... تفهُّمٌ عربي لتفيؤ لبنان مظلّة «النأي بالنفس» ورغبته بحفظ استقراره الداخلي الذي يشكّل عدم الصِدام مع «حزب الله» أحد مرتكزاته، وحرْصٌ لبناني على التضامن العربي وعدم التفريط بـ «شكبة الأمان» التي توفّرها دول الخليج خصوصاً لـ «بلاد الأرز» في سعيها الى «الوقوف على رجليْها» اقتصادياً ومالياً والى تحصين «المنطقة العازلة» التي تحاول «الصمود» فيها درءاً لانتقال «نيران المنطقة» الى ملعبها.خلاصةٌ ارتسمتْ في بيروت لمآل المشاركة اللبنانية في القمة العربية التي استضافتْها المملكة العربية السعودية أمس، والتي انعقدتْ على وهج الضربة الأميركية - الفرنسية - البريطانية التي استهدفتْ مواقع المخزون الكيماوي ومراكز إنتاجه لدى النظام السوري واتساع «رقعة الخطر» الإيراني على الأمن القومي العربي سواء عبر تمادي الحوثيين في إطلاق الصواريخ البالستية على المملكة أو الأدوار «العابرة للحدود» لـ «حزب الله» اللبناني في أكثر من ساحة عربية.وحتى قبل اختتام أعمال قمة الظهران، بدا أن لبنان الذي يشكّل «حزب الله» ما يشبه «الحمولة الزائدة» على صعيد علاقاته الخارجية، اختار مرة جديدة أولوية «الاستقرار الداخلي» و«الوحدة الوطنية» التي جعلتْه يتحفّظ عن تصنيف «حزب الله»، الشريك في الحكومة اللبنانية، كمنظّمة إرهابية من ضمن البند المتعلق بالتدخّلات الإيرانية، وتحميله مسؤولية دعم الإرهاب والجماعات الإرهابية في الدول العربية بالأسلحة المتطورة والصواريخ البالستية، علماً أن لبنان كان أعطى إشاراتٍ الى أن إزالة اسم الحزب من البند المتعلّق بإيران ستجعله يتراجع عن تَحفُّظه.وفيما كانت الترجيحات في بيروت تشير الى ان «النأي بالنفس» سيكون الملاذ الأقلّ تكلفة للبنان الرسمي في مقاربة الملف السوري مع رفْضه انتهاك سيادته للاعتداء على أي بلد عربي، وبعدما أكد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في كلمته أمام القمة على التضامن العربي، تُرجم التفهُّم العربي للواقع اللبناني والتمسك باستقراره بمعاودة «تجديد التضامن الكامل معه وتوفير الدعم السياسي والاقتصادي له ولحكومته ولكافة مؤسساته الدستورية بما يحفظ الوحدة الوطنية اللبنانية وأمن واستقرار لبنان وسيادته على كامل أراضيه»، مع «تأكيد حق اللبنانيين في تحريـر أو استرجاع مزارع شبعا وتلال كفر شوبا اللبنانية والجزء اللبناني من بلدة الغجر، وحقهم في مقاومة أي اعتداء بالوسائل المشروعة، وتأكيد أهمية وضرورة التفريق بين الإرهاب والمقاومـة المشروعة ضد الاحتلال الإسرائيلي التي هي حق أقرته المواثيق الدولية ومبادئ القـانون الدولي، وعدم اعتبار العمل المقاوم عملاً إرهابياً»، وذلك في موازاة الإشادة بـ «الدور الوطني الذي يقوم به الجيش اللبناني والقوى الأمنية اللبنانية في صون الاستقرار والسلم الأهلي ودعم الجهود المبذولة من أجل بسْط سيادة الدولة حتى الحدود المعترَف بها دولياً... وحضّ جميع الدول على تعزيز قدرات الجيش اللبناني كونه ركيزة ضمان الأمن والاستقرار والسلم الأهلي في لبنان».وفي موازاة أعمال القمة، شخصت الأنظار على الرئيس عون في مقرّ إقامته في الدمام حيث اجتمع بمساعد وزير الخارجية الروسي لشؤون الشرق الاوسط ميخائيل بوغدانوف الذي نقل اليه تحيات الرئيس فلاديمير بوتين وتداول معه في التطورات الراهنة والمستجدات الاقليمية لا سيما بعد الضربة العسكرية على سورية.وفيما عرض عون لوجهة نظر لبنان من التطورات متوقفاً خصوصاً عند الاعتداءات الاسرائيلية على لبنان والخروق الجوية والبرية والبحرية، إضافة الى تداعيات تَدفُّق النازحين السوريين إليه، قال بوغدانوف رداً على سؤال حول الضربة التي وجهت لسورية: «نقارن بينها وبين الحدث التاريخي المتمثل بالعدوان الثلاثي الذي تم في العام 1956»، موضحاً «اننا نعول على الحكمة والمنطق لتجاوز الاخطاء التي ارتكبت». وفيما أكدت معلومات على هامش قمة الظهران أن لبنان سيستضيف سنة 2019 «الدورة الرابعة للقمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية للعام 2019»، فإن أوساطاً سياسية توقفت عند كلام رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، الذي رافق عون الى القمة، خلال دردشة مع الوفد الإعلامي في الطريق الى السعودية اذ اكد «ان لبنان لا يريد ان تزيد الأزمات في الشرق الاوسط»، مشيراً الى «ان هناك نظاماً (السوري) يعلم ان استخدام السلاح الكيماوي يجر ردود فعل دولية، لا يبالي ويستخدم الكيماوي. هل استعمال الكيماوي كان اختباراً؟ الردّ او الضربة اتت محددة»، مضيفاً: «لولا سياسة النأي بالنفس التي تعتمدها الحكومة أو الدولة لكنت اتخذت موقفا آخر أمام مشهدية قتل الاطفال».واذ أعلن ان «حزب الله ما زال ملتزماً بالتسوية»، لفت الى ان «البعض يتمنى أن تطير الانتخابات لكنها باقية وستحصل والأجواء في البلد جيدة، والتنافس كبير، وكل الأحزاب تعمل استعداداً لهذه الانتخابات».وبالفعل وقبل 3 أسابيع «بالتمام والكمال» على انتخابات 6 مايو، بدت بيروت أمس وكأنها في «أحد تمرينٍ» شهد مناورات انتخابية لماكيناتٍ («القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر») وسط تصاعُد وتيرة المنافسة واستنهاض القواعد وتجييش الناخبين وبروز تداعيات مبكرة لما وُصف بأنه قانون «الخناجر» داخل اللوائح الواحدة التي يتنافس مرشحوها على الصوت التفضيلي. وكان لافتاً أمس تظهير «حزب الله» صورة «ثلاثية البُعد» لمقاربته لاستحقاق 6 مايو وأهدافه عبّرت عنها مواقف لنوابه، أكدت أولاً ان المطلوب «أن ننتخب حتى لا يأتي مجلس نيابي كالذي كان في العام 1982 والذي جاء باتفاق 17 مايو (مع اسرائيل)، ونريد مجلساً برئاسة شخص كالرئيس نبيه بري يقف بصلابة ضد العدو الإسرائيلي وإذا قصف هذا العدو سورية لا يُصفّق له»، وثانياً «نحتاج الى كتلة نيابية وازنة وكبيرة حتى تستطيع ان يكون صوتها واعتراضها وتأييدها مؤثراً في القرار السياسي اللبناني» مع رفض استرهان البلاد للخارج عبر البوابة الاقتصادية المالية، وثالثاً «نحن لا نقبل التفرد الذي حكم لبنان وأوصلنا الى دولة منكوبة على حد الافلاس ونريد شراكة حقيقية».
مشاركة :