ياسين الحاج صالح والثورة المستحيلة

  • 4/22/2018
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

بيروت – انديرا مطر | لكن الانتفاضة، أو الثورة السورية، هُزمت من دون أن تؤدي هزيمتها إلى انكارها أو التنصل منها ونسيانها أو التمني لو أنها لم تحدث، على ما يردد البعض يأساً. ولعل ياسين الحاج صالح رمى من خلال كتابه الجديد «الثورة المستحيلة: الثورة، الحرب الاهلية، والحرب العامة في سورية»- الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت، وعلى الرغم من ان فصول هذا الكتاب كانت قد نشرت ابان السنوات الأولى من الثورة السورية- الى اعادة الاعتبار لهذه الثورة التي حملت مآلاتها ونتائجها كثيرين على التبرؤ منها أو ترذيلها. في مقدمته لهذا الكتاب يروي الحاج صالح كيف كتب فصوله وفي أي ظروف وأين كتبتها على مدار نحو خمس سنوات في أربع مدن: دمشق، دوما، الرقة وإسطنبول حيث يقيم منذ ثلاثة أعوام، من دون أن يستطيع استخدام كلمة منفى لوصف حياته في المدينة التركية الكبيرة. وهو يعتبر انه ليس منفياً لأنه طوال ما يقرب من 6 سنوات لم يتح للسوريين، وله كواحد منهم، وقفة ليوم واحد من دون قتل بالقصف او تحت التعذيب، ليلتقطوا أنفاسهم وينظروا حولهم ويتفقدوا انفسهم وجيرانهم او ليفكروا أين هم وليتأملوا أيضاً بمسارات تناثرهم. صناعة الذات في الفصل الأول يصرُّ ياسين الحاج صالح على اظهار الطابع الديموقراطي والتحرري للانتفاضة السورية، كما كان يسميها في أشهرها الأولى، قبل ان يعتمد بعد ذلك تسمية «الثورة». والثورة هذه ديموقراطية وتحررية لأنها صناعة للذاتيات لأشخاص كثيرين، لأسماء مدن وبلدات كثيرة، من وراء التعذيب والطمس الأسديين. وهي تمثل فعل تحرر وسفور لسوريا المتعددة من وراء حجابها السياسي الصفيق. والفصل هذا المكتوب في دمشق هو احتفال بأشهر السوريين الأولى في خروجهم على سطوة النظام الاسدي، عندما كان ياسين الحاج صالح ينتقل من بيت إلى بيت في دمشق متخفياً. الفصل الثاني بعنوان «الثورة السورية وخطر الوضع الطبيعي» وهو الخطر الذي بدأت تشكله المقاومة بالسلاح المرتبطة بقمع الاحتجاجات السلمية. وكانت الخشية من سير الثورة نحو حرب مفتوحة يسود فيها منطق الضرورة والقتال المستميت ضد المعتدي. وهذا ما حدث. شبيحة الأسد في الفصل التالي، نقرأ سيرة للشبيحة وشخصياتهم وظهورهم في النظام الأسدي. اما الفصل المعنون «الأسد أو لا أحد، الأسد او نحرق البلد» فيحاول إعطاء فكرة عن التكوين العدمي للنظام الأسدي وعن البرنامج الموجِّه لسياسته المتضمن في الشعار المعروف هذا، ويعمل على تقريب العدمية الاسدية من العدمية الدينية للجهاديين. أما في فصل «الجذور الاجتماعية والثقافية للفاشية السورية» فيرى الحاج صالح ان هذه الفاشية هي صيغة من القومية العربية التي اعتنقها حزب البعث الحاكم، والقائمة على عسكرة الحياة العامة ونصب حواجز عالية بين السوريين والعالم. والفصل السادس الذي يحمل عنوان «الثوة والسلاح» هو إسهام في النقاش حول عسكرة الثورة ومحاولة لفهم المسار الذي أدى اليها، عندما كان المجتمع السوري يكسر احتكار الدولة الاسدية للسلاح، بينما كانت الجهود التحتية للتنظيم محدودة التأثير بسبب انقطاع مديد بين عموم السكان والفئات الأفضل تعليما والاقدر على التنظيم. العدمية المقاتلة في هذا الإطار يعتبر ياسين الحاج صالح انه لم يكن هناك خيارات جيدة أمام السوريين الثائرين الذين كانوا مستمرين في التظاهر السلمي مطلع ربيع 2012. هذا بينما كانت القوى الغربية تعمل بنصف قلب على ادانة النظام وبنصف قلبها الآخر كانت تفضل الاستقرار وحماية «الدولة». وهذا ما مهد الطريق الى صعود العدمية المقاتلة في سوريا، أي التنظيمات الجهادية كالنصرة وداعش. وهذا عنوان الفصل السابع من الكتاب المكتوب في صيف 2012، بينما كانت التظاهرات السلمية الأسبوعية في أوجها: أكثر من 700 بؤرة تظاهر في سوريا. وبعد شهر كانت قد زالت زوالاً شبه تام وأخذ النظام يزج بسلاح الطيران وصواريخ سكود ضد المناطق الثائرة. تزامنا، أسفر تدخل إيران وحزب الله عن وجهه بشكل علني وأخذ ينهار الاطار الوطني للصراع السوري وتوقف عن كونه سورياً- سورياً واتجه ليصبح إقليميا ودوليا، بينما كان بعده الطائفي يشتد ويتعمم. وهنا يرى الحاج صالح ان الحرب الاهلية السورية انتهت في ربيع 2013 على أبعد حد، وقت التدخل المعلن لحزب الله اللبناني التابع لإيران في مدينة القصير. الصفقة الكيماوية ومنذ ما يسميه الكاتب «الصفقة الكيماوية المشينة»، انطلقت وسائل الاعلام الغربية كالكورس في دعاية مجانية لداعش، الكائن الخطر، العجيب، السحري، حيث رأينا ضرباً جديدا من تحضير الأرواح في عالم أخذ يتراجع مضطربا عن أفضل ما فيه، أي عالميته. وبدعم وتشجيع حاسم من الروس والإيرانيين اخذ النظام السوري يستخدم البراميل المتفجرة وهي أوسع تدميراً بما لا يقاس من السلاح الكيماوي. العمل واللاعمل وفي الخلاصة، يرى ياسين الحاج صالح ان الانتفاضة السورية تجمع بين بيئات محلية وأهلية تتمرد على حرمانات متنوعة، وبين متعلمين ومثقفين حديثين تحفزهم تطلعات الحرية والفردانية والاستقلال الذاتي التي يقرنها المرء بالطبقة الوسطى المتعلمة والمتحررة من أطرها الأهلية. وهناك شيء كبير يوحد الطرفين هو ارتباطهما بالعمل واعتمادها الحصري عليه في المعيشة والأخلاق وفي ادراك العالم. ويشكل هذان المكونان معا مجتمع العامة السوري في مقابل مجتمع السلطة والثروة الذي لا يعمل الا في أجهزة الأمن والمخابرات وأجهزة الطغمة الحاكمة العاطلة تماماً عن العمل.

مشاركة :