في مقاله* لـ DW عربية يتساءل الكاتب الصحفي عماد الدين حسين عن أسباب رفض فئات واسعة من الرأي العام في مصر لفكرة المصالحة بين نظام السيسي وجماعة الإخوان المسلمين. "الذين يراهنون على أي مصالحة بين الحكومة المصرية وجماعة الإخوان فى المدى المنظور لا يرون الواقع جيدا، بل أن مجرد الحديث عن التحاور مع المتعاطفين مع الجماعة واستقطابهم أو إبعادهم عن الإخوان، أمر لا يجد أي تعاطف فى أوساط الحكومة وأجهزتها وإعلامها وجزء كبير من الشعب المصري، الذي صار يتعامل مع كلمة مصالحة باعتبارها كلمة بذيئة أو خادشة للحياء". هذه هى الخلاصة التى يخرج بها أي متابع أو مراقب للنقاش السياسي فى الساحة المصرية خلال الأيام الماضية. من فجر النقاش، كانت حلقة تليفزيونية فى غاية الأهمية، في الرابع من أبريل الجاري، استضاف فيها الإعلامى أحمد موسى على فضائية "صدى البلد"، الإعلامى المصري عماد الدين أديب، الذي دعا إلى التحاور مع المتعاطفين مع الجماعة لإبعادهم عنها. هذه واحدة من النقاشات شديدة الأهمية منذ فترة طويلة، لأنها جادة ومختلفة لأسباب متعددة. عماد الدين أديب إعلامى كبير مؤيد بصفة عامة للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، ويعلن دائما أنه خصم سياسي لجماعة الإخوان، وضد الدولة الدينية، ومن أنصار ثورة 30 يونيو 2013. الفكرة الجوهرية التى طرحها أديب هى ضرورة مخاطبة الشباب، خصوصا صغار السن المتعاطفين مع الإخوان، حتى يمكن منعهم من الاستمرار مع الجماعة والتأثر بأفكارها. هو يقول إنه يعارض تماما الجماعة، ويعارض أي حوار مع الأعضاء داخل التنظيم، أو من تلوثت يده بالدماء أو خطط أو حرض على العنف والإرهاب، واقسم بالله خلال الحلقة أكثر من مرة على أنه لا يتحدث من قريب أو بعيد عن المصالحة مع الاخوان!!!. مازاد النقاش أهمية هو دخول المؤلف والكاتب والسيناريست المعروف وحيد حامد للرد على فكرة أديب، قائلا إن الجماعة إرهابية، ولا أمل فيها، ولا فرق بين تنظيمي(عضو في التنظيم) ومتعاطف، أو من حمل السلاح ومن لم يحمله، وأنه لا يوجد إخواني أو متعاطف مستعد للتوبة، واتهم حامد أديب بأنه يمسك العصا من المنتصف ويمهد للمصالحة مع الإخوان. فكرة المصالحة مع الاخوان، تتردد بين الحين والآخر، يطلقها البعض جادا أو هازلا، لكن للموضوعية فان الحكومة، لم ترسل أي إشارة، منذ طرد الاخوان من الحكم، تشير إلى نيتها ولو مجرد الجلوس أو حتى الاستماع. وبالتالي فالقصة ليست الحديث عن المصالحة، و لكن أهمية النقاش الذي جرى أخيرا، أنه جاء بعد يومين فقط من إعلان فوز الرئيس عبدالفتاح السيسى بفترة رئاسية ثانية، وفى فضائية معروفة جدا بتحمسها للدفاع عن الرئيس والحكومة، ويملكها رجل الأعمال المعروف محمد أبوالعينين، والأهم أن الذي أثارها فى برنامجه هو الإعلامى أحمد موسى، الأكثر عداء ومعارضة بصفة منهجية لجماعة الإخوان، ولكل من يطرح موضوع المصالحة. مجرد طرح الفكرة للنقاش العام، طوال أكثر من ساعتين هو أمر مثير للانتباه والدهشة والتأمل والتحليل. البعض يعتقد أن أديب كان مكلفا بإثارة القضية، لكى يمهد الرأي العام لها، وهو ما نفاه أديب بكل قوة، علما أنه طرح قبلها بأيام قليلة على فضائية "تن" قضية تعديل الدستور، باعتباره ليس مقدسا، الأمر الذي فهمه البعض ايضا بأنه تمهيد للتعديل، وهو ما نفاه أديب أيضا. الذي خرجت به من هذه الحلقة المهمة هو الآتى: إذا كانت هناك معارضة شديدة لمجرد الحوار مع المتعاطفين غير المخالفين للقانون، فكيف يكون الحال مع الداعين بصراحة وسفور للمصالحة مع التنظيم؟!. إذا المجتمع المصرى مايزال غير مهيئ حتى الآن لأي تقارب مع الجماعة، سواء كان بصورة مباشرة أو غير مباشرة، لأن الاستقطاب مايزال شديدا. كما ان الجماعة مصنفة إرهابية بحكم القانون، ومجرد الانتماء لها صار مجرما طبقا لقانون الكيانات الإرهابية. النقطة الجوهرية من وجهة نظري ان كثيرين لاينتبهون إلى أن ما يجعل أي حديث عن مصالحة أو حوار مع الجماعة مكروه شعبيا، هو أن الجماعة لم تبادر بعد خمس سنوات من خروجها من الحكم، إلى إجراء مراجعات جادة وحقيقية لأفكارها وسلوكياتها وتجربتها. بل أنه من الغريب أنها اتجهت إلى العنف والإرهاب، وتباهت بذلك، وبالتالي فلن يكون هناك أي حديث يتضمن كلمة مصالحة أو مراجعة أو تحاور أو نقاش بأى شكل من الأشكال، طالما أن الجماعة لم تقم بإجراء تقييم موضوعي ونقد ذاتي لتجربتها، ولم تعلن تخليها التام عن الخلط بين السياسى والدينى، وادانة واضحة وصريحة وعملية للعنف والارهب، وليس مجرد كلمات لارضاء بعض الدوائر الغربية. جماعة الإخوان ماتزال تناور منذ نشأتها وحتى الآن. المتحدث باسمها طلعت فهمى قال يوم 22 مارس الماضي أنها تنبذ العنف وتتمسك بشعار نحن دعاة لا قضاة، لكنه فى نفس اليوم قال فى رسالته الخاصة لعدد من عناصر التنظيم: "إن الجماعة تعتمد على تنويع المسارات فهى تتمسك بالمسار الثوري الذى يسلكه عدد كبير من شباب الإخوان، مع السماح لفريق آخر بالتفاعل والتعاطى مع المبادرات المطروحة، وتلتزم بالحذر من مخاطر هذه المبادرات وتأثيرها على الروح الثورية داخل الصف الإخونى"! وبما أن المراجعة والنقد الذاتي أمر مستبعد إلى حد كبير، فى الفترة المقبلة، فإنه يصعب تماما توقع أي جديد فى هذا الصدد. لكن الجديد والمهم هو الطرح الذى قدمه عماد الدين أديب، وأشعر بتعاطف شديد مع فكرته واستغرب من يعارضه لسبب جوهرى بسيط وهو: أليس من مصلحة الحكومة والمجتمع المصري أن تمنع انضمام المزيد من الشباب صغير السن لأي جماعة تتاجر بالدين أو تشجع على العنف؟!. لو أن أي شخص فى المجتمع سواء كان فردا أو جهة أو حزب أو مؤسسة أو جهاز حكومي، تمكن من إقناع شخص واحد بالابتعاد عن أي تنظيم متطرف أو إرهابى، فذلك يصب فى مصلحة المجتمع، ويتطلب الدعم والتأييد منا جميعا. نحن نتحدث كل لحظة عن تصويب وتغيير الخطاب الدينى وتحرير الإسلام من خاطفيه، والمتاجرة به وانقاذ الشباب من براثن التطرف والإرهاب، وبالتالى فالمطلوب أن يفكر الجميع فى كيفية انقاذ الشباب من كل الأفكار المتطرفة سواء كان داعشيا أو إخوانيا، وما بينهما من منظمات وحركات متطرفة. هذا الجهد لا ينبغى أن يكون فى مصر فقط، بل يفترض أن يكون جهدا شاملا فى العالم الإسلامي بأكمله، وبالأخص فى السعودية التي بدأت أخيرا فى الانتباه لمخاطر التطرف. نجاح هذا الجهد يعنى تحرير المنطقة بأكملها من سطوة وتأثير التطرف، ووقتها يمكننا القول أن هزيمة الإرهاب صارت قريبة ليس في مصر والمنطقة فقط، ولكن في كل العالم، الذي صار يكتوي بنيران الارهاب. * المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي مؤسسة DW.
مشاركة :