يتجه المشرّعون الإسرائيليون إلى تغليظ العقوبة ضد الأجانب الذين يتواجدون في مستوطنات الضفة بما فيها القدس. يحصل ذلك ضمن توجه أكبر، يتضخم راهناً بقوة، لتطبيق القوانين الإسرائيلية بحذافيرها في هذه المستوطنات باعتبارها جزءاً من حوزة إسرائيل الجغرافية. ليس ثمة جديد فارق في الاعتراض على تدفق العمال الأجانب نحو إسرائيل، في شكل غير مشروع أو من دون تصاريح من الجهات المعنية، وسن التشريعات التي تسمح بإبعادهم. ولا جديد أيضاً في كثرة التغاضي عن تنفيذ هذه التشريعات عملياً، لأسباب تتعلق بالحاجة الملحة لهؤلاء العمال المستضعفين، تعويضاً للنقص في قطاعات العمل السوداء داخل إسرائيل. الجديد حقاً هو استطراد هذه التشريعات وزحفها إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، والتي استولى عليها الاستيطان والمستوطنون الأشرار، وكأنها أراض إسرائيلية داخل ما يسمى بالخط الأخضر. وبالتداعي اعتبار الفلسطينيين المتواجدين فيها، عمالاً وغير عمال، غرباء وأجانب. التفسير الأرجح، والمنطقي، لهذا التصرف هو عزل الفلسطينيين عن هذه المناطق بقوة البطش القانوني، وقطع صلتهم بها نهائياً، والقضاء على آمالهم في الانسحاب الإسرائيلي منها ذات حين، تحت أي سياق للتسوية. بصيغة أخرى، من شأن هذا التجاوز القانوني وضع الفلسطينيين في أراضي المستوطنات، على قدم المساواة مع المتسللين أو الوافدين إليها من أدغال أفريقيا وسهوب آسيا! وقد يأتي حين من الوقت، تطلب فيه سلطات الاحتلال من هؤلاء «الفلسطينيين الغرباء» تأشيرة دخول مسبقة. في معالجتها لملف العمال الأجانب عموماً، المتسللين منهم والشرعيين، تمارس إسرائيل سياسة مزدوجة عوراء. هي تريد الشيء وضده. ذلك أن حاجتها إليهم في قطاعات العمل المرهقة، كالبناء والزراعة والنظافة ورعاية المسنين والبني التحتية، تدفعها إلى التعاطف مع استقدامهم واستحسان وجودهم. بينما هي تخشى، من جهة أخرى، من التبعات الأمنية والقانونية لانتشار هؤلاء المغامرين، لا سيما وهي تتهرب من الوفاء بحقوقهم وتنفر من عدم خضوعهم للضرائب والتأمينات، واحتمال انضمام بعضهم إلى حشود البطالة والمتعطلين. لكن الاتجاه الغالب على مقاربة هذه القضية هو المرونة لصالح وجود هؤلاء العمال، لأن «... الإسرائيليين، صغاراً وكباراً، غير مستعدين للعمل في الأعمال المرهقة السوداء، مقابل بضعة آلاف من الشواقل». وهكذا فإنه على رغم كل ما يقال عن المخاوف المرتبطة بوجود هؤلاء العمال، فإن عددهم يصل الآن هناك إلى نحو 90 ألفاً، وثمة رغبة في زيادتهم 20 ألفاً آخرين خلال شهور قليلة. في التحليل الأخير، ستظل إسرائيل في حاجة جبرية للعمالة الوافدة، وذلك بحكم تخلي مستوطنيها اليهود عن مفهوم الكدح وحمل البندقية في يد والفأس في اليد الأخرى، وتحولهم إلى الاستيطان «الفاخر». وبالطبع فإن الحصار المضروب على الحالة الاقتصادية المتردية في الأرض المحتلة، يسوق الفلسطينيين إلى تلمس الفرص في سوق العمل الإسرائيلي. لكن المشرع الإسرائيلي اللئيم الذي يعلم معنى ديمومة الصلة بين الفلسطينيين وأرضهم ومجال حيواتهم الوطنية، يسعى بكل السبل إلى إزاحتهم عن هذا المجال، كما أنه يتخذ من الاستغناء عنهم بالوافدين من أقاصي الدنيا، وسيلة لإفقارهم وإبقائهم قيد العوز والفاقة، علّهم يبحثون عن ملاذات اقتصادية آمنة لهم خارج الوطن. وقد تم التركيز على هذه الوسيلة غداة الانتفاضتين الكبريين الشهيرتين. مواجهة هذا التصور الأفعواني الذي نرجح تعمقه أكثر بفعل القوانين المستحدثة، تحتاج إلى إثبات حالة التعدي على القوانين والقرارات الدولية ذات الصلة التي تحظر على سلطات الاحتلال فرض قوانينه في الأراضي المحتـــلة، وتـرفـض الإقرار بحجية أو صحة أي تـغيـيـرات في الطبيعة الجغرافية والسكانية واللوجستية لهذه الأراضي. لكن الأهم من هذا السلوك الاحترازي القانوني، الذي عادة ما لا تلقي إليه إسرائيل بالاً، هو السعي جدياً وعاجلاً لإيجاد البديل، الوطني الفلسطيني والإقليمي القومي العربي، لسوق العمل الإسرائيلي الانتهازي والاستغلالي والمسيّس إلى أبعد الحدود، أمام الأيدي الفلسطينية العاملة. نحن هنا إزاء معادلة صفرية. فكل ما يؤدي إلى تجذر الفلسطينيين في أرضهم، بتعميرها وتحسين ظروف معيشتهم فيها على مختلف الصعد وبمختلف المعاني والتفصيلات، يحرم المستعمر الإسرائيلي فرص الاستفراد بهم والضغط على أرضهم وأعصابهم الاقتصادية العارية. * كاتب فلسطيني
مشاركة :