يتعرض الإصلاحيون في إيران لضغوط شديدة في هذه المرحلة زادت من احتمالات تكرار ما حدث في عامي 2004 و2005، عندما خرجوا تدريجيا من السلطة التي سيطرت على معظم مراكزها الأجنحة المتشددة في تيار المحافظين الأصوليين. ولم ينجح رهانهم على الوصول للصفقة النووية ورفع العقوبات الدولية في تكريس نفوذهم داخل مؤسسات النظام، بعد أن تمكن الأصوليون من الحفاظ على مواقعهم واستغلال العقبات التي واجهها الإصلاحيون بسبب التطورات الطارئة على الساحتين الداخلية والخارجية. وكان حسين شريعتمداري رئيس تحرير صحيفة “كيهان” (الدنيا)، القريبة من مكتب المرشد وتعتبر متحدثة بلسان تيار الأصوليين، آخر من شن حملة انتقادات قوية ضد الإصلاحيين، حيث كتب مقالا في 3 أبريل 2018، اتهم فيه الإصلاحيين بالتورط في أزمة عام 2009 ومحاولة استغلال العقبات التي تواجه الاتفاق النووي حاليا من أجل الدعوة إلى التوقف عن تطوير الصواريخ الباليستية ودعم الحلفاء في المنطقة. كما استغل الأصوليون دعوة المرشد الأعلى علي خامنئي لاعتبار العام الإيراني الجديد (بدأ في 21 مارس الماضي) عام الإنتاج الوطني، لتأكيد أن النظام بدأ يتراجع عن السياسات التي يتبناها الرئيس حسن روحاني ويدعمها الإصلاحيون، على أساس أن تلك الدعوة تشير إلى استعداد النظام لمرحلة جديدة من العقوبات الدولية، في حالة توقف العمل بالاتفاق النووي، وانسحاب الاستثمارات الأجنبية من إيران. ويفاقم من هذا المأزق أن الإصلاحيين سيفتقدون للقيادة التي يمكن أن تساعدهم في توحيد صفوفهم ومواجهة الضغوط التي سيتعرضون لها. فالرئيس روحاني لن يجدد رئاسته للجمهورية بعد عام 2021، باعتبار أنها الثانية والأخيرة ولن يحق له الترشح من جديد إلا بعد مرور أربعة أعوام أخرى تنتهي في عام 2025. وتشير التجارب السابقة إلى أن أيا من رؤساء الجمهورية السابقين لم يستطع العودة إلى منصبه من جديد بعد انتهاء ولايته الثانية. إذ تعرض هاشمي رفسنجاني لهزيمة فادحة في عام 2005 أمام محمود أحمدي نجاد. وأخفق الأخير بدوره في المنافسة على المنصب من جديد عندما رفض مجلس صيانة الدستور ترشيحه دون إبداء أسباب في عام 2017. وهنا، فإن أقصى ما يمكن أن يطمح إليه روحاني هو استمرار تعيينه في بعض مؤسسات النظام، مثل مجلس تشخيص مصلحة النظام الذي لم يكن له دور كبير في الفترة الماضية، إلى جانب عضويته في مجلس خبراء القيادة الذي تنحصر مهمته الرئيسية في تعيين وعزل المرشد الأعلى ومراقبة أعماله. استغل الأصوليون دعوة المرشد الأعلى علي خامنئي لاعتبار العام الإيراني الجديد (بدأ في 21 مارس الماضي) عام الإنتاج الوطني، لتأكيد أن النظام بدأ يتراجع عن السياسات التي يتبناها الرئيس حسن روحاني ويدعمها الإصلاحيون الأكثر من ذلك، أن الرصيد السياسي لروحاني يتراجع باستمرار، ليس فقط بسبب ضغوط خصومه السياسيين من المحافظين الأصوليين، وإنما أيضا بسبب استياء أنصاره من الإصلاحيين، بعد إخفاقه في حسم الملفات الخلافية، وعلى رأسها رفع الإقامة الجبرية عن مير حسين موسوي آخر رئيس وزراء لإيران قبل إلغاء المنصب (وزوجته زهرا راهنافارد) ومهدي كرويي رئيس مجلس الشورى الأسبق. وانعكس ذلك في الدعوات المتعددة التي وجهها بعض النواب الإصلاحيين في مجلس الشورى، وآخرها في 3 أبريل الجاري، إلى روحاني بضرورة استعمال سلطاته لإغلاق هذا الملف الذي بدأ عامه الثامن. ووجه النائب الأول لرئيس مجلس الشورى مسعود بزشكيان والنائب الإصلاحي إلياس حضرتي رئيس المجلس التنفيذي لحزب “اعتماد ملي” (الثقة الوطنية) الذي كان يرأسه كروبي، رسالة لروحاني حذراه فيها من أنه سيفقد شعبيته داخل أوساط الإصلاحيين تدريجيا في حالة ما إذا لم ينجح في حسم هذا الملف، ودعياه إلى المطالبة بعقد اجتماع للمجلس الأعلى للأمن القومي لممارسة ضغوط من أجل تحقيق ذلك. احتمال عودة الإصلاحيين إلى نقطة الصفر من جديد ربما لا يكون مستبعدا، في ظل التحولات التي تتعرض لها إيران على الساحة الداخلية، والضغوط التي تواجهها على الصعيد الخارجي. ولن تكون هذه هي المرة الأولى التي يتعرضون فيها لهذا الاختبار، فقد سبق أن تم إقصاؤهم من داخل مؤسسات النظام، بداية من عام 2004، بعد أن كانت لهم السيطرة الأكبر عليها. وتدخل النظام في هذه المرحلة من أجل تقليص نفوذهم السياسي، مستخدما في هذا السياق مجلس صيانة الدستور، الذي تتمثل إحدى مهامه في “فلترة” المرشحين للاستحقاقات الانتخابية المختلفة، سواء انتخابات رئاسة الجمهورية أو مجلس الشورى أو مجلس خبراء القيادة. واستند مجلس الصيانة إلى أسباب فضفاضة في رفض ملفات عدد كبير من المرشحين الإصلاحيين للانتخابات البرلمانية التي أجريت في عام 2004، بشكل ساهم في تعرضهم لهزيمة نكراء لصالح الأصوليين. ومهد ذلك، بدرجة كبيرة، لنجاح الأصوليين في الفوز بانتخابات رئاسة الجمهورية التي أجريت بعد ذلك بعام واحد، بعد أن حقق الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد فوزا ساحقا على هاشمي رفسنجاني. لذا ظهرت أصوات عديدة داخل تيار الإصلاحيين تدعو روحاني إلى حسم الملفات الأكثر أهمية قبل فوات الأوان، أي خلال الفترة المتبقية من ولايته الرئاسية الثانية، قبل أن يضعف تأثيره في السلطة بشكل كبير في عام 2021، ويتعرض الإصلاحيون للإقصاء من المؤسسات الأخرى في عام 2020. ورغم أن مؤشرات عديدة تكشف أن النظام قد يقدم على دراسة هذا الخيار، إلا أن ذلك لا ينفي أن بعض أقطابه باتوا يعتبرون أن بقاء “أنصار فتنة 2009” في السلطة، في إشارة إلى الإصلاحيين، يمثل تهديدا كبيرا للنظام. وتعمدوا الربط بين الضغوط الخارجية التي تتعرض لها إيران في المرحلة الحالية وبين الاحتجاجات الداخلية التي يواجهها النظام بسبب السياسات التي يتبناها. وفي ظل هذه الظروف، لا يبدو أن الإصلاحيين سينجحون في الحفاظ على نفوذهم السياسي داخل مؤسسات النظام، خاصة في ظل التوتر والاحتقان اللذين تتسم بهما التفاعلات الجارية على الساحة الداخلية، بشكل يعني أنهم يواجهون مأزقا حرجا قد لا يستطيعون تجاوزه بسهولة خلال المرحلة القادمة.
مشاركة :