصدّرها تجديد التأكيد على أن الإسلام دين الوسطية والاعتدال والرحمة، ورفض الاعتراف أو التهاون مع الصورة المشوهة التي تقدمها بسوء فهم أو سوء قصد قوى التطرف عنه، مخالفة أصوله وشرائعه، وجاعلة المجتمع المسلم هدفاً مشروعاً لكل القوى المتربصة. وأكد المشاركون على أن تاريخ الإسلام يزخر بإثراء حضاري فريد أسهم في مسيرة الحضارة الإنسانية، وزاوج في عطائه بين إشراقة الروح ومطالب الجسد، وقدم للإنسانية الأنموذج الذي يسعدها في الدنيا والآخرة، وأن المسلمين اليوم قادرون على تقليص الفجوة الحضارية، واستعادة تلك التجربة الرائدة. ورأى المؤتمرون، أن الدعوات الطائفية والحزبية ثلمة تدمي المسلمين وتعمق جراحاتهم، مؤكدين أنها تعبير عن ضيق الأفق، وعدم إدراك الواقع والمتغيرات، وأن الإصرار على استعادة مشكلات التاريخ، وإعادة إنتاجها موقف مشبوه وغير مسؤول يفضي إلى إشعال الفتن بين المسلمين وخنق قضاياهم المصيرية، وصرفهم عن معالجة التحديات الآنية، واستشراف مستقبل أفضل. وقد دعا المؤتمر في بيانه الختامي المسلمين إلى امتثال مبادئ الإسلام وترجمتها إلى واقع يقرؤه الجميع من خلال الإسهام في بناء مجتمع إنساني متحضر يراعي التنوع الديني والثقافي، ويسعى في تحقيق العدالة الاجتماعية، وتعزيز الوحدة الوطنية، ويتعاون مع مكونات المجتمع الأخرى، في مواجهة التحديات والمشكلات بالحوار الهادف والتواصل الإيجابي، وصولاً إلى مجتمع العدل والسلم والتراحم. ورفض البيان دعوات الاستعلاء والإقصاء والتحزب، مطالبا بحشد الطاقات وترميم الفجوات لخوض الحرب العادلة مع قوى التطرف والإرهاب والطائفية التي تهدد وحدة المسلمين، وتستولد المزيد من دواعي الفرقة والصراع.

مشاركة :