ضواحي المدن السويدية ... هجرة لاجئين إلى الوطن

  • 4/19/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

تصدح موسيقى أغنية لبنانية تتحدّث عن أحوال الحياة وتغيّر طباع الناس من أحد المتاجر، بينما تسير مراهقات محجّبات يضحكن بأصوات مرتفعة وتتكلم إحداهن بالهاتف باللغة الصومالية. ووسط نداء باعة الألبسة المستعملة الذين افترشوا الأرصفة، تنتشر لافتات باللغة العربية لمطاعم تقدّم شاورما على الطريقة الشامية و «مسقوف» عراقي تقليدي. ليست تلك اللقطات سوى جانب من الحياة اليومية في ضواحي المدن السويدية الكبرى: استوكهولم، غوتبورغ ومالمو، التي يقطنها في الغالب مهاجرون من بلدان عربية وإسلامية، حيث تطرح هذه التفاصيل أسئلة كثيرة عن الهوية والإندماج والمواطنة. وإن أصبح المسلمون جزءاً لا يتجزأ من المشهد الاجتماعي في السويد، كما في عدد من البلدان الأوروبية، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة أن مجتمعهم الجديد تقبّلهم بتقاليدهم واختلافاتهم. ولأن الأمر كذلك، يندر على سبيل المثال العثور على سويديين يسكنون أحياء إنغريد في غوتبورغ أو روزنغورد في مالمو أو رينكبي وماشتا وهوسبي في العاصمة، والتي توصف بأنها «معاقل» اللاجئين. ويشكل المهاجرون حوالى ربع سكان غوتبورغ، ثاني أكبر المدن بعد استوكهولم، «لكن نسبتهم تبلغ نحو 92 في المئة من قاطني إنغريد»، وفق الباحث في شؤون الهجرة يوني هانسون الذي يعتبر أن «الضواحي تكاد تكون قطعة من الوطن الأم ولا تمت إلى السويد بصلة سوى اسمياً فقط». ويشرح هانسون: «الأمر يشبه كرة الثلج التي تكبر كلما تتدحرج. فالمهاجرون يميلون عادة إلى الالتصاق بأقاربهم أو أبناء وطنهم حينما يأتون إلى بلد غريب. ومن ثم، يتطوّر الأمر، بسبب تعقيدات اجتماعية مختلفة، إلى ما يشبه التقوقع وفقدان التواصل مع السويديين، حتى وصلنا إلى غيتويات معزولة يتكدّس فيها المهاجرون ويكادون لا يخرجون منها، إذ إن في إمكانهم تدبير كافة أمور معيشتهم فيها من خلال التعامل مع بعضهم بعضاً». وباتت أحياء عدة في هذه الضواحي تسمى اليوم في وسائل الإعلام «no-go zone» أو «المنطقة التي لا يجدر التوجّه إليها» بسبب انتشار الجريمة والإرهاب فيها.   يوميات غيتوات صادمة ومن ضمن التفاصيل اليومية في تلك الغيتويات: صدامات دامية بين الشرطة والسكان، حرق سيارات وتخريب محلات تجارية واعتداء على صحافيين يحاولون دخولها لإعداد تقارير، سطو مسلّح وفلتان أمني كاستهداف سيارات الإطفاء ومنع الموظفين الحكوميين من أداء مهامهم. وتنشر الشرطة تقريراً سنوياً يتناول أحياء الضواحي الساخنة جنائياً وأمنياً والتي تتميز بتدنّي الوضعين الاجتماعي والاقتصادي، وغالباً ما يكون التشدد الديني منتشراً، وسط غياب ثقة السكان بالسلطات واتهامهم لها باللامبالاة والتمييز. وفي تقريرها الصادر أواخر 2015، بلغ عدد «المناطق الهشة» 53 منطقة لتزداد في 2017 إلى 61. وتستأثر استوكهولم، مدينة ومحافظة، بنصيب الأسد، حيث تندرج ضمن الفئات الثلاث للتصنيف المذكور في التقرير 25 منطقة (أحياناً بأكثر من حي). وتليها غوتبورغ 9 مناطق، ومن ثم مالمو 4. أي أن في المحافظات الثلاث وحدها 38 منطقة في مقابل 23 في بقية المدن. وفي هذا الصدد، يشير هانسون إلى «ضرورة تواجد أجهزة إنفاذ القانون وتعزيز حضور الدوائر الحكومية لأن غيابها يفاقم الوضع». ويؤكد أن «قادمين كثراً حديثاً يقعون ضحية جهلهم بالمجتمع الجديد ومفاهيم مغلوطة يستغلها بعضهم لتجنيدهم إما في عصابات أو حركات متشددة. وهذا يفرض مقاربة مختلفة وخطة عمل مشتركة من الوكالات الحكومية والمنظمات الخاصة والشركات الكبرى، لأنه من الواضح أن النهج الحالي غير مجد. فالبطالة والاعتماد على المساعدات الاجتماعية يزيدان العزلة، بينما العمل هو المفتاح للإندماج». ويقول زياد (سوري 28 سنة، انتقل أخيراً إلى إنغريد) إنه سعى جاهداً للعثور على منزل فيها لكي يعيش بين الجاليات العربية. ويوضح: «اللغة هنا ليست عائقاً لأنك لست في حاجة للتحدّث بالسويدية. كما أنني اشتري أغراضي وطعامي الذي اعتدت عليه في سورية. فأغلب المحلات توفّر بضائع صنعت في لبنان أو تركيا وبعضها كُتب عليها أنها أتت من سورية». ويتابع: «لربما هي حاجة نفسية أن نسكن في هذه الأحياء. فكل شيء هنا يذكّرنا بأوطاننا، من محلات الحلاقة مروراً بالمطاعم وليس انتهاءً بالبقالة والألبسة. عدا عن ذلك، من شبه المستحيل العثور على شقة في حي يسكنه سويديون أو في مركز المدينة بسبب أزمة السكن أولاً، ولأن أحداً لن يؤجّر شقته لأجنبي عاطل من العمل ثانياً». ويشير إلى الآثار السلبية التي نتجت من الطلب الكبير من المهاجرين للسكن في مناطق معينة، «حيث تزدهر في الضواحي سوق سوداء للإيجارات يفرض سماسرة شروطهم فيها، كدفع مبلغ معيّن لإخلاء الشقة أو تأجيرها بطريقة غير رسمية من دون عقد، بما يفسح المجال إلى عمليات تحايل وتلاعب تستهدف الوافدين الجدد».   ترسيخ نظرة سلبية... ولكن أما في مالمو، فتشير أميرة (عراقية، 32 سنة، تسكن في روزنغورد) إلى ظواهر ترسّخ النظرة السلبية تجاه اللاجئين. وتقول: «معظم حالات حرق السيارات وسرقة المتاجر يقوم بها أصحابها اللاجئون من أجل الحصول على أموال التأمين. لقد أضحت هذه اللعبة مكشوفة لدى السلطات فاضمحلت الثقة بين الطرفين. أعتبر نفسي من الجيل الثاني ممن لم يعرفوا وطناً غير السويد، لكن بعض الممارسات أدّت إلى نفور السويديين من الضواحي. لو أن مبالغ التأمين تلك صُرفت على إنشاء قاعة رياضية لتغيّرت الحال». لكن باورجان (كردي سوري، 33 سنة)، يبدو متفائلاً قليلاً. ويقول: «حينما تدخل روزنغورد يمكن لك أن تتخيّل أنك في مقديشو أو الموصل أو حلب. نادراً ما تسمع أحداً يتكلّم السويدية أو يشتري أطعمة محلية ويتناولها. كما أن كلفة المعيشة في الضواحي أرخص، سواء إيجار المنازل أو المواد الغذائية ومختلف الحاجيات. يتهرّب كثر من سداد الضرائب على اعتبار أن الدفع يتم نقداً بين الأشخاص الذين يعرفون ويثقون ببعضهم بعضاً، لذا فإن أسعار الخدمات هنا أقل بنسبة معتبرة عنها في أحياء المدينة الأخرى». ويستطرد: «لكن من هنا خرج لاعب كرة القدم المشهور زلاتان إبراهيموفيتش الذي أصبح بطلاً وطنياً ورمزاً للاندماج. لا ندري، قد يخرج زلاتان ثانٍ من أزقة روزنغورد يوماً ما». وطبقاً لجهاز الأمن الخارجي «سيبو»، ارتفع عدد المتطرّفين الإسلاميين من 200 في 2010 إلى «بضعة آلاف» حالياً. وتتسلّم الشرطة نحو 6 آلاف بلاغ استخباراتي سري شهرياً في شأن هجمات متوقعة، مقارنة بألفين فقط في 2012. وفي ماشتا باستوكهولم، عاش الأوزبكي رحمت عقيلوف الذي نفّذ الهجوم الإرهابي في المدينة قبل عام. كما تكثر في هذه الضاحية حوادث تفخيخ سيارات وإطلاق نار تقع ضمن تصفية حسابات بين عصابات منتشرة فيها. ويقول منير (فلسطيني، 50 سنة، يملك محلاً للبقالة)، إن قاطني ماشتا تأقلموا مع نمط الحياة فيها الذي يشبه حال الأحياء العشوائية في بلدانهم. ويوضح: «قلما ترى شخصاً يفطر علناً في شهر رمضان، بينما تنفذ المأكولات التي استوردها من الخارج والمخصصة للشهر الفضيل بسرعة بسبب غلبة الزبائن المسلمين في الحي». ويتحدّث عن خصائص تميّز ضواحي المهاجرين من قبيل أن «تعيش أكثر من عائلة في منزل واحد بما يخالف قوانين السكن، واستفحال البطالة التي تكاد تصل إلى نسبة النصف لدى الشباب، عدا عن ارتفاع معدلات رسوب الأطفال في المدارس. لكن لا تبدو الوكالات الحكومية مهتمة وكأنها تتجنّب صداع المجيء إلى هنا، كما أن الجمعيات الإسلامية تكاد تكون غائبة وتركّز على القضايا الفقهية ليس إلا». ولعل نمو شعور المهاجرين باللاانتماء وتراكم المشـــكلات الاجتـــماعية والاقتصادية وسوء التخطيط عوامل زادت حجم الهوة الثقافية والحضارية في وقت تبرز محاولات لردمها، ومنها تشكيل جمعيات تعمل على مساعدة الشباب للانخراط في المجتمع، وتتألّف من ناشطين وشبان مارسوا الجريمة ثم عدلوا عنها. لكنها تبقى محاولات خجولة لا تغيّر من ضبابية الصورة الكبيرة التي يمكن تفسيرها بأن اللاجئين هاجروا أوطانهم، ولكنهم لم يهجروها.

22 الإثنين , أكتوبر, 2018

هجرة إلى الوطن

  • 0
  • القبس

مشاركة :