سقط نظام صدام حسين في التاسع من أبريل سنة 2003 بعد عدوان أمريكي وبريطاني وحلفائهما على مدى 20 يوما من القصف المستمر على مدن وقرى العراق وهدم البنية التحتية وقصف المدارس والجسور والمطارات وغيرها تحت ذريعة ان النظام في العراق لديه علاقة مع تنظيم القاعدة الإرهابي في أفغانستان ويمتلك أسلحة كيماوية يمكن ان تهدد أمن واستقرار المنطقة. ومن المضحك أن هاتين التهمتين لم تكونا صحيحتين وباعتراف توني بلير رئيس الوزراء البريطاني حينها وبإقرار وزير الدفاع الأمريكي أيضا، بالإضافة إلى أن لجنة التفتيش الدولية لم تجد دليلا قاطعا على امتلاك العراق لسلاح دمار كيماوي أو شامل، إنما كانت هاتان الحجتان لازمتين لتبرير الهجوم على العراق من جهة، ولإقناع دول العالم وخاصة الدول المجاورة والدول الأوروبية بضرورة ردع العراق من جهة ثانية، وثالثا لإرضاء الكيان الصهيوني وطمأنته وأشعاره بالأمان كون ان العراق هو أول دولة عربية تجرأت على ضرب إسرائيل بالصواريخ مما عده الأمريكان تعديا على دولة حليفة، فبالتالي تهديد للمصالح الأمريكية بالمنطقة ويمكن ان تنعكس هذه الحالة الجديدة والجرأة على ضرب دول حليفة أخرى بالمنطقة وخاصة أن للعراق سجلا لم يمح جراء غزوه الكويت في الثاني من أغسطس 1990. وتوقع عدد من العراقيين وخاصة المتعاونين مع أجهزة المخابرات الأمريكية والبريطانية والإيرانية من الملالي والمحسوبين على المعارضة العراقية في الخارج ان عراق ما بعد الغزو سيكون بمثابة جنة تحت أقدامهم وأن الأمن والأمان والطمأنينة والاستقرار والسلام هي ثمار هذا العدوان من جهة، ومن جهة أخرى بمثابة فصول جديدة في تاريخ العراق الحديث أي مرحلة جديدة عن مرحلة ما بعد حكم حزب البعث الذي دام 35 عاما، فيما اعتقد آخرون ان الضريبة التي سيدفعها العراقيون ستكون باهظة جدا، وأنها لن تكون هدية بالمجان، وقد صدقت توقعاتهم حيث حلت الكارثة بالعراق بعد سقوط بغداد. كما ان للعراق سجلا عسكريا معروفا ومشهودا له في حربه مع إيران على الرغم من الخسائر التي تعرض لها الطرفان ولكن النهاية هي إرغام إيران على القبول بالصلح ووقف استمرار حربها على العراق، هذه الحرب التي استمرت 8 سنوات، هيأت للعراق مكانة متقدمة وقوية للجيش العراقي بمنطقة الشرق الأوسط، ومن هنا كانت نقطة البداية للحد من قوة هذا النظام ومن ثم العمل على أضعاف جيشه سواء عبر إدخاله في حروب مع دول الجوار أو من خلال الهجوم على أراضي ومدن العراق كما حصل في مارس 2003. طبعا هذا لا يعني إعفاء النظام السابق من أخطاء كثيرة حصلت إبان فترة حكمه ولا سيما ان حزب البعث هو حزب علماني يفترض ان يكون فيه للديمقراطية وتقبل الرأي والرأي الآخر حيز أكبر في تطبيق سياساته وبرامجه على ارض الواقع، ولكي لا نتجرأ على النظام السابق كثيرا، فإن الحقيقة الناصعة هي ان مؤامرة دولية محاكة ضد النظام السابق مهما حاول اللف والدوران والتجاوب مع مطالب منظمة الأمم المتحدة والدول الغربية. وفي أجواء ما، يجري في العراق أو بالأحرى ما جرى خلال الـ 15 عاما من بعد الاحتلال وتناوب قادة حزب الدعوة الإسلامي (المالكي والعبادي) على منصب رئاسة الوزراء وتناوب رئاسة الجمهورية (للأكراد) ورئاسة البرلمان للسنة، وهو ما يعرف بسياسة المحاصصة حيث أعطيت مناصب وزارية لتيارات الوفاق الوطني وتيار الحكمة (المجلس الأعلى) والتيار الصدري وغيرهم من هذا الخليط غير المتجانس من المتلبسين بالدين الإسلامي وغيرهم، فلقد شهد العراق عددا من المشاكل وظلت معاناة الموطنين من المياه والسكن والمدارس والمستشفيات وإعادة بناء الجسور. بالإضافة إلى ملفات سرقة الأموال العامة وتصاعد الفساد المالي والإداري، وصار هم القيادات الجديدة (اجتثاث البعث)، وهو مصطلح اقرب إلى الأضحوكة، طرحه السارق الكبير أحمد الجلبي، ومازال الموضوع معمولا به على الرغم من اعتراض عدد من النواب وعدد من مؤسسات المجتمع المدني عليه ولا سيما ان هذا القانون لا يفترض ان يشمل كل من انتمى إلى حزب البعث، فهؤلاء هم عراقيون ومن حقهم العمل والحصول على لقمة العيش في بلدهم، بل من حق عدد كبير من عراقيي الخارج من الفنانين والأدباء والمهنيين والكفاءات العلمية العودة إلى ديارهم ولكن الخوف من القبض عليهم مازال يلوح في الأفق، وفي هذا الشأن نقول تعيبون على الرئيس صدام ذلك، فكيف تبيحون لأنفسكم حرية القبض وجرائم القتل؟ أليس هذا غريبا؟ والمضحك الأكثر ان نور المالكي رئيس الوزراء السابق يقول بمناسبة اقتراب موعد الانتخابات النيابية، إن هناك مخططَيْن من قبل البعثيين لسرقة الثورة، الأول: انقلاب عسكري والثاني: انقلاب سياسي. وهنا نتوقف لنتساءل: هل ما جرى في العراق في مارس 2003 من عدوان عليه يسمى «ثورة»؟! ومن يستطيع اليوم القيام بانقلاب عسكري والجيش العراقي تحت أمرتكم؟! ومن يستطيع والمليشيات تحت سيطرتكم؟! هذا عدا وجود الحشد الشعبي وغيره، ومن يستطيع ان يدخل في عملية انقلاب سياسي وأنتم المسيطرون على مفاصل الدولة منذ 15 عاما بالتعاون مع الأمريكان وبدعم إيراني مكشوف؟ يا مالكي، المسألة لا تعدو ان تكون للدعاية للانتخابات المزمعة في مايو القادم وتريد اللعب بهذه الورقة مثل كل مرة من خلال التخويف والتهويل من عودة البعث إلى الحكم. وفي الختام نشيد بعودة الموصل وتحريرها من داعش الإجرامية ودور العبادي رئيس الوزراء في دعم الجيش والمتطوعين لتحريرها، وبات الآن إعادة إعمارها لتعود المدينة إلى الحياة الطبيعية وليس تركها تعج بالخراب والدمار، المطلوب سرعة توفير الخدمات وتوفير الحماية الأمنية للمواطنين والعمل على عودتهم آمنين مطمئنين في ظل حماية القانون وسيطرة الدولة العراقية على أحيائها وأزقتها.
مشاركة :