في كل مكان يلتقي فيه أهل الكويت.. بالديوانيات.. في المنتديات.. في اللقاءات العائلية.. في العمل خارج الكويت وبالسفر، وفِي كل مكان آخر تجد أن حديثهم وتساؤلهم يدور حول شأن واحد وبصورة ملحة ألا وهو «إلى أين يتجه البلد؟ هل يعقل ما هي عليه حال البلد! وهو الذي يملك كل الإمكانات ليكون أفضل البلدان؟! أليست الحكومة على دراية بحال البلد المتردية! أليس مجلس الأمة وأعضاؤه محيطين بذلك؟! أوَليس حال البلد غير خافية على هؤلاء جميعاً؟! إذاً لماذا لا يحدثون التغيير لمصلحة البلد وأهله الطيبين؟! حديث وحوار مملوءان بالألم والحسرة وعدم الرضا بل والسخط عما آلت إليه الأحوال.. فالبلد لم يعد يعاني من التأخر وتوقف عجلة التطور وتفشي الفساد فحسب، بل إنه غارق بالفساد بصورة مخيفة! والتساؤلات الملحة متى يخرج البلد من حال التردي؟ وما الأمر أو العمل أو الحدث الذي يمكن أن يغير أحواله؟! هو الحوار الذي بين الكويتيين وأحاديثهم المباشرة، بل وحتى همسهم، وهو ما تجاذبت بشأنه الحديث مع ثلة خيرة من أبناء الكويت خارج الكويت هذه الأيام، وهو حديث ارتكز أيضاً على أنه حتى يتم إصلاح البلد، فالمطلوب ثلاثة عناصر جوهرية هي: إرادة وإدارة حكومية رشيدة، وحب وتفانٍ صادقان من أجل الوطن. فهناك دراية وإدراك من قبل الكويتيين بأن إصلاح أمر بلدهم وإخراجه من دوامة الفساد وحالة التعثر المستمر الذي أصاب كل مناحي الحياة فيه السياسية والتعليمية والصحية والاقتصادية والرياضية أمر متيسر وكل إمكاناته متوافرة إلا أنه يفتقد الإرادة المساندة التي تكبح جماح أي مسلك يحيد عن مسار الإصلاح، بإدارة حكومة رشيدة يكون عزمها واضحاً وتملك رؤية إصلاحية حقيقية ولا تلهث وراء إنجازات وهمية أو تطمح لمشاريع محدودة وغير مجدية للمستقبل، ولا تأسر نفسها لمشروع يفوق قدراتها وهي التي فشلت واحدة تلو الأخرى عن تحسين وتطوير الأوضاع القائمة في البلد، حتى تمني نفسها وتسوّق بين الناس رؤية غير واقعية باسم الكويت 2035 وهي لم تستعد (أي الحكومة) ثقة الناس بها ولم تتحقق لها المصداقية في الإصلاح ومحاربة الفساد، ولم يَر البلد منذ مدة إدارة حكومية رشيدة بقدر ما كان يشهد حكومةَ ردةِ الفعل وسياسة الترضيات، بل والمسكنات التي أفقدت الحكومة سياسات ثابتة وخطوات متكاملة. للإصلاح، فلحق الحكومة هزالُ التشكيل وترددُ القرار عند بعض الوزراء وزاد الفساد وبددت مداخيل البلد في مشاريع حقيقتها هباء لا وجود لها. وفِي معية تلك النوعية من الإدارة الحكومية صار البعض في مجلس الأمة هو الآخر مصدرا للفساد، وتوالت على عضويته بعض النوعيات من الأعضاء التي لا تراقب في مصلحة البلد بقدر ما تحوّل كرسي النيابة وسيلة للتكسب والابتزاز من قبل البعض، ومن ثم وهن مجلس الأمة حتى غدا بعد تعديلات نظام دوائره غير قوي الإرادة وفيه من يتاجر بالمقعد. والعنصر الثالث لإصلاح البلد أن يكون لدى الإدارة الحكومية والنواب والشعب حب حقيقي لوطنهم، وأن يتفانوا من أجله ولا يكون بالنسبة للبعض منهم مشروعاً تجارياً أو مؤقتاً، ولا أن تكون المواطنة هي ارتباط منفعة بل ارتباط ولاء وانتماء. وهو ما كان يتصف به الرعيل الأول، بتحقق تلك العناصر، وهي ليست صعبة بل متيسرة وسهلة المنال يمكن أن يخرج البلد من دوامة التردي. وصدق المولى عز وجل حيث يقول: «إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ» (الرعد – 11). أ. د. محمد عبدالمحسن المقاطع dralmoqatei@almoqatei.netal_moqatei@
مشاركة :