مدارس دير الزور وجامعاتها تنبض مجدداً بالحياة

  • 4/9/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

بعدما حرمهم تنظيم «داعش» الإرهابي من مدارسهم وجامعاتهم في محافظة دير الزور، يعود طلاب سوريون متلهفين إلى الكتب والورق والحبر ومقاعد الدراسة. وفي قرية الشميطية غرب دير الزور، يركض أطفال على ظهورهم حقائب الدراسة الملونة في باحة واسعة أمام مبنى رملي اللون، قبل أن يصعدوا إلى قاعات الدراسة للجلوس خلف المقاعد المتراصة. وفي إحدى غرف التدريس، يقول محمد الراغب بصوت خجول: «عمري 13 سنة، ولا أعرف القراءة ولا الكتابة، دخل الإرهابيون إلى مناطقنا ومنعونا من الدراسة». ويضيف الطفل الجالس على مقعد خشبي في شعبة الصف الخامس: «يجب أن أكون الآن طالباً في الصف الثامن، لكن ذلك لم يكن ممكناً»، مضيفاً: «بقيت سنتين أهرب منهم (الإرهابيون)» خشية التجنيد. وداخل غرفة الصفّ ذات الجدران الصفراء، يجلس ثلاثة أطفال على مقعد يتسع أساساً لطفلين فقط. يتصفح أحدهم كتاباً، وتكتب طفلة أخرى الأرقام على دفترها الصغير. وفي كانون الأول (ديسمبر) الماضي، وإثر عملية عسكرية واسعة بدعم جوي روسي استعادت قوات النظام السوري كل مدينة دير الزور والضفة الغربية لنهر الفرات الذي يقسم المحافظة إلى جزءين، فيما سيطرت فصائل كردية وعربية على الجزء الأكبر من الضفة الشرقية. ولا يزال «داعش» محاصراً في منطقة محدودة قرب الحدود العراقية. وخلال ثلاث سنوات من حكمه، فرض التنظيم قواعد صارمة على السكان، وألغى الدراسة وفق المنهج الحكومي، فمنع تعليم مواد الفيزياء والكيمياء واقتصرت مدارسه على تدريس الشريعة، وحصص الحساب على الرصاص والقنابل والسلاح. أما اليوم، فيردد التلاميذ خلف معلمتهم أحلام (39 سنة) الأرقام من واحد إلى عشرة أمام لوح أخضر اللون رسمت عليه فاكهة ونجوم. وعلى غرار الأطفال، حرمت أحلام وزملاء آخرين لها من التعليم خلال فترة سيطرة «داعش» على المحافظة، باستثناء أجزاء من المدينة. وتقول المعلمة السمراء التي تضع حجاباً أزرق اللون، «انقطعت عن المدرسة خمس سنوات على رغم أنهم أرادوا مني أن أعمل معهم، لكنني رفضت رفضاً قاطعاً». فضلت أحلام البقاء في المنزل وتدريس أولادها فقط، وانتقلت إلى العمل مع زوجها في الزراعة لتأمين لقمة العيش. وتضيف: «اعتقدت أنه لم يعد لأطفالنا أي مستقبل»، أما الآن تقول أحلام: «الحمد الله، أن الأطفال يدرسون، ليتعلموا على الأقل القراءة والكتابة». وحرمت سيطرة «داعش» على دير الزور 200 ألف طالب من التعليم، فضلاً عن خمسة آلاف مدرس من مزاولة مهنتهم، وفق إحصاءات مديرية التربية في المحافظة. وفي جامعة الفرات، عمدت إدارة الجامعة إلى تسوية أوضاع ستة آلاف من طلابها تمكنوا أخيراً من العودة إلى كلياتهم في الجزء الواقع تحت سيطرة النظام. حاولت منى الناصر (24 سنة) مراراً الفرار من مدينة الميادين إلى دير الزور للالتحاق في جامعتها، إلا أن محاولاتها كلها باءت بالفشل. وتقول: «كنت في سنة التخرّج» حين سيطر داعش على المحافظة «لم يكن لدي سوى دراستي (...) سعيدة بعودتي اليوم، وأتمنى ألا تعود تلك الأيام». في إحدى قاعات الجامعة، حيث ترتفع فوق مدخلها صور رئيس النظام بشار الأسد ووالده الرئيس السابق حافظ الأسد، يجري الطلاب امتحاناً، يقلبون الأوراق أمامهم، بدا بعضهم سارح الذهن قليلاً قبل الإجابة في حين يكتب آخرون من دون توقف. عادت أمينة (23 سنة) إلى مقاعد جامعتها بعد فتح الطريق بين دير الزور ومدينة الرقة غرباً، معقل «داعش» في سورية سابقاً. وتقول الشابة التي ترتدي حجاباً أبيض اللون، «حوصرت في الرقة ثلاث سنوات ولم أتمكن من إكمال دراستي بعدما كنت في السنة الثانية»، مضيفة: «كانت فترة صعبة جداً، حاولت الخروج من الرقة، ولم يحصل ذلك سوى بمعجزة». وإلى جانب المدارس والجامعات، تعود الحياة تدريجاً إلى مدينة دير الزور وقراها مع إزالة الأنقاض ورفع السواتر الترابية وفتح الطرقات. وعاد الكثيرون لتفقد منازلهم في الجزء الذي كان يسيطر عليه التنظيم الإرهابي، ومنهم من اختار البقاء حتى قبل وصول الخدمات الأساسية. وبعد ساعات شاقة لتنظيف منزلهم المتضرر، تستريح عائلة أم بلال (46 سنة) في منتصف أحد الشوارع، يشعلون الحطب للتدفئة ويطلون على أكوام الركام أمامهم والسيارات المحترقة. وتقول أم بلال: «غادرت منزلي منذ سبع سنوات، وحوصرنا في دير الزور لثلاث سنوات»، وعلى رغم ما لحق بمنزلها، تضيف: «الجلوس وسط الدمار جميل لأنه منزلك وملكك، لا أحد يستطيع أن يطلب منك الذهاب».

مشاركة :