براحة ضمير، يمكن للمتابع أن يضع ضربة التحالف الغربي للأسد في خانة الرمزية غير الرادعة، فاختيار معاهد أبحاث علمية خاوية على عروشها -لعلم الطاغية أنها ضمن بنك الأهداف الدائم- لم يكن إلا للإيحاء بتدمير مصانع الأسلحة الكيماوية، وتنسحب صفة الرمزية على المطارات والمعسكرات المضروبة، لكن ما يشغل المراقب الخليجي هو البعد الخليجي للعملية -رغم محدوديته- عبر الخلاصات التالية: – لم يكن للضربة تأثير على أسعار النفط العالمية والنفط الخليجي خاصة، فقد حرصت واشنطن على أن تنفذ الضربة على حافة عطلة الأسواق الأسبوعية، كما حرصت على الإعلان بسرعة أنه لن تكون هنالك ضربات لاحقة، لتحقيق التهدئة المطلوبة، كما أن 100 صاروخ في 20 دقيقة هي عملية محدودة، وقد بادرت الأسواق بارتفاعات أخذت في اعتبارها احتمالات الضربة، فلما حدثت لم يكن هناك هلع، لعلم أهل السوق بعودة الانخفاض التدريجي. – ظهر صانع القرار الدبلوماسي الخليجي عبر السفير الكويتي منصور العتيبي متمتعاً بإدراك جاد لمحيطه وبيئته ومتطلبات الكتلة التي يمثلها في مجلس الأمن، فقد سخنت الكويت قاعة مجلس الأمن لإهدار دم الأسد، منتظرة الفرصة بعد معارك دوما بالغوطة الشرقية الأسبوع الماضي، ليقع الطاغية في الخطأ، حين استخدم الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين، مما سهل على الإدارة الأميركية استباحة كرامته، وتأديبه على ما اقترف من جريمة حرب، ترفضها الأمم المتحدة في كل بنودها. – أكد مجلس التعاون الخليجي تأييده للهجمات عبر بيان للأمين العام د. عبداللطيف الزياني، لإنهاء معاناة الشعب السوري، بل وأعربت دول الخليج منفردة عن «التأييد الكامل» للضربات في الرياض والبحرين وأبوظبي، كما أكدت قطر تأييدها للضربة، مطالبة باتخاذ إجراءات فورية لحماية الشعب السوري، وتجريد النظام من الأسلحة المحرمة دولياً، وفي ذلك عودة لاتفاق الرؤى بين طرفي الأزمة الخليجية حيال الملف السوري بصفة عامة، كما ظهر أنها تتفق في الاستجابة الأخلاقية لشجب جريمة الحرب التي نفذها الطاغية. – لقد فشل مايسترو أوركسترا الغارة -رغم تعدد العازفين من 100 صاروخ من دول ثلاث ومبالغ كبيرة وعدد ضخم من الطائرات والرجال- فشل المايسترو في ترجمة هذه الغارة إلى معزوفة شجية في الأذن الخليجية، عندما تجاوز ضرب أي هدف إيراني أو لحزب الله أو بقية الجماعات الإرهابية التي تدعم الأسد. – لا شك أن طهران وموسكو تبلل لحيتها بعد أن أزال الحلاق لحية صاحبهما الأسد، وذريعة مهاجمة نظام الملالي احتمال كبير، يسير موازياً له طرد الدبلوماسيين الروس، وفرض عقوبات اقتصادية إضافية على موسكو، فروسيا كانت المتعهد ألا يعيد الأسد الكرة باستخدام الكيماوي، وطهران هي التي تدعم الحوثيين الذين تخصصوا قصف المدن وتجنيد الأطفال وتجويع الشعب اليمني، ناهيك عن مخالفتها لكل ما تعهدت به في الاتفاق النووي 5+1 مع الغرب، غير قمعها لمواطنيها من النساء والقوميات . بالعجمي الفصيح رغم محدوديتها العملياتية، كان دخان صواريخ ضرب الطاغية بشار -مهما تكن رائحتها- أفضل من رائحة بخور القاعات التي تتم فيها الانحناءات الدبلوماسية والصفقات السياسية، فيما الكيماوي يخنق المدنيين —————————————————————– د.ظافر محمد العجمي
مشاركة :