العمل الإجرامي الذي وقع مؤخرا في بلدة الدالوة في الأحساء كشف لنا عددا من الحقائق التي لا بد أن نتنبه لها إذا ما كنا نريد حقا أن نحمي الداخل السعودي من السرطانات الطائفية التي تحيط بنا، والتي تعمل على التسلل مستغلة بعض أجواء الاصطفاف المقيت الناتج عن الجو المشحون بالتصارع الفكري والعقائدي والسياسي. الإدانة الرسمية كانت أولى تلك الحقائق، فعلى الرغم من أن هناك مجهودات لا ترقى بعد لتوحيد الصف الداخلي ضد الصوت الطائفي إلا أن وجود الفعاليات الرسمية في عزاء المواطنين الذين استشهدوا جراء هذا العمل الإرهابي في أجواء اتسمت بكل الطقوس الشيعية؛ هو في أحد أوجهه اعتراف ضمني بأن هؤلاء المواطنين الشيعة هم أبناء الوطن، وهو كذلك اعتراف ضمني بحق الجميع في أن يمارس معتقده بالشكل الذي كفله له حق الاختلاف الديني الذي طالما ادعى البعض أنه غير موجود! الشيعة في المملكة ليسوا كلهم على شاكلة مجرمي العوامية كما أن ليس كل محافظ ومتدين تابع للقاعدة أو داعش، فالنظر للمواطن باعتباره مواطنا له حق الاختلاف والاعتقاد، يعني أن لكل مواطن الحق في أن يمارس قناعاته دون عنف، وأن جزءا من ردم الهوة التي ولدتها أحداث المنطقة يعني أن على الدولة أن تعمل كل ما في وسعها لاستيعاب كل أطياف المجتمع بسنته وشيعته، وذلك بخلق قنوات تواصل شعبية تجعل من أبناء الطوائف جزءا موحدا من نسيج المجتمع، فالدبلوماسية الشعبية التي تقوم على تأصيل التقارب بين أبناء المجتمع ما هي إلا القناة التي من خلالها يزول ذلك التشكيك الذي للأسف يظهر بجلاء عبر شبكات التواصل الاجتماعي، خصوصا إذا ما علمنا أن الحوار الوطني النخبوي لم يحقق أي نجاح يذكر في هذا الإطار. نكذب على أنفسنا إن قلنا إن مجتمعنا ليست به طائفية، بل الطائفية موجودة بشكل واضح وهي نتيجة لتفرد طيف واحد عبر عقود بماهية الإسلام، الأمر الذي خلق لنا ببغاوات تردد ما أملي عليها دون وعي وفهم لتاريخ الإسلام وحقيقة نهجه المتنوع. شعار "إخوان سنة وشيعة.. هذا الوطن ما نبيعه" يجب أن يكون الشعار الذي ترفعه الدولة في محاربة أي تطرف وإقصاء من الطرفين، فالوطن هو مزيج من كلا الطيفين، ولذلك فإن تشريع قوانين تحارب الطائفية في وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي أصبح اليوم من أهم الأولويات، ومكافحة الفساد التي ركزت فقط على الجانب المالي لسنوات يجب أن تفتح عينيها اليوم على فساد التوظيف على الهوية، فواجب الوطن أن يستوعب الجميع.
مشاركة :