عبد اللطيف الزبيدي ما هي مكانة الفكر في العالم العربي؟ اليوم افتتاح «مؤتمر الفكر العربي» في دبي، مناسبة طيّبة لاستعراض جوانب مهمّة ليس الملتقى محلّ طرحها. على خطى الشابي: «إذا الشعب يوماً أراد الحلول.. فلا بدّ أن تستجيب العقول». كلمة فكر (الفكر) المستخدمة في العربية، منذ القرن العشرين، مفهومها مستورد من الغرب، فهي بلا مرجعية تاريخيّة، لأنه لا وجود لأحد من أعلامنا القدامى وصف بأنه مفكّر. كان لدينا المناطقة والفلاسفة وعلماء الكلام (علم الكلام- الفلسفة الإسلامية- التفلسف في نطاق تعاليم القرآن والإيمان بالغيبيات). لكن الثلاثيّ «ف ك ر» قديم، ومنه الفكر والتفكّر. في القرآن وردت في صفة الكافر: «إنه فكّر وقدّر» (المدثر 18)، وجاءت تصف المؤمنين: «ويتفكرون في خلق السماوات والأرض» (آل عمران 191)، ومراراً بمعنى يتأمّلون ويعقلون. معاني الفكر في الشعر مضامين متقاربة. لدى المتنبيّ: «ومن تفكّر في الدنيا ومهجته.. أقامه الفكر بين العجز والتعبِ». الفكر هنا «كوكتيل» من التأمّل والهمّ وفي النهاية الحيرة. هل كان أبو الطيّب يدرك أنه لخّص الفلسفة في هذا البيت؟ فللفلسفة محوران لا ثالث لهما، هما: من أنا (مهجته)؟ وما هو محيطي (الدنيا، الحياة على الأرض والكون)؟ أبو فراس لديه شطح بعيد في دلالة الفكر: «تكاد تضيء النار بين جوانحي.. إذا هي أذكتها الصبابة والفكرُ». كيف تجمع بين لوعة الحبّ والفكر؟ هذا أيضاً من اللاّ مفكّر فيه لدى محمد أركون. الفكر لدى الحمدانيّ زيت يُصبّ على النار في الجوانح. المعاجم القديمة شروحها تُفاقم الإبهام. «لسان العرب» يقول: «الفكر إعمال الخاطر في الشيء». نسأله: وما هو الخاطر؟ فيقول: «الخاطر ما يخطر في القلب من تدبير أو أمر». في مقاييس اللغة يقول أحمد بن فارس: «الفاء والكاف والراء: تردّد القلب في الشيء»، حالة جيشان. القلب هنا بمعنى العقل والخاطر والنظر والرأي والتفكير. عليك اختيار ما يحلو لك. في «القاموس المحيط» يقول الفيروز آبادي: «الفكر إعمال النظر في الشيء». أصحاب المعاجم في كل اللغات يسرق بعضهم بعضاً مع تغيير لون مفتاح الجملة: الخاطر، النظر، القلب. نخلص من كل ذلك إلى أن المصطلح الحديث مستورد، فالأصل ليس فيه بحث فلسفيّ وتحليل منهجيّ ونقد للقيم. الفرق بين المفكّر والفيلسوف هو أن الأخير له مذهب أو مدرسة وأتباع، مثل سقراط، أفلاطون، هيجل، ماركس، سارتر... أمّا المفكّر فهو بلا «مريدين» بتعبير المتصوفين، فكل فيلسوف مفكّر، وليس كل مفكّر فيلسوفاً. في عصرنا لدينا مفكرون أساتذة فلسفة، لا فلاسفة، مثل زكي نجيب محمود، مالك بن نبي، أركون، الجابري، هشام جعيط وغيرهم. لزوم ما يلزم: النتيجة الانتظاريّة: ذلك كله تمهيد، غداً بإذن الله يتناول القلم مكانة الفكر في العالم العربيّ. abuzzabaed@gmail.com
مشاركة :