صدرت حديثا، عن مؤسسة أروقة للدراسات والترجمة والنشر بالقاهرة، المجموعة الشعرية الثامنة للشاعر اليمني هاني الصلوي والتي جاءت تحت عنوان "لاكرامة لمستطيل". ويعتمد الصلوي طريقة في العنونة تميز إنتاجه الشعري تقوم على الغرابة في العنونة والإثارة، واستغلال أقصى إمكانيات السياق اللغوي داخل وخارج النص. جاءت المجموعة في ثلاثة وعشرين نصًا موزعة على مئتين وثلاثين صفحة من القطع المتوسط، وفي قصائد متوسطة الحجم عدا ثلاث قصائد طويلة هي: برق ملعون الطلعة، والتي تجاوزت الخمس وثلاثين صفحة، وقصيدة يضرب في اللغة "خمسة وعشرون صفحة"، بينما توزعت قصيدة: مسكينة أنت يا بلجيكا، على خمس عشرة صفحة. كتبت نصوص "لا كــرامة لمستطيل" كما ورد في الصفحة الرابعة من الكتاب في تونس بعد مارس من العام 2015 حتى آخر أغسطس من العام نفسه، وهي الفترة التي قضاها الشاعر عالقا هناك غير قادر على العودة للقاهرة مقر إقامته إثر نشوب الحرب في وطنه اليمن. باستثناء نصه مسكينة أنت يا بلجيكا المكتوب في مدينة أنتويرب الفلومانية البلجيكية، ونصه العدوى. أمــا إهداء المجموعة الموضوع تحت عنوان بديَّــة "من مشفى العربي ـ عزوز النصي" فجاء هو الآخر مختلفا يقول فيه: إذا كان لابد من البلاد فــ" تعـز". وإن كان لابد من الأصدقاء فالباي الجلاصي وعائلته السماوية وإن كان لابد من المتصوفة ِالنابهين فلا بد من ميمونة التي تعرف ربي ويعرفها جيدًا. وإن كان لابد من الورود فنسري زغـوان فقط نسري زغـوان فقط. تلى الإهداء مقدمة بعنوان "شهادة زور غير مأجورة"، ليبدأ المجموعة بنص في غاية القصر والالتباس والشعرية: يتـركنك ووحيدًا بين أوراقك ثم يزعمن أن قصائدك رديئة" ويتميز الديوان "لا كرامة لمستطيل" عن نصوص الصلوي السابقة من جانب، وعن ماصدر في السنوات الأخيرة من مجاميع قصيدة النثر أو قبل ذلك، شاقة طريقها الخاص بين نتاجات الشاعر ونتاجات معاصريه من الشعراء، خائضة في مناطق شائكة على المستويات كافة: الحياتية واللغوية والشعرية ومستويات التجريب، والمغامرات المفتوحة. يمكن للقارئ أن يقول عنها، سواء كان مطلعـًا على المنجز الفكري والتنظيري للشاعر أم اطلع على سياقه الشعري فحسب: إننا بإزاء شاعر يتقدم كل لحظة في آفاق جديدة، ويجترح كل لحظة أكوانا أوسع، بينما سيجد الناقد في المجموعة وماقبلها مثالًا مائزًا لا يتكرر على تحولات الشعر الحديث وتقلباته وإدهاشاته. يعتبر الصلوي في نظر المهتمين حالة فريدة في الشعر الحديث، ويقول الشاعر والناقد علوان الجيلاني: في مجموعته "لا كرامة لمستطيل" سيبدو هاني الصلوي مبدعا كونيا، من جهة اشتباكه الواسع مع تجارب شعرية من مختلف أصقاع العالم، ومن جهة التمثلات والتضمينات العابرة للثقافات، أما على مستوى الاشتغال الشعري كتقنيات ومرتادات شكلية، فإن اللعبة الفنية ستبدو متعددة المناحي، حيث تختلف الجملة على مستوى التكنيك وعلى مستوى المعجم بين نص ملحمي مثل "برق ملعون الطلعة" وهو ذروة ابداعية مدهشة، ونص "لا تمت في الصباح الباكر" الذي يجب أن يقرأ في إطار كونه واحدا من أهم وأجمل النصوص التي عرفتها القصيدة الحديثة، المفاجآت لا تتوقف على الشكل، ولاعلى الاستفادة من معطيات النص الجديد الذي تعد الريادة فيه والتنظير له بصمة مميزة للصلوي في مشهد مابعد مطلع الألفية، المفاجآت تتمثل أيضًا في اجتراح لغة هادمة للانساق السائدة، لغة تتآزر مع أفكار جديدة ومبتكرة نجدها في نصوص مثل "كان الحزن إلها قديما" و"برق ملعون الطلعة" و"الهامش على المفاتيح " و"يضرب في اللغة" إنه إبداع يجمع بين لذتين لذه النص بوصفه لغة، ثم بوصف اللغة لعبة تعبيرية، ولذة الفكرة بوصفها رافعة استثنائية للعبور بالنص إلى مستوى تخلّقه المختلف، وبوصفها أيضًا شريكا يتواطئ بخفاءاته وتجلياته، في تشييد جماليات النص بمجمله، ثمة أيضا التشذير، وتعمد الارباك الذي سنشعر به كجزء من حلاوة النصوص وامتلائها بالشعر، خاصة تلك اللحظات التي تندفع فيها العواطف أو يرتفع فيها الاحساس بالروح الانسانية الكونية كضرب من الرغبة في مقاومة المآزق الوجودية كمأزق الحرب". تصدر الغلاف الخلفي من المجموعة المقطع التالي: ليست فازةً يا ابنتي ولا مشهدًا مفتعلًا: أحرق الشبزي أطراف ثيابه ولم ننج. عمامته ولم تعد بيوتنا لهندامها وألفتها، زنانيره ولم تقفل المقابر بطونها، أصابعه ولم يعد الأطفال من القصف، جسده ولم ترجع الحياة من المذبح، لم يترك الهلع للشبان أرجلا، للأمهات أثداء. للمغيرين فرصة للتراجعِ. أو الصوم...." ولم تأتي قبلي " "لم تأتي بعدي "
مشاركة :