هاني حبيب يكتب: لماذا تنأى ألمانيا عن مقامرة ترامب في سوريا؟!

  • 4/16/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

قبل أن تحسم واشنطن قرارها، وقيامها بضرب سوريا من خلال التحالف الثلاثي مع كل من فرنسا وبريطانيا، كان البيت الأبيض قد أجرى عدة مشاورات واتصالات تهدف إلى توسيع هذا التحالف لضمان منح أية ضربة سورية على خلفية أزمة السلاح الكيماوي في “دوما”، بالقرب من العاصمة السورية دمشق، صفة أكثر شمولية، إلا أن مثل هذه الاتصالات، لم تشمل ألمانيا كما هو الأمر مع كل من باريس ولندن، مع أن برلين كانت قد أشارت إلى ضرورة مواصلة الضغط على روسيا باعتبار أن استخدام الأسلحة الكيماوية لا يجب أن يمر دون عقاب، ومع أن المتحدث باسم الحكومة الألمانية “شتيفن زابيرت” قد أشار إلى أن برلين تجري مشاورات مع الولايات المتحدة وحلفاء آخرين بشأن كيفية الرد، إلا أن وسائل الإعلام الأمريكية والألمانية رصدت تجاهل واشنطن للاتصال بالحكومة الألمانية كما فعلت مع كل من لندن وباريس، وإذا ما حدثت مثل هذه الاتصالات، فإنها لم تكن بالجدية التي تتطلبها عملية إيجاد تحالف غربي بقيادة الولايات المتحدة لضرب سوريا يضم ألمانيا!   بعض وسائل الإعلام الألمانية أعادت هذا الاستبعاد إلى الموقف الألماني الواضح إزاء جهود واشنطن لإلغاء الاتفاق النووي مع إيران، وهو موقف مميز وواضح بخلاف بعض الدول التي وافقت على هذا الاتفاق التي تقترب نسبياً من الموقف الأميركي إزاء هذا الملف، إضافة إلى ذلك فإن الولايات المتحدة، تعرف بالتجربة موقف ألمانيا المختلف عن العديد من التحالف الغربي إزاء المشاركة في أية أعمال عسكرية خارج حدودها، وهو الموقف الذي اتخذته حتى في سياق حلف الأطلسي الذي تنتمي إليه.   من الناحية القانونية، ووفقاً للدستور الألماني وللتخويل الممنوح للحكومة من قبل البرلمان، البوندستاغ، للوجود الألماني في سوريا، فإن هذا التخويل محدد بمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” حصراً، وإذا أرادت ميركل المشاركة في ضربة موجهة إلى سوريا، فإن ذلك بحاجة إلى تخويل جديد من المستبعد الحصول عليه في ضوء ميزان القوى الحزبي في البوندستاغ، وعندما لاحظت بعض وسائل الإعلام مرافقة فرقاطة ألمانية لحاملة طائرات أميركية في البحر المتوسط، ردت وزارة الدفاع الألمانية أن ذلك يجري وفقاً لتدريبات مشتركة كانت مبرمجة سابقاً ولا شأن لها بالأحداث الأخيرة.   وتتميز السياسة الألمانية تجاه المشاركة الفاعلة بحروب أو بجبهات وضربات عسكرية خارج حدودها بالحذر الشديد، فقبل التدخل العسكري في ليبيا من قبل التحاف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، امتنعت ألمانيا عن التصويت في مجلس الأمن الدولي على قرار فرض حظر جوي على ليبيا ولم تشارك في العمليات العسكرية ضد قوات النظام في ذلك الوقت، بينما اقتصرت مهمات القوات الألمانية في كل من العراق وسوريا، على الدعم بواسطة طائرات تورنادو الاستطلاعية ولم تشارك في أي قتال مباشر في كل من البلدين.   ويستجيب الموقف الرسمي الألماني إزاء هذا الملف، مع الرأي العام ووسائل الإعلام الألمانية، بشكل واضح، فقد أظهر استطلاع جديد للرأي العام الألماني، تخوفه من تداعيات ضربة عسكرية محتملة ضد سوريا، رداً على هجوم مفترض بالأسلحة الكيماوية في الغوطة الشرقية، فقد عارض 78% من الذين شملهم الاستطلاع مشاركة ألمانية في هذه الضربة مقابلة 18% أيدوا هذه المشاركة، بينما عارض 90% ضربة أمريكية ضد سوريا، وفقط 6% أيدوا مثل هذه الضربة، وربما لم تختلف هذه النسبة بعد أن أقدمت التحالف الثلاثي على ضرب سوريا مؤخراً   وسائل الإعلام الألمانية، وفي معظم الأحوال، اعترضت على توجيه ضربة أميركية، أو أي مشاركة ألمانية لهذه الضربة ضد سوريا، بل أن أغلبها تعاملت بسخرية حادة مع تفوهات وتغريدات الرئيس الأميركي ترامب، فصحيفة فرانكفورتر الغماينة تسايتونغ الواسعة الانتشار، علقت قائلة: “يسأل المرء نفسه هل هذا الرجل ما يزال يملك قواه العقلية بالفعل” بينما قالت صحيفة الغماينة تسايتونغ: “لا يوجد من يحول دون تسجيل ترامب الدخول حسابه على موقع تويتر (…) كيف يمكن أن يكون المرء بهذا الغباء باستفزاز الخصم بهذا الشكل بحيث لا يمكن بعدها تقريباً تفادي التصعيد” في حين علقت مجلة شبيغل: “استهتار ترامب الطفولي بالغ السوء، ذلك أنه يتسبب في حرب بين القوى الكبرى.. إنه انعدام مسؤولية مخيف”. (نقلاً عن موقع DW).   لكن هناك خيطاً رفيعاً يفصل بين سياسة ألمانيا الحذرة، وانتمائها إلى التحالف الغربي، فهي قوة لها وزنها في حلف الأطلسي، كما أنها تتلقى الحماية والدعم من قبل القواعد العسكرية الأميركية التي أقيمت على أراضيها، وقد عبر عن هذا الموقف بوضوح وزير خارجيتها الجديد هايكو ماس، عندما دعا إلى زيادة الضغط على روسيا حول سوريا لحملها على تغيير موقفها.. إلا أننا لا يمكننا وقف الحوار معها؛ مع ذلك فقد أيدت برلين بشدة ما قام به التحالف الثلاثي بضرب سوريا تأييداً واسعاً، ترجمة لحقيقة الدور الألماني في التحالف الغربي، من ناحية، والالتزام المؤكد بسياسات هذا التحالف رغم التباينات التي تظل هامشية!

مشاركة :