تثير التهديدات المتبادلة بين أمريكا وروسيا التكهنات حول سيناريوهات الرد الأمريكي على استخدام مزعوم للغازات الكيميائية في سوريا من قبل النظام السوري، خصوصاً بعد فشل الجهود الدبلوماسية حول هذا الموضوع في مجلس الأمن. بعد توعّد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بـ"ردّ قوي" على النظام السوري بسبب الهجوم "الفظيع" بالأسلحة الكيميائية في دوما، قال ترامب في تغريدة له على تويتر إن على روسيا الاستعداد للصواريخ الأمريكية التي ستستهدف سوريا. وتأتي هذه التغريدة رداً على تصريحات لمسؤول روسي بأن روسيا ستسقط الصواريخ الأمريكية في حال شن أيّ هجوم على سوريا. وتدرس واشنطن وحلفاؤها حالياً توجيه ضربة للقوات الحكومية السورية، مع فشل الجهود الدبلوماسية في مجلس الأمن حول إنشاء آلية تحقيق حول استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا، إذ لم يعد للأمم المتحدة هيئة تحقيق خاصة بالهجمات الكيميائية في سوريا، منذ وقف عمل آلية التحقيق المشتركة نهاية 2017 والتي لم تجدد ولايتها بسبب استخدام روسيا للفيتو مراراً. ويأتي التصعيد الأمريكي الروسي في وقت أعلنت فيه منظمة حظر الأسلحة الكيميائية أنها سترسل فريق تحقيق إلى مدينة دوما السورية "خلال فترة قصيرة" للتحقيق في الهجوم المزعوم بالسلاح الكيميائي، الذي أوقع عشرات القتلى وأدى إلى موجة من ردود الفعل المستهجنة في العالم. لكن مدى جدية إرسال هذا الفريق، الذي لا يملك صلاحية تحديد الجهة التي استخدمت هذه الاسلحة، بالإضافة إلى المواقف غير الواضحة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، تزيد من التكهنات حول شكل الرد الأمريكي على الهجوم الكيميائي المزعوم، الذي استهدف مدينة دوما الخاضعة لسيطرة المعارضة في غوطة دمشق يوم السبت (7 نيسان/ أبريل 2018). أدى الهجوم بالغاز الكيميائي على دوما إلى إصابة عشرات المدنيين، بينهم هذان الطفلان، حسب منظمة الخوذ البيضاء ضغط دبلوماسي: كما حصل في عهد أوباما قد يكون هدف هذا التصعيد هو الضغط الدبلوماسي على نظام الأسد للتخلي عما بحوزته من الأسلحة الكيميائية، كما حصل بعد أكبر هجوم للسلاح الكيميائي من قبل النظام في الغوطة الشرقية في أغسطس/ آب عام 2013، والذي أسفر عن مقتل المئات من المدنيين. فبعد الحديث عن تدخّل أمريكي آنذاك، في عهد الرئيس الأمريكي باراك أوباما، اقترحت روسيا تدمير الترسانة الكيميائية للنظام السوري، للحيلولة دون ذلك التدخل، وتعهّد النظام السوري بالتوقف عن استخدام الأسلحة الكيميائية اعتباراً من 19 أغسطس/ آب 2014، وشاركت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في تدمير مخزونه من السلاح الكيميائي. إلا أن تقريراً من صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية نُشر في شباط/ فبراير الماضي كشف نقلاً عن خبراء في الأمم المتحدة أن هناك أدلة على امتلاك النظام السوري المزيد من الأسلحة الكيميائية مشيراً إلى أنه يتلقى المواد، التي يمكن استخدامها في إنتاج الأسلحة الكيميائية من كوريا الشمالية. لكن هذا السيناريو بالاقتصار على الضغط الدبلوماسي قد يجعل ترامب يبدو وكأنه يسير على نهج أوباما، الذي دائماً ما ينتقده، فعندما كان أوباما يفكر بتنفيذ ضربات على سوريا لمعاقبة الأسد لاستخدامه أسلحة كيميائية، شكك ترامب في جدوى ذلك. وكتب على تويتر: "ماذا سنجني من ضرب سوريا غير مزيد من الديون ونزاع محتمل طويل الأمد؟". لكن يبدو أن ترامب قد غيّر مواقفه حول سوريا بعد أن استلم السلطة، لأنه قد أدرك أن الأشياء في الحقيقة ليست كما كان يعتقد، حسبما يرى الخبير الألماني هينينغ ريكه من المركز الألماني للعلاقات الخارجية.هجمات عسكرية محدودة: الأكثر احتمالاً وقال الخبير الألماني في حديث مع DW إن ترامب قد يكرّر ما فعله في نيسان/ أبريل من العام الماضي، حين أمر برد عسكري أميركي عقابي على هجوم دام بغاز السارين شنّه النظام السوري على بلدة خان شيخون، الخاضعة لسيطرة المعارضة، فأمطرت القوات الأمريكية قاعدة جوية سورية بأكثر من 50 صاروخاً من طراز توماهوك، دون القيام بأية إجراءات واسعة لتغيير المشهد على الأرض. صورة من التلفزيون السوري تظهر مطار الشعيرات الذي استهدفته الصواريخ الأمريكية العام الماضي وقد أكّد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي تحدث هاتفياً مع ترامب مرتين في أقل من 24 ساعة، أن أي تحرك عسكري لن يستهدف حلفاء الحكومة السورية أو أي طرف على وجه التحديد لكنه سيستهدف المنشآت الكيميائية التابعة للحكومة السورية. ورجح المحلل العسكري الروسي في وكالة تاس الروسية، فيكتور ليتوفكين هذا السيناريو، وقال في حديث لـDW عربية: "ستقتصر الضربة العسكرية على صواريخ توماهوك من المدمرتين "دونالد كوك" و"بورتر"، التي تقترب الآن من سواحل سوريا، لأنه لا توجد في البحر الأبيض المتوسط حاملات طائرات أمريكية، على حد علمي".ضربة عسكرية قاصمة للأسد: ويعتقد الخبير في العلاقات الدولية الدكتور دانيال سيروير أن ضربات محدودة على بعض المنشآت لن يكون لها أي تأثير، لكنه لا يستبعد شن ضربة عسكرية أمريكية "قوية جداً". وقال سيروير، الباحث بمعهد الشرق الأوسط في واشنطن، في حديث مع DW: "قد يتم تدمير القوة العسكرية لنظام الأسد بشكل كامل (...) بالإضافة إلى استهداف القصور الرئاسية، التي يتنقل بينها الرئيس السوري بشار الأسد، وقد يؤدي ذلك إلى مقتله". لكن الخبير الأمريكي يشكّ في قدرة أمريكا على مواجهة ما سينتج عن قتل بشار الأسد، ويتابع: "لا أعتقد أنه لدى أمريكا حلفاء يتوقع منهم أن يتولوا مقاليد الأمور في سوريا فيما بعد". لا يستبعد الخبير في العلاقات الدولية الدكتور دانيال سيروير استهداف بشار الأسد من قبل الصواريخ الأمريكية تصعيد خارج عن السيطرة ويرى دانيال سيروير أن احتمالات التصعيد بين أمريكا وروسيا تظل قائمة، ويقول: " لا يوجد أدنى شك في أن الروس سينتقمون في حالة تعرض جنودهم للقتل". منذ التدخل الروسي في سوريا عام 2015 سعى الجيشان، الأمريكي والروسي، إلى تفادي الاشتباك، لكن القوات الأمريكية قتلت أو أصابت عشرات المتعاقدين الروس، الذين يقاتلون إلى جانب قوات الحكومة السورية خلال مواجهة في محافظة دير الزور في شباط/ فبراير الماضي، لكن الأمر لم يصل لحد المواجهة بعد أن اتصل الجيش الأمريكي بضباط روس. ويقول الخبير الروسي فيكتور ليتوفكين إنه يمكن أن تؤدي الضربة العسكرية إلى مواجهة خطيرة بين الدولتين، ويتابع: "إذا تم استهداف قاعدة حميميم الروسية فإن ذلك إعلان للحرب على روسيا، ما قد يعني نشوب الحرب العالمية الثالثة". أما الخبير الألماني هينينغ ريكه، من المركز الألماني للعلاقات الخارجية، فيرى أن ترامب أمام معضلة حقيقية، وعليه أن يفعل شيئاً في كل الأحوال، ويتابع: "ترامب يريد أن يظهر كقائد قوي، لكنه إن لم يتخذ قراراً قوياً فإن ذلك سيؤثر على صورته". الكاتب: محي الدين حسين
مشاركة :