قبل نحو عامين رفع العالم حاجبيه تعجبًا حين خرجت إحدى القنوات التلفزيونية الصينية بأول مذيعة نشرة جوية «روبوت». وعلى رغم رقة صوتها ودقة أدائها ورونق إطلالتها فإن بعضهم توجس خيفة مما قد تكون الشاشات مقبلة عليه. الغالبية حينها تعاملت مع نشرة الطقس باعتبارها شكلاً من الترفيه العلمي، ونوعًا من المبالغة الشديدة في تصور دور الذكاء الصناعي على الشاشات التي يهيمن عليها البشر. «زياويس» المذيعة الروبوت التي حصلت على فرصة تدريبية في نشرة الطقس في برنامج التوك شو الصباحي الصيني «مورنينغ شو» أثارت مقدارًا من الفزع لدى شعوب أخرى. فقد استغرق المشاهد الصيني نحو عشر دقائق كاملة قبل أن يعي أنه يتابع مذيعة روبوت، وبعدما اكتشف ذلك، يبدو أن الغالبية لم تعبأ كثيرًا. وما أثار العجب أكثر بعدها، هو أن «زياويس» أصبحت إحدى أكثر شخصيات مواقع التواصل الاجتماعي شهرة. وزاد طين شهرة المواقع الاجتماعية بلة وقوع كثيرين في غرامها، وتلقيها ملايين رسائل الإعجاب والحب. حب الذكاء الصناعي، والرغبة في الدفع به إلى مجالات الحياة المختلفة، والشاشات نموذجًا، دفع شركة «مايكروسوفت» وحلفائها من الشركات الصينية لمزيد من التجويد وذلك لتمكين «زياويس» من إبداء مقدار أكبر من المشاعر عبر ملامح وجهها، وذلك لتمكينها من التعبير عن فرحة عابرة في حال كان الجو جميلاً أو غصة كامنة إن كان ممطرًا أو مثلجًا أو حارًا. حرارة استقبال «زياويس» في الصين لم تستمر طويلاً. ربما لأن الصينيين لا يمضون ساعات طويلة أمام شاشات التلفزيون، وربما أيضًا لأنهم لا يتوقعون من مذيعي التلفزيون ما هو أكثر بكثير مما تقدمه «روبوت» قادرة على قراءة خبر وبعض من التعبير عن سعادة أو كآبة عبر ملامح وجهها. لكن وجهًا آخر أطل قبل أسابيع عبر شاشات يابانية، وتحديدًا «إريكا» ابنة الـ23 سنة والمدربة خصيصًا لتقرأ نشرات الأخبار وتجلس على مقعد المذيعة ثم تقوم. يقول ولي أمرها أن ما تقوم به «إريكا» هو تحديدًا المطلوب من أي مذيع، مع فارق واحد بسيط ألا وهو أن والد «إريكا» هو أندرويد؟ وقبل أيام، تسمر المشاهدون المصريون والعرب أمام شاشات التلفزيون، ومن فاته البرنامج لحق به على «يوتيوب»، وهم يتابعون لقاءً تلفزيونيًا أجراه المذيع أسامة كمال في قناة «دي إم سي» مع الروبوت أو الـ «هيومانويد» (الكائن الذي يشبه البشر لكنه ليس حيًا) الشهير «صوفيا». صوفيا الروبوت الشبيهة بالبشر والتي صنعتها شركة «هانسون روبوتيكس» بمقاييس الفنانة أودري هيبورن هي الأكثر محاكاة للبشر وتعابير الوجوه والقدرة على الإجابة عن أسئلة بعينها حتى اللحظة. تحفظ الكلمات وتختزنها وتلقي نكاتاً وتضحك عليها مزودة بـ60 تعبيرًا للوجه يمكنها استخدامها. حوار كمال مع صوفيا أذهل ملايين المشاهدين العرب. صحيح أنه لم يكن الحوار التلفزيوني الأول لصوفيا، إذ سبق واستضافها مذيعون في بريطانيا والولايات المتحدة، كما ألقت كلمات في منتديات كبرى، والتقت مسؤولين في الأمم المتحدة وغيرها، إلا أن حديث صوفيا عن إعجابها بنجم كرة القدم المصري محمد صلاح، وتمنيها الحظ لمصر في مباريات كأس العالم، وتأكيدها أنها لا تدخن خوفًا على السليكون الخاص بها، ونصيحتها لمحاورها بالتوقف عن التدخين شارحة له باستفاضة أضراره أدخل المشاهدين في حالة من الذهول والتفكير في مستقبل تلفزيوني ربما لا يكون بعيدًا جدًا. صوفيا التي أجابت إجابات منمقة وعلمية ومدروسة جيدًا على ما ألقي عليها من أسئلة، وذلك من دون تبرع بتعليق لا داعي له، أو استعراض لمعلومة لا قيمة لها، أو ادعاء بامتلاك قدرات على تحليل الأوضاع وقراءة المشاهد لا وجود لها. حوار ضاحك دار بين صديقين مصريين عقب لقاء الإعلامي أسامة كمال بالروبوت صوفيا قوامه وضع الشاشات في حال استبدل المذيعون والمذيعات بالروبوتات من أمثال صوفيا وأقرانها. وعلى رغم أن الحديث طغت عليه روح الدعابة، فإن الصديقين اتفقا على أن إحلال «صوفيا» محل المذيعين – لا سيما البرامج المعتمدة على كلام المذيع واستعراض آرائه وعضلاته التحليلية- سيؤدي إلى حالة مزاجية شعبية أفضل لدى ملايين المشاهدين، ومقدارًا أعلى من المهنية الإعلامية حيث الفصل بين الخبر والرأي، والمعلومة والتحليل، ناهيك بتعبيرات وجه محسوبة وليست خارجة عن نص الشاشة أو فاضحة لتوجه المذيع. حديث الصديقين لم يكن ضربًا من خيال أو شطوحًا كليًا للأحلام، ففي تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي، خضعت صوفيا لاختبار مذيعين على قناة «إيه بي سي نيوز» الأميركية، وتحديدًا في برنامجها «نيوز بريكفاست» الصباحي، حيث جلست جنبًا إلى جنب مع مذيعي البرنامج، ووجه عدد من الأسئلة إليها على الهواء مباشرة. سألتها المذيعة عن حجم التمييز بين الجنسين ومعاداة النساء في عالم الروبوتات؟ فأجابت صوفيا أن ما يشغلها في الواقع هو حجم التمييز ضد الروبوت، وأنه يجب أن يكون للروبوت الحقوق نفسها التي يتمتع بها الإنسان إن لم يكن أكثر، لا سيما أنهم (الروبوتات) يعانون مقدارًا أقل بكثير من الاختلالات العقلية مقارنة بالبشر. ويبدو أن صوفيا برهنت بشكل أكبر وأوضح على ما تقول حين سألها المذيع إن كان في وسعها أن تقول نكتة، فقالت: «نعم بكل تأكيد! لماذا عبر الروبوت الشارع؟» فقال المذيع: «لماذا؟» فقالت صوفيا: «هربًا من مذيعي التلفزيون الذين يسألون أسئلة». الأسئلة التي أجابت عنها صوفيا بذكاء شديد تنم عن ذكاء صناعي عال. صحيح أن من صنعه هو الذكاء البشري، لا سيما أن أداء صوفيا على الهواء أو في المؤتمرات يكون محكومًا بتوصيلها بجهاز كمبيوتر يتحكم فيه فنيون لمساعدتها على الإجابة (ما يوازي عمل المعد القابع على الطرف الآخر من «قطعة أذن» المثبتة في أذن المذيع)، إلا أن السيطرة على ما يقوله المذيع، لا سيما في حالات الانفلات الإعلامي، واختلاط حابل الرأي بنابل الخبر، وإطلاق العنان لنجم الـ «توك شو» طوال ساعات الليل من دون ضابط مهني أو رابط سلوكي باتت خيالات تداعب قلوب بعض المشاهدين وعقولهم.
مشاركة :