برلين - توفيق الزوج بين العمل والأسرة صعب، وإحدى الصعوبات في ذلك أن الكثير من الرجال لديهم مشكلة في الاعتراف بحاجتهم إلى المساعدة، والخطر أن الوالد سيصبح مثقلا بأعباء الحياة الأسرية والمهنية، وقد يتسبب ذلك في إصابته بالاحتراق النفسي. والرجال الأكثر عرضة لذلك هم الذين يحاولون أن يكونوا الزوج والوالد المثالي، بحسب هيلين هاينمان من معهد “آي.بي.بي” الألماني للوقاية من الاحتراق النفسي. ولدى الكثير من الرجال توقعات عالية للغاية ولا يفهم كل موظف المطالب التي تأتي مع تكوين أسرة، ويظل الرجل حريصا على تقديم المئة بالمئة في العمل بغض النظر عن الوقت الذي يجب أن يستثمره في أسرته. ويحتاج الرجل الذي يختار نموذجا مختلفا إلى أن يستثمر وقته ومجهوده بوعي في تحقيق هذا الهدف، بحسب التربوي روبرت ريشتر. وينصح الآباء بالتحول إلى وظيفة بنصف الوقت إذا ما شعروا بالحاجة إلى قضاء المزيد من الوقت مع الأسرة. وأضاف ريشتر “يقول لي الكثيرون:هذا لن يجدي نفعا معي. وأسألهم ولم لا؟ ما الذي يمنعك من فعل هذا؟ ما هو الشيء الأكثر أهمية بالنسبة إليك؟ طفلك أم ربّ عملك؟”. وتقول هاينمان إن أرباب العمل ليسوا مصدر الضغط الوحيد في حياة الأب. فيمكن أن تخلق بعض النساء انطباعا بأن الشريك لا يقوم بدوره كوالد بشكل ملائم. وتضيف “هذا محبط للغاية للرجل. وإذا أرادت الأم من شريكها أن يلعب دوره بشكل ملائم يجب عليها أن تمنحه الفرصة للقيام بذلك”. خبراء ينصحون الآباء بالتحول إلى وظيفة بنصف الوقت، إذا ما شعروا بالحاجة إلى قضاء المزيد من الوقت مع الأسرة وهذا يعني عدم الحكم على كل شيء من منطلق معايير الأم، وإذا حدث ولم يكن الوالد معه حلوى في جيبه فإن هذا ليس نهاية العالم، ويقع على عاتق الأب أيضا تولي المسؤولية كاملة عن طفله منذ البداية . ويقول ريشتر إنه ليس هناك ثمة حاجة للوقوع في أحبولة الأدوار الأبوية التقليدية ولا سيما إذا كانت الأم والأب تروق لهما حياتهما المهنية، وأفضل استراتيجية هو تجنب الإخلال بالمسؤوليات، وهو ما يمكن أن يضيف ضغطا لا داعي له على أيّ منهما في وظيفة صعبة بالفعل. وأوضح قائلا “إذا كنت تفكر كثيرا بالفعل في شأن غسل أسنان طفلك وما الذي يجب أن ترتديه قبل اجتماع مهم في العمل، فأنت في خطر الإصابة بالاحتراق النفسي. وهذا ينطبق على كل الأمهات والآباء”. وأظهرت دراسة أميركية أن الآباء الذين يشاركون في تنشئة أبنائهم ربما يسهمون في الحد من قابلية الأطفال للسمنة، حيث درس الباحثون حجم مشاركة الآباء في أنشطة رعاية أطفالهم الصغار مثل إعداد الطعام لهم أو اللعب معهم خارج المنزل وتأثيرهم على القرارات المتعلقة بالتغذية والصحة والنظام للأطفال بين عامين وأربعة أعوام. وبيّنت الدراسة أن أي نشاط إضافي يقوم به الأب في رعاية أطفاله -مثل مساعدتهم على ارتداء ملابسهم والاستحمام وغسل أسنانهم والنوم- ارتبط بخفض استعدادهم للسمنة بنسبة 33 بالمئة. وقالت ميشيل وونج من كلية الصحة العامة بجامعة جونز هوبكنز في بالتيمور والمعدة الرئيسية للدراسة “من المحتمل عندما يشارك الآباء بفاعلية أكبر أن يزيد الوقت الإجمالي الذي يقضيه الأبوان في رعاية أطفالهما، فليست الأم وحدها من ترعاهم بل الأب أيضا". وأضافت “عندما يتشارك الأبوان قد تتحسن نوعية الرعاية كذلك”. ومن جانبه قال فيليب مورجان الباحث في جامعة نيوكاسل بأستراليا والذي لم يشارك في الدراسة “عندما يصطحب الآباء أطفالهم للخارج من أجل اللعب يستفيدون جميعا من فوائد النشاط البدني”. ونبه باحثون في جامعة ألينوي الأميركية إلى أن تبادل الأدوار التقليدية بين الرجل والمرأة يتسبب في عدم رضا الاثنين على السواء، مشيرة إلى أن المرأة حين تكون هي معيلة الأسرة بعملها الوظيفي تزيد احتمالات إصابتها بالكآبة، والعكس هو الصحيح بالنسبة إلى الرجل الذي يكون سعيدا حين ينهض بمهمة إعالة الأسرة، ويكون مصدر دخلها الرئيسي. ودرس الباحثون معلومات عن زهاء 1500 رجل و1800 امرأة أعمارهم بين 52 و60 سنة. وقُيّمت درجة سعادتهم باستبيانات خاصة. فوجدوا أن سعادة الرجل تناقصت فور خروجه من سوق العمل وتحوّله إلى المسؤولية عن شؤون المنزل حيث يقوم بالأعباء التي تتولاها تقليديا ربة البيت. الآباء الذين يتركون العمل ويتفرغون لرعاية الأطفال، قد ينظر المجتمع إليهم نظرة سلبية يمكن أن تؤثر بدورها على صحتهم العقلية وفي مقابل ذلك لم يتأثر الوضع النفسي للمرأة نحو الأسوأ نتيجة تركها الوظيفة لتصبح أمّا تلازم البيت لإدارة شؤونه ورعاية الأطفال. وبينت رئيسة فريق الباحثين كارين كريمر قائلة “إننا لاحظنا إحصائيا وجود اختلاف مهم وكبير في أعراض الكآبة بين الرجل والمرأة في دراستنا”. وأشارت كريمر إلى أن النتائج تسند الفرضية العامة القائلة إن درجة السعادة تكون أقل بين الأمهات والآباء، الذين يخرقون القواعد المتعارف عليها في تقاسم الأدوار بشأن العمل مدفوع الأجر والعمل المنزلي، وتكون أعلى بين الآباء والأمهات، الذين يلتزمون بالأدوار التقليدية للرجل والمرأة. وقال الباحثون “في حين أن المرأة العصرية تتمتع بفرص تعليمية ومهنية أكثر مما كان متاحا لوالدتها وجدتها، فإن تطور مواقف المجتمع وتوقعاته بشأن دور الرجل ودور المرأة في مكان العمل والبيت كان أبطأ”. وأضافوا أن الرجل والمرأة اللذين يخرجان عن الأدوار التقليدية للجنسين وخاصة الآباء الذين يتركون العمل ويتفرغون لرعاية الأطفال، قد ينظر المجتمع إليهم نظرة سلبية يمكن أن تؤثر بدورها على صحتهم العقلية. كما توصلوا إلى أن الزوجة التي تعتقد أنها وزوجها يتحملان مسؤوليات متساوية حين يتعلق الأمر بتوفير الدخل ورعاية الأطفال تتحسن صحتها العقلية والنفسية حين يكون راتبها أقرب إلى راتب الزوج. وأفادوا أن “هوية العمل والدور التقليدي للمعيل الرئيسي ما زالا يتسمان بأهمية بالغة عند الرجل حتى حين يكون من أنصار المساواة”. وقال خبراء العلاقات الأسرية “من الأسباب التي تنتج توترا في العلاقة بين الشريكين تقاسم المسؤولية حول تربية الطفل أو الأطفال، إلى غيرها من المسؤوليات العائلية التي قد تحول الحياة إلى روتين ميكانيكي بعيدا عن حرارة الأحاسيس العاطفية التي كانت تملأ المنزل قبل مجيء الأطفال".
مشاركة :