القراءة هي «عملية معرفية تقوم على تفكيك الرموز (الحروف) وتحويلها الى معنى للوصول إلى الإدراك والفهم، فمن يقرأون الصحف المحلية أو المجلات أو القصص أو الروايات أو الكتب العلمية جميعهم يشتركون في الفعل، ولكن يختلفون في الأهداف والنتيجة والقيمة المستفادة، التسليم أو الإقرار بما ذكر أعلاه يساهم الى حد كبير في تقليل أي إشكال متعلق بأهمية قراءة أي نوع من أنواع الكتب أو من المصادر المعرفية. ما الفائدة من قراءة الصحف أو المجلات؟ ما الفائدة من قراءة كتب الأدب والروايات؟ ما الفائدة من قراءة بعض كتب العلوم لغير المتخصص؟ جميعها أسئلة مبنية على أسس غريبة جدا، فهل ينبغي أن تكون هناك فائدة مباشرة ليقوم الإنسان بالقراءة؟ وهل ينبغي أن يقرأ الإنسان في تخصصه فقط لكي يستفيد؟ أبسط الأمور التي تدعو للقراءة هي توسيع المدارك وعيش تجارب السابقين والاستفادة من خبراتهم والغوص في أعماق الخيال الذي كان، وما زال، مفتاحا للتقدم والتطور. فلا خلاف على أن القراءة من أعظم وسائل استثمار الأوقات وهي «تطوير في تطوير» للعقل والذات والشخصية فالقارئ يختلف جذريا عن غير القارئ في الخبرة وطرق وأساليب التفكير. أما مسألة جودة الكتب وفائدتها فلكل الكتب فائدة، ولو افترضنا أن هناك كتبا سيئة ففائدة قراءتها أن تعرف أنها سيئة. أما عن اعتبار الرواية مضيعة للوقت فهذا الرأي نابع عن اعتبار الروايات مجرد حكايات خالية من المضمون وحتى لو كانت الرواية مجرد حكاية يكفي أنها نشاط ترفيهي له قيمة مستفادة مميزة منها الأنس، وأيضا لو فكرنا وتدبرنا قليلا فما التاريخ إلا مجموعة حكايات تناقلها، بأحداث الحكاية والتأثر بها المؤرخون على مر العصور. الرواية ممتلئة بالقيمة المعرفية والعلمية، هذا واضح وجلي لمن يعرف قيمتها ولمن قرأ كثيرا من الروايات، علاوة على أن الرواية تحاكي وجدان الإنسان وكينونته، وهنا أختم بهذا الاقتباس عن الروائي الرائع ميلان كونديرا قرأته في كتاب «ماهية الرواية» للطيب بو عزة «إذا كان صحيحا أن الفلسفة والعلوم قد نسيا كينونة الإنسان، فإنه يظهر بوضوح أن فنا أوربيا كبيرا قد تكون مع ثيربانتس، وما هذا الفن إلا سبر هذا الكائن المنسي». منذ نشأة الرواية كفن أو جنس أدبي فهي محاكاة لكينونة ووجدان الإنسان وطموحه وتطلعاته في الواقع والخيال، وكفى بذلك هدفا وسببا لقراءتها.مشاري العنزي
مشاركة :