تلقى العالم نبأ تعيين جون بولتون كمستشار للأمن القومي بدلاً من ايتش آر مكماستر بكثير من الانزعاج والترقب والاستغراب. فالرجل من صقور المحافظين الجدد وينزع إلى الحلول العسكرية في كل النزاعات، ولا يكترث لا بالقانون الدولي ولا بالمؤسسات الدولية. وقد شغل بولتون عدة مناصب من قبل، خاصة مع إدارة بوش الابن، حيث شغل منصب وكيل وزارة الخارجية للحد من التسلح والأمن الدولي (2001-2005). ثم عينه الرئيس جورج بوش سفيراً للأمم المتحدة في 2005 عندما كان الكونغرس في إجازة خوفاً من عدم حصوله على موافقة مجلس الشيوخ. وعندما حان التجديد له في 2006، انسحب بولتون من ترشحها بعد أن تبين له أن لجنة الشؤون الخارجية لن توافق على التعين بسبب آرائه المتشددة، خاصة أن بعض الجمهوريين يعارضون تعيينه في هذا المنصب الدبلوماسي الرفيع. وقد كان بولتون من أكبر المروجين لغزو العراق وتغيير نظام الحكم فيه. ولا يزال الوحيد الذي يرى أن غزو العراق كان قراراً صائباً وأن الغزو نجح في مبتغاه. رغم أن كثير ممن ساندوا غزو العراق تراجعوا عن آرائهم. بل إن بولتون يصر على غزو أو تغيير بعض من الأنظمة مثل كوريا الشمالية. وحين زاد التصعيد بين واشنطن وبيونغيانغ بسبب الصواريخ الكورية والأسلحة النووية، نشر بولتون مقالة شجع فيها الرئيس بالقيام بضربة وقائية والتي قال إنها مبررة قانونياً. وبسبب هذه الآراء والتي يراها الكثير بأنها رعناء، هناك الكثير ممن يتخوف من تعيينه مستشاراً للأمن القومي أكثر من المناصب الأخرى بسبب أن بولتون سيحظى بالقرب من الرئيس في البيت الأبيض، حيث يستطيع أن يهمس في أذنه أفكاراً كتلك التي دفعت الولايات المتحدة إلى اجتياح العراق والتي ما زال الإقليم يعاني من تداعياتها. والمسألة مقلقة بسبب أن الرئيس، في الشأن الدولي، يمكن التأثير عليه بسهولة. أضف إلى كل ذلك، ما يقال عن حدة بولتون في التعامل الشخصي. وقد شهد أحد الوزراء المساعدين السابقين في الخارجية في مجلس الشيوخ أن بولتون من النوع الذي يسيء لمرؤوسيه. وبالنسبة للشرق الأوسط فإن بولتون يرى بضرورة قلب نظام الحكم في دمشق. كما يرى أن على الرئيس دونالد ترامب إلغاء الاتفاقية النووية التي وقعها سلفه باراك أوباما. بل إنه يرى وجوب الإطاحة بالحكم الثيوقراطي في طهران واستبداله بنظام حليف للولايات المتحدة ومسالم لأصدقاء أميركا في المنطقة. وبالنسبة لأهم قضايا المنطقة والمتعلقة بالصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، فإن بولتون يتخذ موقفاً متشدداً من الفلسطينيين ومسانداً لإسرائيل، ويرفض حل الدولتين. بل إنه اقترح حل ثلاث دول. ويقصد فيه أن ما يسميهم المجموعات المتفرقة في الضفة الغربية تلحق بالأردن وقطاع غزة تعطى إلى مصر، وبالطبع تستولي إسرائيل على المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية. وبذلك يكتمل الحل ويكون لإسرائيل حدود آمنة، ويحصل الفلسطينيون على وطن وتنتهي معاناتهم والتي كانت الدول المعادية لإسرائيل، حسب رأي بولتون، هي السبب في هذه المعاناة أصلاً. ولهذا عندما أعلن تعيين بولتون مستشاراً صفق كثير من الساسة الإسرائيليين لهذا التعيين. ويرى آخرون أن بولتون هو الأصلح لهذا المنصب. ليس بسبب خبرته الطويلة في مجال السياسة الخارجية والأمن الدولي فحسب، بل لأنه يتناغم مع الرئيس في عدة مواقف سياسية. الاثنان يريان أن الاتفاقية النووية مع إيران كارثة ويجب إلغاؤها. كما يتفق الاثنان في مواجهة كوريا الشمالية. إضافة إلى أن الاثنين متوافقان بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. وبذلك يرى هؤلاء أنه اختيار موفق رغم اعتراضات الكثير. وليس هناك خوف من عرقلة التعيين من قبل مجلس الشيوخ، حيث لا يتطلب تعيين بولتون مستشاراً للأمن القومي موافقة المجلس لأنه تعيين داخل البيت الأبيض. ويبقى السؤال لماذا اختار الرئيس هذه الشخصية الخلافية ليحتل منصباً مهماً في الإدارة الحالية. الإجابة كما جاء سابقاً أن هناك اتفاقاً في المزاج وفي السياسات. فالرئيس يتصف بالتسرع في اتخاذ القرارات. وهذا يتوافق مع مزاج بولتون. كما أنهما لا يثقان بالقوانين أو الأعراف أو المؤسسات الدولية. ويعتقدان أن إظهار القوة الأميركية على الساحة الدولية تكسبها هيبة واحترام الكثير، ولا سيما الدول المارقة. وقد يكون هناك سبب آخر يتعلق بالرئيس والذي يطلق على نفسه رجل الصفقات. ويرى الرئيس أن ضم كل من بولتون كمستشار للأمن القومي ومايك بومبيو كوزير للخارجية سيخيف بهما العالم، وبالتالي سيحقق صفقات أفضل لنفسه في مواجهة دول العالم. ولعل هذا هو السبب الكامن في قول وزير الدفاع جيمس ماتيس عند استقبال جون بولتون في زيارته للبنتاغون يوم الخميس الماضي بصوت مسموع التقطتها محطات التلفزة «لقد سمعت أنك تتقمص الشيطان فأحببت أن أقابلك». هل الإدارة تريد استغلال هذه السمعة لبولتون لإخافة العالم منها؟ أم أن الرئيس ترامب يتأهب لشيء ما ويريد معاونيه أن يدعموا توجهاته تجاه العالم؟
مشاركة :