لم تكن ساعات الصباح الأولى اليوم (الأحد) في حي الملاوي بمكة المكرمة على غرار مثيلتها من الساعات، إذ استيقظ سكان الحي على جريمة «بشعة» راحت ضحيتها ثلاث شقيقات، أكبرهن في السادسة، فيما أصغرهن لم تتجاوز الثالثة، أما الوسطى فخمس سنوات. وما أصاب سكان الحي، الذي يعد من أقدم أحياء المدينة المقدسة، ويبعد عن الحرم المكي مسافة كيلومترين، بالذهول هو هوية القاتل: والد الشقيقات الثلاث، الذي تجرد من أبسط المشاعر الإنسانية اتجاهن، فنحرهن واحدة تلو الأخرى بواسطة سكين، وسط صرخات استغاثة اطلقتها أمهن، والتي لم تتمكن من إنقاذ فلذات كبدها. وبحسب المعلومات الأولية؛ ألقت شرطة العاصمة المقدسة (لم تصدر بياناً بعد عن الحادث) القبض على الجاني، والذي يعاني من «اعتلال نفسي» ومازالت الأجهزة الأمنية المعنية تحقق في الحادث. بدوره، قال المستشار القانوني منصور الخنيزان لـ«الحياة»: «نحن بصدد قضية جنائية، وهي قضية قتل عمد، أو قتل غيلة، والقتل العمد حكمه وعقويته القصاص، ولكن تنفيذه يحتاج موافقة من جميع ذوي الدم أي ورثة القتيل، ولكن نحن بصدد جريمة قتل غيلة، والقاتل هو الأب، والضحية هن بناته، والمفروض أن يكونوا في يد أمينة، وما حدث يُعد خيانة لهذه الأمانة». ونو المحامي الخنيزان إلى وجود اختلاف في آراء أهل العلم في قتل الأب بأبنائه، مضيفاً أن «الصحيح من أقول أهل العلم أنه إذا تعمد قتل ابنه فيقتل قصاصاً، وهذا التقدير مخول في المحاكم المتخصصة والموكل إليها البت في هذه القصايا بعد انتهاء تحقيقات النيابة العامة وتحويل القضية إلى الشرع». ولفت إلى أن الجريمة «صادمة»، مؤكداً انها تعد من «قضايا القتل العمد، والتي توجب القصاص عقوبة لمرتكبها». وأشار إلى أن موضوع «الاعتلال النفسي» يقدر من خلال عرض الأب (مرتكب الجريمة) على المتخصصين. وقال: «إذا أوضحت الفحوصات أن القاتل المعتل نفسياً وصل إلى مرحلة الجنون، فهنا يسقط عنه حكم القصاص، ولكن إذا تبين ان الاعتلال النفسي لم يصل إلى ذلك أو أنه نفذ جريمته تحت تأثير تعاطي المخدرات أو المسكرات؛ فهنا يطبق عليه حكم القصاص». وأشار الخنيزان إلى أن جريمة قتل الأبناء «ليست ظاهرة مجتمعية» في السعودية، وهي حالات «بسيطة تحدث لسبب أو آخر، منها النفسي، أو المجتمعي، أو لوجود دوافع أخرى، ولكن لا يمكن القول إنها ظاهرة»، موضحاً أن السعودية سنت أنظمة عدة تحمي الأسرة والأبناء، «إذ بدأ العمل بنظام حماية الأسرة والطفل، الذي بموجبه تحصل الأسرة والطفل على الحقوق كاملة». وأضاف المحامي منصور الخنيزان: «يوجد في السعودية جهاز متخصص بمسمى جهاز الحماية، لديه خطوط ساخنة لتلقي الشكاوى والبلاغات حول قضايا العنف الأسرى، ويعمل على حل الإشكالات ومساعدة الضحايا»، لافتاً إلى أهمية درس الظواهر الاجتماعية المتعلقة في العنف الأسري ورصدها وتحديد مسبباتها من المتخصصين، بهدف وضع الحلول النهائية لتخلص المجتمع من هذه الحالات.
مشاركة :