نوف الموسى (دبي) من أجمل الاعتقادات الموسيقية، في الهند، هو أن لكل صوت لونه الخاص، حيث يطلق على اللحن في الموسيقى الهندية «راجا»، وهي كلمة تعني «اللون». ويعود هذا الاعتقاد إلى أقدم المذاهب في الموسيقى الشرقية التي تنبهنا للجمالية الساحرة خلف البحث عن «فن الصوت»، باعتباره تكويناً روحياً مذهلاً يستدعي النقاش العميق، والتناول الجاد في ما يتعلق بتبني مجتمعاتنا المحلية لثقافة الصوت، كلغة فكرية وتأمل إنساني، يثري المخيلة الإبداعية ويحقق استمرارية إنتاج الحياة لنفسها من خلال أشكال التعبير الوجودي. ومن هنا، جاءت فكرة اقتراح إنشاء متحف لفن الصوت في الإمارات، وإمكان تنفيذه كمشروع ابتكاري، بمضامين عالمية، يستهدف تعريف الأصوات، كفن يجلّي روح المكان بتفاصيله المادية والحيّة، وصولاً إلى ما يمكن أن نسميه «السُكُون الحضاري»، وهي تسمية ترمي إلى تكريس أهمية الإدراك الواعي للتنوع الضمني لطاقة الصوت، وما سيقدمه هذا التنوع المذهل في حالة الانصهار الكلي الذي يؤدي بدوره إلى حالة طبيعية من الصفاء الروحي، وبمثابة «هَدْأة» للفكر. بالعودة إلى (ارتباط) الصوت باللون، وأهمية ذلك، من الناحية الثقافية، والفعل الذي يقدمه لتأسيس متحف مترامي الأطراف يستهدف (الوعي)، يمكن القول إن ما يمكن أن يثيره (الارتباط) بين عيش تجربة واقعية مع الصوت، بما تعنيه من مكاشفة اللون، يجسر لتلامس بصري صوتي، من شأنه أن ينقلنا إلى مراحل متقدمة في دراسة الأصوات، لإدراك ذات الصوت من خلال الإنسان، ولا يمكن ذلك، دون المرور بما يسميه العلماء حالة التوافق بين الصوت واللون، فما تشكله الألوان السبعة، بعد تحللها، بوصولها إلى اللون الأبيض، تشكله طاقة الصوت، بالتقائها بالسكون. عملياً، لا يمكن إنتاج حالة فنية للصوت عبر متحف عالمي، دونما وضع خطط تنفيذية واضحة، وطرح الأسئلة التالية: ما هي الأصوات التي يمكن أن تتحول إلى لون في بيئتنا المحلية؟ هل يمكن أن يتضمن المتحف مُكتشف للأصوات وتحليلها تاريخياً، وتحويلها إلى مواد توثيقية، ما هو الرابط بين «فن الصوت» المعروف في موسيقى الخليج، وبين «فن الصوت» بوصفه ثقافة اكتشاف الحياة؟ أين تتفجر العلاقة بين الصوت والمكان، كدراسة موسيقى الأماكن، (مثال عليها: الأغنية الهندية في الفرجان المحلية)، ما مدى استعداد مجتمعنا لاستيعاب صناعة «بيوت للموسيقى»، تدرس الكيانات المجتمعية ومراحل تشكل الهارموني والإيقاعات بين الكلمة في اللهجة والإحساس في الترنيمة؟ هل يمكن أن نؤسس جيلاً من الباحثين عن موسيقى اللحظة الإنسانية، وماذا سيفيدنا في إقرار حق المخيلة العامة وتوجهات أفكارها؟ وهل التفريق بين الصوت كحاسة والصوت كحدس، يؤدي بنا إلى السمو تدريجياً نحو حوار من دون صوت؟ وما مدى وصولنا إلى نقطة السكون التامة، عبر ممارستنا لعفوية تدفق أصواتنا؟ ما هي مقتنيات متحف فن الصوت في الإمارات؟ سؤال وجيه ومهم، إلا أن متحف الصوت سيطرح نفسه كبوابة لاستثمار بيئة المتحف لاقتناء ما ينتجه، فأغلب المقتنيات ستعتمد على إنتاج معاصر يجمع بين المكونات التاريخية الشفاهية، والدراسات العلمية والبحثية. وتكوين المتحف بشكل عام، يتجلى في الفلسفة العامة، لفروع المنتج الثقافي للمتحف، (فالموسيقيون) جزء ديناميكي من رحلة المتحف، ولكن ذلك، لا يعني التخصصية، فإشراك الفرد العادي، يمثل أول أهداف المتحف، (فالفرد) يستطيع أن يسجل صوته، ويشارك بذكرياته الصوتية، في أبحاث علمية، إلى جانب (العلماء والباحثين)، فالوصول إلى لغة روحية مشتركة بين الفئات المجتمعية الثلاث، والكائنات الحيّة بتنوعاتها الجغرافية، والجمادات بأشكالها، جميعها ترسخ وحدة واحدة، لاستيعاب مكون الصوت في ما نود أن نطلق عليه مجازياً «السُكُون الحضاري!».
مشاركة :