خابت مساعيهم وماتت أمانيهم التي حاولوا أن يحقـقوها طيلة زرعهم لبذور الإرهاب في عرض وطول البلاد, هم علموا أن الأرض التي استهدفوها خصبة, فأرادوا غرس بذرة الطائفية في تربتها الطيبة كطيب أهلها, جهلوا أن خصوبتها صالحة فقط لإنبات الخيرات ولجريان الزلال العذيب والفكر الأريب, هي بلاد العلماء والنجباء, والشعراء والأدباء, والوجهاء والعظماء, قرون مضت وعصت على كل مضمر للشر والمكر, أهل أرض لا يعرفون ري كل غي, بل يد واحدة بكل حارة وحي, كرم كرمائهم كرم طي, وفضل فضلائهم فضل ضي, قولهم ظيى وفعلهم حي, أثنى عليهم نبينا الأمي, "صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم", لقد بان جلياً أن بوصلة الإرهابيين ضلت طريقها, فارتد صدى جريمتهم النكراء لقوة كامنة أذهلت كل مشكك في وطنية وتلاحم أهلها رغم تعدد مذاهبهم واختلاف عقائدهم, إن الأحساء كالجدة الرحوم والأم الرؤوم ليست للمملكة فقط بل لجميع دول الخليج قاطبة, فمع ترامي أطرافها الشاسعة, إلا أن جل أهلها قلب وقالب واحد خلقاً ونبلاً متناغمين متوائمين في الصفات والمعاملات مع الغريب قبل القريب, فسبحان من حبا أهلها قيماً وشيماً, وسجايا ومزايا تجدها في الفرح وبالرزايا, غدت بينهم مثلاً دمثاً محقـقين بذلك لأصعب معادلة, فالأحساء كأنها حَسَاء, خُلط في إناء, بوسط فناء, يتخلله الضياء, ترى نقاوته قبل تذوق حلاوته, حساءً حوى حباً ووداً, وإحتراماً ووئاماً, وأماناً وسلاماً, وعلماً وحلماً, وكرماً ترجم لعملاً, وعدلاً وشهداً شملاً قولاً وفعلاً, عفوية فورية بمحيا أهلها, تجدها فعلية لا صورية, ومن عاش بالأحساء سيشرب حتماً من هذا الحَسَاء, ائتوني بمنطقة واحدة أهلها متعايشون كأهل الأحساء بشتى المستويات الدينية والدنيوية, فلا طائفية ولا عنصرية تجدها بين قطبي أهلها, فمذاهب قطب السنة لهم حضورهم وتواجدهم وكلهم يتدارسون العلم الشرعي ويصلون سوياً من دون تمييز أو تفرقة, والشيء نفسه تجده بقطب شيعتها فيما بينهم, والمحصلة عدم تفرقة من حسن تعاملهم وأمانتهم وطيب نواياهم, بل إن متانة روابطهم بلغت ذروتها للنسب والقرابة في الدم خصوصاً قبل قيام الثورة الفارسية, ولنحذرعند الخوض فيما جرى من أحداث بجريمة الدالوة التي راح ضحيتها مواطنون موالون ورجال أمن مخلصون, ولست مع كثرة التأكيد على ضرورة عقد حوارات لإزالة الخلافات المذهبية أو ما شابه ذلك خصوصاً في هذا التوقيت لكي لا يتولد شعور مغاير وفهم خاطئ يفسر ما حدث بالدالوة على أنه انتقام مذهبي ويستغل من قبل فئات يجيدون الإصطياد بالماء العكر؛ بينما مستوى الوعي والفكر عند المواطنين تعدى مثل هكذا فهم لتلك الصورة المغلوطة, وإن مما نستطيع استنتاجه من جملة أهداف رئيسة تكتنف تلك الجريمة أياً كانت جهة منفذيها هي ليس إلا إثارة للأحقاد والضغائن وإشعال الفتنة بين الطائفتين وإعطاء فرصة للدول المعادية بأن تحرج المملكة وتنشر الأكاذيب والإرهاصات لتمنح نفسها الضوء الأخضر بالتدخل السافر في شئون الوطن بحجة حماية المضطهدين, فمخاضات الحدث تشير إلى كونه سياسياً, ويدلل ذلك مسار وزارة الداخلية من حكمة وترو قبل أي تصريح أمني, فعلى جميع المواطنين الإلتفاف حول قيادتهم, وأشيد بمواقف هيئة كبار العلماء وقادتنا الأمراء محمد بن نايف, وجلوي بن عبدالعزيز, وبدر بن جلوي, وسعود بن نايف الذي قطع إجازته الخارجية الخاصة بعمل فحوصات طبية متحملاً الآلآم ومتحاملاً على صحته لكون ألم أهل الضحايا أنساه ألمه الخاص, فقد كانوا جميعهم حاضرين ومعزين وبأنفسهم مخاطرين في قرية كانت قبل مجيئهم بساعات مسرحاً للرصاص والموت, وتلك رسالة قوية أن قادتنا هم معنا قبل أن نكون معهم في سلمنا وحربنا أينما كانوا وكنا, وتوجت تلك الرسالة برسالة وطنية أبلغ من أهل الدالوة ردوا فيها على رسالة ولاة أمرهم عبر تغطيتهم لجثامين قتلاهم بعلم الوطن وحملهم لصور قتلاهم وقتلى رجال الأمن بدون تفرقة, مع هتافهم الرائع المختـوم بـ : "هذا الوطن ما نبيعه..", أحسن الله عزائنا بشهدائنا وحمى وطننا وولاة أمرنا ومواطنينا. عمر عبدالوهاب آل عيسى التميمي Twitter @VipUmarAlEssa Umar.altamimi@hotmail.com
مشاركة :