يبدو أن تساؤلنا في مقال الأحد الماضي حول الحرب على سوريا وتقليص الوجود الإيراني بحسب الادعاء وتقليم أظافر روسيا في الساحة السورية، وإن كان كل ذلك تهويشا أو حقيقة، قد حسم «الحلف الغربي الثلاثي» الأمر ليتضح أنه (مجرد تهويش) كما توقعنا قبل وقوع الضربات التي تم وصفها أمريكيا وبريطانيا بأنها (دقيقة وشاملة وحققت الأهداف)، ورآها كثيرون أنها عدوان ثلاثي خارج القانون الدولي والشرعية! ولأن بطل «التهويش» كان «ترامب» نفسه وخاصة في «التويتر» برسائله المتلاحقة، وتهديد روسيا تحديدا بأن تنتظر (الصواريخ الجميلة والذكية والدقيقة)! فإنه قد صعد بتهديداته أعلى الشجرة، حتى توقع المحللون أن الحرب على سوريا قد تجر المنطقة والعالم إلى حرب عالمية ثالثة، فإذا بالأمر كله كان (مجرد ضربات محدودة جدا استغرقت 50 دقيقة)! ولم ير العالم الأهداف المضروبة، حيث غاب عنصر المفاجأة بسبب تصريحات «ترامب» قبلها فتم إخفاء ما يجب إخفاؤه فلم تنتج الضربة أي خسائر مادية تُذكر، ولا خسائر بشرية في المدنيين والحمد لله، وبابتعاد كامل عن مناطق تواجد أي قوات روسية! بل إن الصواريخ التي قال (الحلف الثلاثي) إن عددها (105 صواريخ)، قالت روسيا إن (سلاح الدفاع السوري) وحده أسقط العشرات منها، وقيل إن عدد ما تم إسقاطه (71 صاروخا)! وأن (قوة الردع الروسية) لم تضطر إلى الرد (بسبب محدودية الضربات السريعة)، وقيل إن «محدوديتها» ربما نجمت عن (صفقة) تم إنجازها في آخر لحظة بين أمريكا وروسيا، ولا أحد يعرف ماهية تلك الصفقة السريعة إن تمت أصلا! (والخلاصة أن تهديدات ترامب وتيريزا ماي وماكرون) كانت أشبه بالجبل الذي تمخض فولد فأرا! أو ذر الرماد في العيون! وحالنا حال الكثيرين من العرب، أننا قد نكون ضد ممارسات النظام السوري تجاه شعبه، ولكننا في الوقت ذاته كشعوب عربية لا نريد مزايدات المستعمرين على بلادنا وعلى الأرض السورية والشعب السوري وأكذوبة حماية المدنيين! وضد أي حرب وخاصة تلك النابعة من الصراع الدولي في الساحة السورية، فسوريا هي جزء من الجغرافيا العربية وقطعة من القلب العربي، وما حدث من ضربات هو خارج إطار الشرعية الدولية! { إن الضربات الصاروخية (المحدودة) لم تكن على الإطلاق بحجم التهديدات (الترامبية) وهو فوق الشجرة! إنما كانت أقرب ما تكون إلى حفظ ماء الوجه أثناء النزول من أعلى تلك الشجرة، بل إنها كانت (رسالة سياسية معكوسة) ولا تمتّ إلى عمل عسكري استراتيجي بشيء، وخاصة أنها كرسالة «معكوسة» أوصلت إلى «النظام السوري» وإلى إيران وإلى روسيا (أن بيدهم فعل كل ما يريدون في سوريا) وفقط وفقط (استخدام الكيماوي وحده هو الخط الأحمر)! وبذلك فإن تلك الضربات عملت في الواقع (على تقوية النظام السوري والوجودين الروسي والإيراني ومعهما التركي)! ويبدو أن هذا هو الهدف الوحيد الذي تم تحقيقه، سواء عمل (الحلف الغربي الثلاثي) عليه أم لم يعمل! وحيث صرح مسؤولو الحلف الثلاثي (ليس الهدف إسقاط النظام أو تقويضه وإنما معاقبته لاستخدام الكيماوي)! { في الواقع أن الضربات «الثلاثية» بعد (الشو الإعلامي) الكبير الذي ملأ شاشات الفضائيات العالمية والعربية يدل على أن (ميزان القوى على أرض الواقع في الساحة السورية لم ولن يعود كما كان)! وأن هناك (خطوطا حمراء روسية) بالمقابل انصاع لها (الحلف الثلاثي) كما يبدو! وأن التجاذبات بين أمريكا وبريطانيا وفرنسا من جهة وروسيا على وجه التحديد من وجهة أخرى، قد أنتجت (معادلة سورية جديدة)! حتى وإن بقي التهديد الثلاثي بالعودة إلى شن ضربات جديدة في حال استخدام النظام السوري السلاح الكيماوي مجددا! وهو الأمر المخالف للقانون الدولي والمبادئ الأممية والأمم المتحدة، وردا على ذلك قررت روسيا تزويد النظام السوري (بمنظومة دفاعية متطورة مثل إس 300 وربما إس 400) للتصدي لأي تهديد ثلاثي قادم! وحيث «روسيا» تريد الحفاظ على موقعها الاستراتيجي في سوريا، من دون التصادم مع الثلاثي مباشرة في الوقت ذاته! وهكذا ستبقى روسيا تمارس الوجود الذي أرادته لنفسها في الشرق الأوسط من البوابة السورية! مثلما سيبقى «النفوذ الإيراني» قائما ومستمرا مع المليشيات التابعة له وعلى رأسها «حزب اللات»! وهكذا وهكذا.. ومثلما توقعنا سابقا أن الأمر في نهايته هو (تكاذب غربي مفضوح) ضد إيران، والتصرفات الغربية في النهاية هي ضد «المطالب العربية» في مواجهة «التمدد الإيراني» وليست ضد هذا التمدد! هل وصلت الرسالة إلى العرب تحديدا؟!
مشاركة :