واشنطن - تسعى فرنسا ومن ورائها الاتحاد الأوروبي إلى إنقاذ الاتفاق النووي الموقّع مع طهران، عبر الاستجابة للشروط الأميركية، وذلك بتبنّي اقتراح وثيقة مكملة لنص الاتفاق تدرج فيها حزمة من العقوبات التي تستجيب للمخاوف الأميركية حيال برنامج إيران الباليستي، فيما يساور باريس القلق بشأن إمكانية انسحاب واشنطن من سوريا بعد هزيمة داعش ما يسمح لإيران بتمديد نفوذها في المنطقة. ويعتقد الحلفاء الأوروبيون (فرنسا وألمانيا وبريطانيا) أنهم أحرزوا تقدّما جيدا في صياغة التزامات سياسية مرفقة بعقوبات أوروبية جديدة في ما يتعلق بالشق الباليستي لإيران، رغم بقاء دول الاتحاد الأوروبي منقسمة حيال هذه القضية، فيما يؤكد محللون أنه لا أحد يعرف فعلا ما إذا كان هذا كافيا لإرضاء الرئيس الأميركي. ترغب واشنطن في التوصل إلى “اتفاق مكمل” بينها من جهة وبين فرنسا وبريطانيا وألمانيا من جهة أخرى، حيث سيأخذ هذا الاتفاق شكل إعلان سياسي يلزم فيه الغربيون أنفسهم عدم السماح لطهران بالحصول على سلاح نووي حتى بعد انتهاء مفعول اتفاق عام 2015. يبدأ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الاثنين، زيارة إلى واشنطن يلتقي حلالها نظيره الأميركي دونالد ترامب، في مهمة صعبة، لإقناعه بالحفاظ على الاتفاق النووي مع إيران، حاملا حزمة من مشاريع العقوبات التي يخطط الاتحاد الأوروبي فرضها على طهران، استجابة للشروط الأميركية، فيما تشير مصادر دبلوماسية أنه لا أحد يعرف فعلا ما إذا كان هذا كافيا لإرضاء الرئيس الأميركي وثنيه عن تقويض الاتفاق. ويرى مراقبون أن الأوروبيين مستعدون لاعتبار هذه “الوثيقة” بمثابة “اتفاقية” سيتم وضع اللمسات النهائية عليها مطلع مايو القادم، إذا كان ذلك يقنع الرئيس الأميركي البقاء ضمن الاتفاق الحقيقي. وسارعت فرنسا، أولى هذه الدول، إلى استبطان المخاوف الأميركية من ثغرات الاتفاق الممضى مع إيران عن طريق التنديد بدور طهران المزعزع للاستقرار في الشرق الأوسط وصواريخها الباليستية، وهو دور الوسيط الذي يشيد به الدبلوماسيون الأميركيون. وقال ماكرون في مقابلة مع قناة فوكس نيوز الأميركية إن بلاده ليس لديها خطة بديلة للاتفاق النووي الإيراني وإن الولايات المتحدة يجب أن تظل ضمن الاتفاق ما دام لا يوجد خيار أفضل. واعتبر الرئيس الفرنسي أن قوات كل من الولايات المتحدة وفرنسا وحلفائهما يجب أن تبقى على الأرض السورية لبناء “سوريا جديدة” ومنع انتشار النفوذ الإيراني في البلاد. وقال ماكرون ردا على سؤال حول موقفه من سعي الرئيس الأميركي إلى سحب قوات بلاده من سوريا فورا بعد تحقيق هزيمة تنظيم داعش، “ينبغي علينا بعد ذلك بناء سوريا جديدة، ولهذا السبب أعتقد أنه من المهم جدا أن تواصل الولايات المتحدة دورها”. وشدّد على أن انسحاب القوات الغربية من سوريا سيؤدي إلى تعزيز النفوذ الإيراني في هذه البلاد، مضيفا “أن خروجنا النهائي والكامل من سوريا، حتى لو كان سياسيا، في اليوم الذي سنكمل فيه الحرب ضد داعش، سيعني تقديم كل شيء على الأرض للنظام الإيراني، وبشار الأسد، وهؤلاء الأشخاص سيمهّدون لحرب جديدة وسيغذون إرهابيين جددا”. وتابع “حتى بعد انتهاء الحرب على داعش ستلعب الولايات المتحدة وفرنسا وحلفاؤنا، وجميع الدول الموجودة في المنطقة، حتى روسيا وتركيا، دورا مهما لإنشاء سوريا جديدة وضمان أن القرار حول تحديد هذا المستقبل سيعود، بطبيعة الحال، إلى الشعب السوري”. وأكد ماكرون خلال المقابلة، التي جرت قبل زيارته المرتقبة إلى الولايات المتحدة والتي تشمل إلقاءه كلمة أمام أعضاء الكونغرس الأميركي، في وقت لاحق من الأسبوع، أنه سيطلب من المشرعين الأميركيين تمديد الوجود العسكري للولايات المتحدة في سوريا. واعتبر أن الولايات المتحدة لا تزال لاعبا لا يمكن تبديله في الشرق الأوسط، مضيفا أن فرنسا ستواصل الاعتماد عليها في سوريا. براين هوك: إذا توصلنا إلى اتفاق مع الأوروبيين، فسيتم رفعه إلى الرئيس ليتخذ قراره براين هوك: إذا توصلنا إلى اتفاق مع الأوروبيين، فسيتم رفعه إلى الرئيس ليتخذ قراره وفي الإليزيه، يسود الأمل في أن تساعد زيارة الرئيس الفرنسي إلى نظيره الأميركي من الاثنين إلى الأربعاء “على التحرك في الاتجاه الصحيح” حول هذه القضية التي تشكل أولوية قصوى مع اقتراب انتهاء مهلة الإنذار الذي وجّهه ترامب في يناير إلى الموقّعين الأوروبيين على الاتفاق النووي مع طهران. وإذا لم تجد الدول الثلاث قبل هذا الموعد طريقة لفرض مزيد من القيود على الاتفاقية الموقّعة عام 2015 مع إيران لمنعها من الحصول على القنبلة الذرية، فإن ترامب الذي يندّد بوجود عيوب في النص يهدّد بإعادة العمل بالعقوبات ضد طهران والانسحاب من الاتفاق. ويؤكد الأوروبيون، الذين فوجئوا أول الأمر بالإنذار، أنهم عازمون على إنقاذ اتفاق تم التوصل إليه بصعوبة، كما يعتبرون أنهم قاموا بتأدية مهمتهم من خلال اقتراح حلول. وقالت مصادر دبلوماسية غربية إن العقدة الحقيقية في القضية هي عدم معرفة ماذا سيرضي دونالد ترامب الذي لن يتخذ قراره إلا في اللحظة الأخيرة، فيما يقول عدد من الدبلوماسيين الغربيين “إنه يكره الاتفاق”. ويعترف البعض من المفاوضين الأوروبيين أن نظيرهم الأميركي الدبلوماسي براين هوك لا يعرف بالتحديد ما إذا كانت نتيجة المفاوضات ستنقذ الاتفاق في نهاية المطاف، حيث قال مؤخرا “إذا توصلنا إلى اتفاق مع الأوروبيين، فسيتم رفعه إلى الرئيس الذي سيتخذ قراره”. وتزايد الإحساس بالتشاؤم لدى الجانب الأوروبي مع التعيينات الأخيرة للرئيس الأميركي الذي اختار اثنين من “الصقور” مايك بومبيو كوزير للخارجية وجون بولتون مستشارا للأمن القومي. وأظهر بومبيو خلال جلسة تثبيته في منصبه أمام مجلس الشيوخ غموضا رافضا الكشف عمّا إذا كان سيدعو إلى انسحاب واشنطن من الاتفاق في حالة فشل المفاوضات مع الأوروبيين، قائلا “حتى بعد 12مايو، سيتعيّن بذل الكثير من الجهود الدبلوماسية”. وتحض البعض من جماعات الضغط المحافظة في واشنطن الرئيس على إعلان عودة العقوبات المرتبطة بالملف النووي بحلول هذا الموعد النهائي، مع تحديد موعد جديد من أجل بدء سريانها، ما يسمح بكسب الوقت مع إظهار العزم.
مشاركة :