محمد رُضا عمره الآن 69 سنة ووراءه مثل هذا الرقم من الأعمال السينمائية والمسرحية، بريطاني المولد والنشأة ومثل سواه من الممثلين البريطانيين خرج وراء الحدود وعرف كيف يحقق نجاحات متوالية في أدوار مختلفة ومتشعبة، بل كيف يحافظ على مكانته من دون تفريط في قيمة موهبته ومستواها. عادة لا يحدث هذا التفريط بين أبناء جيله، لم يحدث مع مايكل كاين ولا مع فانيسا ردجراف أو سواهما. ولا مع ممثلين يدركون كيف يعمدون للعمل في أفلام هوليوود من دون خسارة تقدير جمهورهم الأصلي (في البال كولين فيرث). بالنسبة لجيريمي آيرونز فإن صوته الجهوري وأداءه الصلب ميّزا أي دور قام به طوال ما يربو عن ثلاثين سنة.آيرونز من الذين لعبوا شكسبير على المسرح، كما لعبوا شخصيات حديثة كتلك التي يكتبها هارولد بنتر، نال جائزة مسرحية «توني» الأمريكية عن دوره في «الشيء الصحيح» التي أخرجها مايك نيكولز عن كتابة لتوم ستوبارد وشاركته بطولتها جلن كلوز التي لعبت أمامه في «منزل الأرواح».سينمائياً مثل بصوته في «الملك الأسد» (1994) مانحاً الفيلم تلك القوّة المقنعة في دور والد الشخصية الأساسية، وظهر في شخصية الأب أراميس في رواية ألكسندر دوما «الرجل في القناع الحديدي» (1998) وورد «داي هارد مع انتقام» (1995) في منتصف الفترة التي كان يختار فيها أدواراً أكثر جدّية، بعده قدّم شخصية الكاتب ف. سكوت فتيزجرالد في فيلم تلفزيوني أمريكي عنوانه «النداء الأخير» (2002) وبعده مباشرة تعامل مع المخرج الإيطالي الفذ (والمنسي عادة) فرانكو زيفيرللي عندما اختار ذاك شخصية مغنية الأوبرا ماريا كالاس (لاعباً دور صديقها) في فيلم «كالاس للأبد»، في العام 2004 شارك آل باتشينو بطولة «تاجر البندقية» ثم انتقل إلى إدارة المخرج المجري استفان شابو في «أن تكوني جوليا» في الفترة ذاتها التي لعب فيها دوراً رئيسياً في «مملكة الجنة» لريدلي سكوت، والدور التاريخي كان من نصيبه مرّة أخرى حين لعب في مسلسل تلفزيوني بعنوان «إليزابيث الأولى» قبل عودته إلى المسرحين البريطاني والأمريكي في بضعة أعمال أهمها Never So Good أمام جوان ألن، وهو لا يتوقف عن العمل وبات وجهاً أكثر شهرة بين الجمهور العاشق لأفلام الترفيه مما كان عليه سابقاً، هذا منذ بضع سنوات لكنه بات حقيقة مع دوريه في «باتمان ضد سوبرمان» و«المنتقمون»، حالياً يمثل في الجزء المقبل من «باتمان». خبرة مسرحيةأنجزت منذ أن التقينا في برلين سنة 2013 قرابة عشرة أفلام بعشر شخصيات مختلفة. مثلت على سبيل المثال في «أفضل ما لديهم» وهو كوميدي وظهرت في «باتمان ضد سوبرمان» وهو أكشن وقبل ذلك «سباق» وهو بيوجرافي. هل هناك ما هو مفضل لديك من بينها؟ - سؤال غريب لأن التفضيل موجود في كل الأحوال، بعض ما مثلته كان مهماً بسبب موضوعه أو بسبب الدور الذي سأقوم به أو لأن الأجر مرتفع والحياة باتت مكلفة (يضحك)، جدياً أقول إنني ما زلت عاشقاً للتمثيل ولا أهتم إذا ما كان الدور كوميدياً أو جاداً أو إذا كان الفيلم دراما أو أكشن، أحب أن ألعب شخصيات كثيرة لأنها بالنسبة لي آفاق مختلفة.في فيلمك الأخير «رد سبارو» أنت جنرال روسي، هل تأتي اللهجة طبيعية لديك أو عليك أن تدرسها؟ - على الممثل أن يكون مستعداً لما يتطلبه أي دور، لو فرضنا أنني سألعب دور عربي في أوروبا فإن عليّ أن أعرف اللكنة التي يتحدث بها وأقلدها وهذا بالطبع يتطلب دراسة قد أقوم بها بنفسي أو يقوم بها الملقّن، عادة هي مسؤوليته، بالنسبة للجنرال كروشنوي فإن المسألة لم تتعد التمارين، أقرأ العبارة ذاتها مرّات كثيرة قبل التحضير لأن إجادة الدور مسؤوليتي. لاحظت أن العديد من الممثلين يعتنون باللهجة لكنهم يفتقدون إجادة تفاصيل الشخصية الأخرى، يصبحون غير مقنعين، هذا لا ألاحظه عليك.- قد تقع هذه المشكلة، كل منا معرض لها لكنها ملاحظة صحيحة خصوصاً عندما يكون الممثل غير مؤهل بسبب عمره أو لم يكن لديه الوقت الكافي للتحضير، أعتقد ذلك لكني لست واثقاً. الكاميرا غير المسرحإلى أي حد تستند إلى خبرتك المسرحية حين تمثّل للسينما؟ - ليس هناك فرق فعلي، طبعاً تتكلم عن فنين مختلفين في أوجه كثيرة، المسرح والسينما، لكن حينما تقوم بلعب دورك في أي منهما فإن الصادر منك هو نفسه لا يتغيّر فيه سوى النص واختلاف العمل وشروطه، الكاميرا غير خشبة المسرح طبعاً، وهكذا، لكن التمثيل واحد. لكن هناك من يعتبر أن الخبرة المسرحية للممثل السينمائي أساسية إذ تجعل منه ممثلاً أفضل على الشاشة؟ - ليس شرطاً. طبعاً الخبرة المسرحية هي بالنسبة للممثل السينمائي إضافة إيجابية، لكنها ليست شرطاً للتمثيل الجيد وإلا لما كان هناك ممثلون سينمائيون جيّدون لم يقفوا على خشبة المسرح مطلقاً أو لم يقفوا على خشبة المسرح إلا من بعد قيامهم بالتمثيل أمام الكاميرا.هل تختلف المهنة كممثل بعد الخمسين عنها قبل الخمسين؟ - لقد ذكرت شيئاً من هذا القبيل ذات مرة، قلت إنني لم أعد أرغب في أن أصبح مشهوراً أكثر مما أنا عليه اليوم، أعتقد أنني قلت هذا عندما بلغت الخمسين، هذا عجيب لأنك تفترض وقد وصلت إلى ذلك السن بأنه لن يصادفك عمل بالغ الإثارة بعد ذلك السن، فتقول شيئاً مما قلته، أو هكذا أعتقد، في تلك الحالة يصبح ظهورك نوعاً من الروتين تقوم به لأنك ممثل ولا تتوقّع من مهنتك سوى الاستمرار على هذا الوضع، لكن فجأة تجد نفسك أمام عمل يبدد ذلك الافتراض، لقد قلت ذلك وكنت على خطأ. التاريخ يعيد نفسهنراك الآن في أفلام مسلسلة ناجحة بعدما كنا ننظر إليك على أساس كونك متخصصاً في الأدوار الجادة أغلب الوقت. - هذا ليس صحيحاً على نحو مطلق، لا يهم إذا كان الفيلم الذي أمثله، هو جزء أو ثان عندي، هذا لأنه في الأساس فيلم مصنوع لتلبية رغبة الجمهور، ثانياً كل ممثل يريد أن يتعرف إليه الجمهور الشاسع في أحد أفلامه، لو اقتصر الأمر على تمثيل الأفلام غير الجماهيرية فإن ذلك مريح فقط من حيث أنني سأستطيع السير في أي مدينة دون أن يتعرف عليّ أحد.ما هو الدور الذي مثلته واشتهرت به؟ - أحب أن أقول إنها كثيرة، الآن أنا في سلسلة ناجحة «المنتقمون» وهناك من يتعرف عليّ من جديد، لكن أذكر أنني ذهبت إلى الهند بعد دوري في «داي هارد 2» فإذا بهم ينادونني بـ «داي هارد»، نسوا على الأرجح اسم الشخصية فاستبدلوه باسم الفيلم (يضحك)، لكن هناك شيء أود أن أقوله في هذا الموضوع، بالنسبة لي الشاشة الصغيرة هي التي تحقق قدراً من الشهرة بالنسبة لبعض الممثلين الراغبين في النوعية أكثر من التعددية، هذا ما وجدته مثلاً حين بدأت تمثيل دوري في «بورجيا».لم أشاهد كل الحلقات لكن الحلقة التي شاهدتها من مسلسل «بورجيا» كانت تحتوي على الكثير من الدسائس والصراعات ودور السياسة في ذلك، هل كان المقصود مقارنة ذلك بأحداث اليوم؟ - التاريخ يعيد نفسه، أحداث اليوم تشابه أحداث الأمس وهذا التشابه ليس خاصاً بالوقائع التاريخية الحقيقية فقط بل بتلك التي تم تأليفها، كل ما فيها يتطابق مع ما يحدث اليوم، أليس هذا غريباً؟ الدسائس والرشاوى وصراع النفوذ دائم الوجود، أساس شخصيّة رودريجو بورجيا هي شخصية مشينة في عرف اليوم، من ناحية علينا أن نذكر أن الحياة في القرن السادس عشر كانت مختلفة جدّاً عنها في هذه الأيام في بعض النواحي لكنها شبيهة بالأوضاع السياسية المعقّدة السائدة حول العالم هذه الأيام، هذا صحيح في تلك الأنحاء التي نسمّيها إيطاليا اليوم كانت هناك عدّة ولايات ووضع متفجّر، إيطاليا كانت أقرب إلى أفغانستان حينها كان هناك صراع إيطالي - فرنسي على الفاتيكان الذي كان مشاداً في منطقة أفينيون الفرنسية. المادة كُتبت بعد سنوات عدّة على رحيل عائلة بورجيا ورحيل البابا الكسندر الخامس وحقيقة أن العائلة كانت تعيش في كتمان وبعيداً عن الانخراط الاجتماعي أبقاها معزولة عن التداول وتداخل الأساطير، لذلك بالنسبة لي هناك حريّة تجسيد للدور تختلف عما لو كانت الشخصية معروفة. الممثل راوياًإلى حد تبدو عائلة بورجيا كما لو كانت تعيش في إطار حديث، شيء مثل عائلات مسلسل «دالاس» مثلاً. - هذا مثير للاهتمام لكني لا أعتقد أنه صحيح، بالنسبة إليّ أحب أن أختلف كثيراً عن شخصياتي جميعاً، ليس منها ما هو أنا، أحب أن أكون طبيعياً وأعتقد أنه من المهم جدّاً للممثل أن يكون طبيعياً وأن ينفصل عن العالم الذي يكوّن مهنته وينخرط في الواقع، أن يبقي قدمه على الأرض، إنه من السهل أن يجذبك التمثيل لابتكار شخصية مختلفة عما كنت عليه فتمنح نفسك أهمية أكثر مما تستحق. ما هو تعريفك للممثل؟ - نحن رواة قصص (Storytellers) ونحن صعالكة ومتشرّدون بعيداً عن عملنا. على أي حال. أركب جوادي وألتحم مع من ألتقي بهم وأعايشهم. أختفي فيما أحب أن أقوم به، أغني وأعزف جيتاري وأسعد كثيراً حين أخرج من بؤرة الرؤية وأغيب عن الكاميرا، إذاً بالنسبة لي، شخصية الكسندر هي كابوس رازح إذا ما انطلت عليّ بعد مغادرتي الدور، لا يمكن معايشة الشخصية التي تمثّلها إلا حين العمل، لا شيء أسوأ من أن تبقى معك بعد ذلك أي قبل ثماني سنوات، وكما ذكرت أنت، قلت أنني لا أريد أن أكون أكثر شهرة لأنني أريد أن أحافظ على ما أنا عليه، تنظر إلى بعض الممثلين الجدد وتشعر بأن الحياة باتت جريمة، لا يستطيعون الخروج من منازلهم أو الانخراط في حياة اجتماعية عادية، ذلك أمر بائس.أحد أبرز أدوارك الأخيرة في رأيي كان دورك في «قطار ليلي إلى لشبونة»، كيف تشعر حياله؟ - كنت عملت مع المخرج بيلي أوجست في فيلم سابق هو «منزل الأرواح» الذي كان اقتباساً لكتاب إيزابل اللندي وكان فيلماً لم يحقق النجاح الذي أعتقد أنه يستحقه، من الغريب أنني شاهدت الفيلم مرّة ثانية قبل نحو سنة ونصف بينما كنت أنظم مكتبتي من الفيديو لكي أنقلها على أسطوانات، إنه فيلم رائع، فوق العادة، يذكّرك كم تراجعت صناعة السينما منذ ذلك الحين«تم إنتاج الفيلم قبل عشرين سنة».ما رأيك بابنك ماكس وهو في مطلع حياته المهنية كما كان حالك سابقاً؟ - ماكس يذهلني، أذكر عندما شاهدته لأول مرّة وهو يمثل في مسرحية مدرسية قام بها طلاب وطالبات بين سن الثامنة وسن الثالثة عشر لجمع تبرّعات إثر وفاة طالب آخر، فجأة يدخل هذا الولد بظهره للجمهور حاملاً جيتاراً ويمر أمامنا وأتساءل «ومن يكون هذا؟» ثم يستدير فإذا به ماكس (يضحك) كان شخصية غارقة في شخصية أخرى على عكس ما يتوقّعه المرء منه في سنّه، كان كيث رتشاردس (عازف الجيتار في فريق «ذا رولينج ستونز») أو ما شابه، وهو إلى اليوم يستطيع أن يُضيّع نفسه داخل الشخصيات الأخرى التي يؤديها، أقلق عليه لأنه الآن بات شابّاً مطلوباً ولا أعرف كيف ينظر إلى الفرص المتوالية أمامه وكيف سيتصرّف حيالها، لقد ظهر حتى الآن في مسرحيّتين وثلاثة مسلسلات تلفزيونية وفي ثلاثة أفلام وفي سبيل تمثيل فيلم رابع، أقلق حين أفكّر أن العمل الفني اليوم أصعب من ذي قبل، إنه ممثل جيّد وفخور جدّاً كذلك زوجتي. لا أدري من ألوم على توجهه صوب التمثيل أنا أم هي، أعتقد هي (يضحك).
مشاركة :