أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أمس (الأربعاء)، عن إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية مبكرة، ستتم في 24 يونيو المقبل، أي قبل 16 شهرًا من موعدها الأصلي، فما أهداف "أردوغان" من وراء هذه الخطوة؟ تحت هذه الكلمات نشرت صحيفة "سيليت"، الفرنسية تقريرًا (ترجمته عاجل)، يكشف الهدف الذي يسعى إليه "أردوغان"، واستشهدت الصحيفة بمصدر مطلع، قال قبل أسابيع: "نتوقع إعلانًا مهمًا في أبريل أو مايو"، ما يرد على النفي المتكرر من أردوغان حول إجراء انتخابات مبكرة. وفيما يكذب الموعد الجديد (24 يونيو 2018) إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية، الرئيس التركي، فقد ربطت الصحيفة بين هذا القرار وتزامنه مع تمديد البرلمان حالة الطوارئ للمرة السابعة، لمدة ثلاثة أشهر بقرار من مجلس الأمن القومي التركي. وأوضحت الصحيفة أن الرئيس التركي استند على هذه الخطوة بعملية التدخل العسكري في سوريا، والوضع الاقتصادي التركي، فضلًا عن حالة الاحتقان الداخلية جراء التعديلات الدستورية التي منحت أردوغان صلاحيات كبيرة، عبر الاستفتاء الذي جرى في أبريل 2017. ويرغب أردوغان في الاستعانة مستقبلًا بالسلطات التي منحتها له التعديلات الدستورية، بدلًا من اللجوء لتمديد حالة الطوارئ التي تثير حفيظة المعارضة، وكانت سببًا في اندلاع مظاهرات كبيرة خلال الأيام الماضية. مزاعم وردت الصحيفة على حجة أردوغان المثيرة للدهشة، حيث يعلق ما يصفه بـ"خطوات إصلاحية" على حسم الانتخابات الرئاسية والتشريعية المقبلة، وقالت إن الرئيس التركي لديه بالفعل صلاحيات واسعة في اتخاذ القرار، لتطبيق الإصلاحات التى يعد بها الآن. وبينت أن السبب الحقيقي يكمن في رغبة أردوغان بالاستفادة من التعديل الدستوري لمصلحته الشخصية، وأن الانتخابات المقبلة مهمة جدًا لمستقبله السياسي، حيث إن الدستور الجديد يفتح المجال أمامه للبقاء في منصبه مدتين رئاسيتين، كل منها خمس سنوات، وأنه مع دخول التعديل الدستوري حيز التنفيذ، سيكون أردوغان صاحب سلطة كاملة". يأتي هذا فيما لجأ أردوغان تحت ضغط الأسباب الداخلية إلى فتح جبهات خارجية في محاولات يائسة منه للهروب مما ينتظره، بعد تعدد خصومه على هذا النحو، ووصول العلاقات التركية الإقليمية إلى مرحلة من الاحتقان غير المسبوق. ومنذ وصوله للرئاسة (28 أغسطس 2014)، نفذ خطة ممنهجة للعصف بمنافسيه السياسيين، وعمل على إسكات كل الأصوات المنتقدة له، حتى صار بلا منافس حقيقي في المشهد العام التركي، وسط واقع داخلي شديد الاضطراب. احتكار ويواصل أردوغان نزعته الاحتكارية بالعمل على تمكين حاشيته في المؤسسات الاقتصادية والمواقع القيادية والسيادية، وتوظيف حزبه الحاكم (العدالة والتنمية) في إزاحة أحزاب تقليدية (بالتحريض، وتلفيق الفضائح)، الأمر الذى زادت وتيرته قبل الانتخابات الرئاسية المرتقبة. ويواجه الرافضون لسياساته (أقليات، وأحزاب، ووسائل إعلام...) أشدّ أنواع التنكيل والعصف (أمنيًّا، وعسكريًّا)، حتى إن تركيا أصبحت (بحسب مؤسسات ومنظمات دولية) تتصدر قائمة البلدان المعادية للحريات العامة، بحكم عدد السجناء السياسيين، واختفاء نحو 170 مؤسسة إعلامية منتقدة لسياساته. ووجد أردوغان في "الانقلاب الفاشل" (ليلة 14 يوليو 2015)، فرصة ذهبية لإعادة هيكلة المؤسسات التركية، كما سارع بالتصديق الفوري على اعتقال وفصل أكثر من 175 ألفًا من المسؤولين والقيادات في معظم المؤسسات التركية (التنفيذية، والتشريعية، والقضائية). وبادر بإغلاق 18 قناة تليفزيونية، و3 وكالات أنباء محلية، و23 محطة راديو، فضلًا عن 45 صحيفة و15 مجلة.. عاقب قيادات المجلس الأعلى للقضاء التركي بـ"العزل" من مناصبهم، ومعهم نحو 300 قاضٍ (بعضهم يحقق في قضايا فساد متهم فيها مقربون منه؛ نجله، ووزراء في حكومته، وقيادات في حزبه الحاكم)! خسارة وخسر أردوغان بسبب هذا الملف الشريحة الأكبر من الشباب التركي، المعترض على اتساع رقعة الفساد في البلاد.. لا ينسى هؤلاء "المعالجة الدموية"، التي تمت بقرار مباشر منه خلال احتجاجات ميدان "تقسيم" (28 مايو 2013)، التي شكّلت اعتراضًا شعبيًّا على سياسات حكومة "العدالة والتنمية" الموالية لرجال الأعمال، وخطط أردوغان المنحازة للأغنياء، وإسناد المشروعات لمقربين منه (بالأمر المباشر). حزب الشعب الجمهوري (أكبر الأحزاب التركية المعارضة) يرى أن البلاد تعيش مناخًا من الفساد والخوف في ظل حكم قمعي، وانتقادات متتالية من حلفاء تركيا ومنظمات حقوقية دولية لما تعيشه البلاد من عمليات تضييق وتآمر على المؤسسات الوطنية (الجيش، والقضاء، والأمن، والإعلام، والتعليم)، وعليه يطالب الحزب بمواصلة النضال لحين إنهاء حكم أردوغان. ويمثل ملف "الأكراد" أحد المنغصات لأردوغان، بعدما بادر (أولًا) بمدّ الجسور معهم لأغراض سياسية قبل انتخابات رئاسة الجمهورية عام 2014، ثم وصلت العلاقة لمرحلة القطيعة إثر اعتراض الأكراد على هيمنة أردوغان (بموجب التعديلات الدستورية- الديكتاتورية) على المشهد العام، فرد عليهم بكل عنف، لدرجة اتهامه بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. دمار مفوضية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، أكدت أن منطقة جنوب شرق تركيا شهدت دمارًا شاملًا وقتلًا وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، على يد أجهزة الأمن التركية، طالت 30 بلدة وحيًّا، وأدّت إلى نزوح أكثر من 335 ألف شخص من أصل كردي، وتعرض نحو 2000 مبنى للدمار بشكل منهجي، كما تم تسوية أحياء بكاملها بالأرض. العملية الأمنية ضد الأكراد (جنوب تركيا)، تسببت في استشهاد أطفال ونساء ورجال، جراء الاستخدام المفرط للقوة والحصار والتجويع.. تم توثيق حالات تعذيب واختفاء قسري للسكان المدنيين المطالبين بحقوقهم، والمعارضين في الوقت نفسه لسياسات أردوغان، وسط مزاعم من حزبه وحكومته بأنه يحارب الإرهاب. يوظف أردوغان ذات المزاعم لشن غاراته على شمال سوريا (الغزو التركي لـعفرين).. تدرك الأغلبية أن الغزو التركي لـ"عفرين" هدفه فوز أردوغان بأصوات القوميين الأتراك (الرافضين لإقامة دولة كردية شمال سوريا) في الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة، كما أن الوجود العسكري التركي (المدعوم من جماعات إرهابية، وميليشيات مسلحة) سيجعل أنقرة (تحديدًا الشركات التركية المملوكة لحاشية أردوغان) على قائمة المستفيدين من ملف إعادة الإعمار في سوريا. مقابل ما يحدث من عصف بالجميع، تفجّر صراع مثير للدهشة بين أردوغان، والرئيس التركي السابق عبدالله جول، إثر خلافات جذرية حول معالجة بعض الملفات، لا سيَّما النزعة الديكتاتورية الاحتكارية التي ينتهجها أردوغان، وسط تسريبات تشير إلى أن جول قد يكون منافسًا محتملًا لأردوغان في انتخابات الرئاسة المقبلة، مدعومًا بأصوات المحافظين اليمينيين والأكراد.
مشاركة :