احتل الطعام أهمية في حياة المصريين كما يتضح من إحدى وظائف الملك نفسه والاعتقاد بأن “كلماته هي التي تخلق الطعام”. وعرف المصريون زراعة العديد من الخضراوات كالبازلاء والثوم والبصل والخس، كما توجد نقوش تشير إلى معرفتهم منذ عصور مبكرة زراعة أنواع من الفواكه كالتمر، الذي يعد فاكهة شعبية لعموم السكان، إلى جانب فواكه التين والعنب والرمان والبطيخ، وهو ما ظهر في نقوش أبنية تعود إلى فترة عصور الدولة الحديثة، بحسب تقسيم عصور تاريخ مصر القديم. شم النسيم ..عيد مصري ” الجنسية ” خالص بامتياز .. لا مثيل له في العالم.. وترجع بداية الاحتفال به إلى ما يقرب من خمسة آلاف عام، أي نحو عام (2700 ق.م)، وبالتحديد إلى أواخر الأسرة الثالثة المصرية القديمة ويحتفل به الشعب المصري حتى الآن. لكن تعددت الروايات والاجتهادات في تفسير أصل تسمية ” شم النسيم ” ،هناك أكثر من تفسـير وتأويل فمن قائل : أن قدماء المصريون حددوا موعد احتفالهم بعيد الربيع (شم النسيم) بالانقلاب الربيعي وهو اليوم الذي يتساوى فيه الليل والنهار،وقت حلول الشمس في برج الحمل وهو اليـوم الخامس والعشرين من شهر برهمات. قال كبير الاثريين مجدي شاكر لنبض العرب ، أن المصريون القدماء كانوا يعتقدون أن هذا اليوم هو أول الزمان وبداية خلق العالم ، وقد أطلق القوم على ذلك العيد عيد (شمو) أي بعث الحياة،وقد تحرفت كلمة (شمو) بعد ذلك في العربية إلى (شَم)وأضافوا لها كلمة (النسيم) العربية والتي تعني الهواء المنعش النقي نسبة إلى نسـيم الربيع الذي يعلن عن قدومه لتصبح الكلمة (شم النسيم)، وكذلك لارتباط هذا الفصل باعتـدال المناخ وجمال الجو وطيب النسيم وارتبـاطه ،أيضا بالخروج إلى الحدائق العامة والمتنزهات والاستمتاع بجمال الطبيعة. وأضاف شاكر ، أنه يرى البعض أن كلمة “شم النسيم” ، تحريفا للكلمتين القبطيتين (شوم إن سيم) التي تعني (بستان الزروع)؛ حيث أن كلمة (شوم) في اللغة القبطية تعني بستان، وكلمة (إن سيم) تعني الزروع. وأشار شاكر ، أن المصري القديم قد أهتم بالحدائق والزهور وتصويرها على جدران المقابر مثل مقبرة الكاتب نب أمون الذي صور أزهار اللوتس طافية على سطح ماء بحيرة تتوسط حديقة بها أسماك ويحيط بالبحيرة شجر الجميز والدوم والتين الشوكى والنخيل . وأكد شاكر أن التاريخ المصري القديم سجل حدائق النبلاء في مناظر مقبرة أنني , كما عرفت مصر القديمة مهنة كبير البستانيين ومنسق الزهور المقدسة وهو (مين نخت) الذى عاش في عهد الملك أمنحتب الثالث وكان يدعى بستانى القرابين المقدسة لأمون, كما صور فى مقبرته بطيبة أجمل باقات الزهور المصرية وهو أكبر مشتل زهور مصور فى الآثار المصري وتابع شاكر قائلا : “ثم نقل اليهـود عن قدماء المصريين عيد شم النسيم عندما هربوا من مصر في عهد النبي موسى عليه السلام، وقد اتفق يوم خروجهم مع موعد احتفال المصريين بعيدهم .. وقد اختاروا ذلك اليوم بالذات للخروج، حتى لا يلفت انشغال المصريين بأعيادهم النظر إليهم أثناء هروبهم مع ما حملوه معهم مما سلبوه من ذهب المصريين وثرواتهم. واحتفل اليهود بالعيد بعد خروجهم ونجاتهم وأطلقوا عليه اسم عيد “الفصح” ، و”الفصح “كلمة عبرية معناها : الخروج أو العبور، كما اعتبروا ذلك اليوم أو يوم بدء الخلق عند المصريين رأساً لسنتهم الدينية العبرية تيمّناً بنجاتهم، أو بدء حياتهم الجديدة . وهكذا.. اتفق عيد الفصح العبري مع عيد “شمو” أو عيد الخلق المصري، ثم انتقل عيد الفصح بعد ذلك إلى المسيحية لموافقة مصادفته مع موعد قيامة السيد المسيح ،ونظرا لذلك كان يحتفل به في اليوم التالي ليوم عيد القيامة . ولما دخلت المسيحية مصر أصبح عيدهم يلازم عيد المصريين القدماء ،ويقع دائماً يوم الاثنين، أي اليوم التالي لعيد الفصح أو عيد القيامة ومن أبرز أطعمة شم النسيم الخاصة : ويتحول الاحتفال بعيد “شم النسيم” – مع إشراقة شمس اليوم الجديد – إلى مهرجان شعبي، تشترك فيه طوائف الشعب المختلفة، فيخرج الناس إلى الحدائق والحقول والمتنزهات، حاملين معهم أنواع معينة من الأطعمة التي يتناولونها في ذلك اليوم، مثل: البيض، والفسيخ (السمك المملح)، والخَسُّ، والبصل، والملانة (الحُمُّص الأخضر). وهي أطعمة مصرية ذات طابع خاص ارتبطت بمدلول الاحتفال بذلك اليوم عند الفراعنة – بما يمثله عندهم من الخلق والخصب والحياة. فالبيض يرمز إلى خلق الحياة من الجماد، وقد صوَّرت بعض برديات منف الإله “بتاح” – إله الخلق عند الفراعنة – وهو يجلس على الأرض على شكل البيضة التي شكلها من الجماد. ولذلك فإن تناول البيض – في هذه المناسبة – يبدو وكأنه إحدى الشعائر المقدسة عند قدماء المصريين، وقد كانوا ينقشون على البيض دعواتهم وأمنياتهم للعام الجديد، ويضعون البيض في سلال من سعف النخيل يعلقونها في شرفات المنازل أو في أغصان الأشجار؛ لتحظى ببركات نور الإله عند شروقه فيحقق أمنياتهم. تتفتح الأزهار في الربيع وقد تطورت هذه النقوش – فيما بعد -؛ لتصبح لونًا من الزخرفة الجميلة والتلوين البديع للبيض. أما الفسيخ – أو “السمك المملح” – فقد ظهر بين الأطعمة التقليدية في الاحتفال بالعيد في عهد الأسرة الخامسة، مع بدء الاهتمام بتقديس النيل الذى جعلوا له معبود أسموه حابى كان يصور فى هيئة رجل ببطن ممتلئ وارداف ضخمة حاملا خيرات النيل ومنها الأسماك وقد أظهر المصريون القدماء براعة شديدة في حفظ الأسماك وتجفيفها وصناعة الفسيخ. وقد ذكر “هيرودوت” – المؤرخ اليوناني الذي زار مصر في القرن الخامس قبل الميلاد وكتب عنها – أنهم كانوا يأكلون السمك المملح في أعيادهم. وكان الخس من النباتات المفضلة في ذلك اليوم، وقد عُرِف منذ عصر الأسرة الرابعة، وكان يُسَمَّى بالهيروغليفية “عب”، واعتبره المصريون القدماء من النباتات المقدسة، فنقشوا صورته تحت أقدام معبود التناسل آمون مين عندهم حيث اعتبروه رمزا للخصوبة ومن الأطعمة التي حرص قدماء المصريين على تناولها أيضًا في الاحتفال بعيد “شم النسيم” نبات الحمص الأخضر، وهو ما يعرف عند المصريين باسم “الملانة”، وقد جعلوا من نضوج ثمرة الحمص وامتلائها إشارة إلى مقدم الربيع. البصل: وأدرك وعرف المصري القديم أهمية وقيمة البصل الغذائية والطبية منذ القدم ويعتبر البصل من أهم الخضر الى انتشرت زراعتها في مصر وظهرت صوره على موائد القرابين منذ الأسرة الخامسة وكان يربط حزم ويقدم قربابا لألهه وقد عثر على صور البصل على جدران قبور دير المدنية وشوهد بعض الكهان وهم يمسكونه في أيديهم ووجدت رسوم بعض المذابح وهى مغطاة به كما عثر على البصل في يد أحد المومياوات وفى لفائف أكفان الموتى ووجد قشره على عين الميت وكان يوضع على التجويف الصدري والأذن وورد ذكر البصل في الهيروغليفية باسم (بدجر أو بصر)وان كان بعضهم ينطقها بصل وذكره هيردوت حيث روى أن عمال الذين بنوا الهرم قد استهلكوا كميات كبيرة منه في طعامهم اليومي وقد استخدموا البصل في علاج بعض الأمراض ويدخل ضمن مواد التحنيط وكان محظورا على الكهنة أكله وكان في عيد يسمى نتريت أحد أهم أعيادهم الزراعية فى ٢٥كيهك كانوا يعلقون حزم البصل فى هيئة عقود حول أعناقهم تبركا به ثم يطوفون حول معبد سكر ويقدمون له القرابين ويصعونه تحت وسائدهم حيث أنه مرتبط بالحياة وطاردا للموت ويعلقونه على أبواب منازلهم لطرد الأرواح الشريرة ،ومازالت هذه العادة منتشرة في قرنا حتى الآن . وأشارت بعض المصادر لتقديسه ولكن عبادته لم تنتشر بسبب مايكونه من غازات البطن أعتقدوا أنها الهه وكانوا يضعون البصل قرب انف المريض في بداية الربيع وعند ولادة الطفل ويصبون عصيرة على عتبات منازلهم كما يحدث في شم النسيم لاعتقادهم بأنه يطرد الأمراض ويمنع الحسد . وذكر أن قوم بني إسرائيل كانوا يأكلون كميات كبيرة منه وأنهم ندموا عليه عند رحليهم من مصر رغم أنهم كانوا يأكلون المن والسلوى وطلبوا منه العودة لمصر لبصلها وقد أعتنى اليونانيون به حتى أوصى سقراط بأكله فى إحدى الحفلات ظهر البصل ضمن أطعمة العيد التقليدية أيام الأسرة السادسة كما ورد فى إحدى برديات أساطير منف القديمة – بأحد ملوك الفراعنة الذي كان له طفل وحيد أصيب بمرض غامض أقعده عن الحركة لعدة سنوات وعجز الأطباء والكهنة في معبد منف عن علاجه. ولجأ الفرعون إلى الكاهن الأكبر لمعبد “اون” معبد الشمس ، وفق البردية الفرعونية، والذي أرجع سبب مرض الابن الى سيطرة الأرواح الشريرة عليه وأمر بوضع ثمرة ناضجة من البصل تحت رأس الأمير بعد أن قرأ عليها بعض التعاويذ ،كما علق على السرير وأبواب الغرف بالقصر أعواد البصل الأخضر لطرد الأرواح الشريرة، وعند شروق الشمس قام بشق ثمرة البصل ووضع عصيرها فى أنف الأمير الذي شفى تدريجيا من مرضه ،ومنذ ذلك الوقت اعتبره الفراعنة من النباتات المقدسة، وقد ارتبط عندهم بإرادة ر الموت والتغلب على المرض. الثوم: كان المصري القديم يستخدم الثوم بكثرة في الطعام والطب وورد ذكره في بردياتهم وكان يسمى بالهيروغلفية سعمو وميكات أو حتيتم أو حتتوم وعثر على فصوصه في قبور ماقبل الأسرات وعثر على عروشه ورؤس منه مربوطة بالخيوط الكتان في أحد مقابر دير المدنية في الأقصر واستخدم في الطب ولكن لم نراه كقرينه البصل في القرابين،وكل ما سبق يؤكد أننا كنا الأسبق وأصل كل شئ وشعب محب للبهجة والحياة.
مشاركة :