معجب الزهراني: العربي ليس متوحشا ولا متخلفا أكثر من غيره

  • 4/18/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

في مراوحة بين العاصمة الفرنسية باريس وبعض العواصم العربية، وبعد أن كرم كل من المفكر الفرنسي إدغار موران والمستعرب المعروف أندري ميكال والمفكر المغربي عبدالله العروي، يحط كرسي معهد العالم العربي بباريس الرحال في تونس ليكرم بالاشتراك مع كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بتونس المفكر هشام جعيط. ويسعى كرسي معهد العالم العربي منذ استحداثه أخيرا إلى الاحتفاء بالثقافة العربية في وجوهها الأكثر إشراقا وحداثة وتقديم قراءات حديثة تساهم في تجديد الفكر العربي. “العرب” كان لها هذا اللقاء مع مدير عام المعهد معجب الزهراني حول البرامج والاستراتيجية المستقبلية لمعهد العالم العربي بباريس والبصمة التي يحاول أن يتركها. نبدأ حديثنا مع مدير عام معهد العالم العربي بباريس معجب الزهراني حول تكريم المفكر التونسي هشام جعيط من قبل المعهد تجسيدا لثقافة التقارب والتلاقح بين العرب والغرب. ليقول “أنا سعيد بوجودي في رحاب الجامعة التونسية وجامعة 9 أبريل بالذات، وسعيد أكثر بتكريم المفكر والمؤرخ هشام جعيط لإسهاماته الفكرية والعلمية والمعرفية الكبيرة المستنيرة، والتي تدفع إلى تجديد وتحديث الفكر الديني في العالم العربي. ويعتبر هذا التكريم هو التكريم الرابع الذي يقوم به كرسي معهد العالم العربي فقد بدأنا التكريمات في أكتوبر الماضي في باريس بالاحتفاء بالمفكر الفرنسي والعالمي إدغار موران ثم انتقلنا إلى جامعة محمد الخامس وكرّمنا المفكر البارز والأهمّ حسب اعتقادي في العالم العربي اليوم وأقصد عبدالله العروي. وبعد ذلك عدنا إلى باريس وقمنا بتكريم المستعرب المعروف بدراساته الرصينة وعشقه وحبه للتراث العربي أندري ميكال، ثم أتينا إلى تونس وكرّمنا هشام جعيط ومن بعد ذلك سيرتحل كرسي معهد العالم العربي إلى الكثير من الدول العربية الإسلامية ويقوم بتكريم شخصيات فكرية عربية بارزة”. تكريم المفكرين عن أهداف ورمزية هذه التكريمات في هذا الظرف بالذات، وفي ظل واقع العنف المسيطر والحروب والعودة للوحشية الأولى اليوم وما يُعرف بصدام الحضارات والثقافات والدور الذي يريد أن يلعبه معهد العالم العربي كمقرّب بين ضفتي الشمال والجنوب، يشير الزهراني إلى أنه لا يجب أن نخلط بين الدول العربية والمجتمعات العربية وبين السلطات وبعض الزعامات العربية، خاصة حينما نتحدث اليوم عن هذه الصراعات والصدامات والحروب المدمرة، لأن هذه الصراعات والحروب لا تقوم بها المنظمات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني ولكنها صراعات يقوم بها بعض رؤساء الأحزاب والأنظمة الدكتاتورية العربية التي لا تريد للمجتمعات أن تتغيّر وتتطوّر. المعهد له استراتيجية واضحة في التشجيع على التبادل الثقافي بين الغرب والعرب، وكل جهوده تصب في هذا المجال ويضيف “من هنا فإن الإنسان العربي ليس متوحشا وليس متخلفا أكثر من غيره، ولكن هذه الصراعات حسب رأيي هي مجرد ظواهر آنية كالزلازل تظهر إلى السطح كل فترة. اليوم المجتمعات العربية تعرف تغييرات عميقة جدا وبوتيرة متسارعة وهذه التغييرات لا تجد مؤسسات وسلطات تستجيب لها بمرونة كما في المجتمعات الأخرى المتطورة، من هنا تحدث هذه الصراعات وهذه القابلية لتفجّر العنف وهي مرحلة مرت بها قبلنا أوروبا وبقية الشعوب منذ قرون. وأنا متفائل بمستقبل الشعوب العربية التي ستعود في المستقبل إلى حياتها السوية ولمَ لا ريادة العالم، فالإنسان بطبيعته يبحث عن الاستقرار ليتطوّر ويعيش حياته في أحسن حال. من هنا فهذا التكريم وهذا التقليد الجميل الذي ابتدعناه في معهد العالم العربي لا ندعي أننا سنغير به مسار الأحداث ولكنه تقليد يحاول المساهمة والتذكير بأن الفكر والمعرفة والثقافة هي الطريق الوحيد إلى المستقبل الجميل والمشرق الذي تنشده الشعوب العربية وخاصة الأجيال الجديدة”. برامج واستراتيجيات حول برامج واستراتيجيات المعهد المستقبلية لتحفيز التعاون والتقارب الثقافي بين ضفتي المتوسط بصفة خاصة وبين العالم بصفة عامة، يقول ضيفنا “المعهد يعمل منذ 30 سنة وله استراتيجية واضحة في التشجيع على التبادل الثقافي بين الغرب والعرب، بل إن كل جهوده تصبّ في هذا المجال وفي الانفتاح على كل الثقافات الإنسانية. أما بخصوص بصمتي في المعهد فأنا أسعى منذ توليت هذا المنصب إلى ترك لمسة خاصة وكانت البداية بكرسي المعهد والنشاطات المتعددة التي قمنا بها، بالإضافة إلى البرامج المستقبلية المسطرة لهذا النشاط. ومن ناحية ثانية هناك الخطة الخماسية لإحياء اللغة العربية وإعطائها حقها ومكانتها الأساسية في المعهد وفي الأوساط الثقافية والتعليمية الفرنسية والأوروبية”. يتابع الزهراني “هناك برنامج طموح في هذا الصدد ينقسم إلى ثلاثة أقسام، منها سلسلة كتب تعليمية جديدة وخاضعة للنظم والمواصفات الأوروبية وليس فيها تمييزات عرقية أو دينية أو جنسانية أو مذهبية، وفي القسم الثاني هناك شغل جادّ لإحداث شهادة مستوى في اللغة العربية تشبه شهادة “التوفل” في اللغة الإنكليزية، وقد مضينا قُدما في إحداث هذه الشهادة التي ستكون مرجعا في اللغة العربية والتي ستمكنّنا في المستقبل القريب جدا من التعاون مع الدول العربية حتى تكون هذه الشهادة في مستوى الانتظارات. أما القسم الثالث فسيكون من خلال تدشين معهد خاص باللغة العربية داخل المعهد الأم يستجيب للحاجيات والطلبات الكبيرة التي نتلقاها كل يوم لدراسة اللغة العربية من قبل الطلبة الفرنسيين والأوروبيين. وقد استفاد أكثر من 30 ألف طالب من برنامج اللغة العربية في معهد العالم العربي منذ سنة 1995، وربما سيتضاعف هذا العدد قريبا بفتح المعهد الذي نجهزه”. المجتمعات العربية اليوم تعرف تغييرات عميقة جدا وبوتيرة متسارعة وهذه التغييرات لا تجد من يستجيب لها بمرونة نسأل الزهراني حول دور الإبداع والأدب والترجمة والثقافة في خلق الحوار بين الشعوب، ليجيبنا بأنه لا يمكن أن يحصل تطوّر حضاري دون حوار ثقافات، لأن الثقافة تقوم على الحوار والتلاقح والتبادل والتعارف أساسا. ومن هنا لا غنى عنها، بل إنه ليس هناك بديل عن الثقافة، لكي تقوم بهذا الدور الخطير في مجال التفاعل في العالم الحديث. وفي نفس الوقت لا بد من ضرورة التنبه إلى أن الثقافة هي مجموعة ثقافات وهويات وتعبيرات لغوية وتراثية داخل كل مجتمع وتحتاج لإثبات ذاتها وأن تتعرف وتتحاور مع بقية الثقافات. ولذلك كله كان إيماننا عميقا في معهد العالم العربي بباريس بدور هذه الثقافة في تقريب هذا الحوار والتلاقح وكان دور الكرسي الذي نحاول من خلاله تقريب وجهات النظر بين الغرب وبين العرب وتقديم الإشراقات الفكرية المستنيرة في الحضارة العربية وكذلك في الحضارة الغربية والإنسانية بصفة عامة”. الأنتلجنسيا العربية تعتبر الأنتلجنسيا العربية في عاصمة الأنوار ذات حضور بارز ومؤثر، وفي ما يخص علاقة معهد العالم العربي بهذه النخبة المثقفة، يلفت الزهراني إلى أن كل برامج المعهد اليومية والأسبوعية والشهرية والفصلية معتمدة على هذه النخب المثقفة باختلاف مشاربها واختصاصاتها، فنية كانت أم سينمائية أم أدبية أم موسيقية. فلا يمكن التحرّك والتخطيط للتعريف بالثقافة العربية من دون التعاون والتواصل اليومي المكثّف مع هذه النخب المثقفة المقيمة في باريس، كما يقول. نختم حوارنا مع معجب الزهراني بالحديث حول الفكر العربي والثقافة العربية بصفة عامة إن كانت قادرة على محاججة الفكر الغربي والتأثير فيه، حيث يقول “في اعتقادي لكل ثقافة عناصر قوة وعناصر ضعف. حينما نبرز عناصر الإبداع الفكري والعلمي والجمالي والفني في ثقافتنا فإننا نستطيع أن نعثر على قامات فكرية وإبداعية كبيرة لها حضورها المهم والمؤثر في العالم العربي والعالم كله، فقط يجب الاعتناء بها. وفي المقابل حينما نركز على الجانب السلبي التقليدي الذي عفّى عليه الزمن لهذه الثقافة فإننا بالتأكيد لا نستطيع توظيفها في الحوار الداخلي فما بالك بالحوار الخارجي مع الآخر ومع العالم. من ذلك أنه حينما يذهب الإنسان العربي إلى أوروبا والغرب معتقدا أن قبيلته هي أحسن قبيلة في العالم وثقافته هي أحسن ثقافة في الكون وشخصيته مكتملة لا تحتاج إلى التعلم فإنه حتما سيغلق باب الحوار ولن يستفيد من التلاقح ولن يحدث أي تأثير”.

مشاركة :