حصدت رواية «حرب الكلب الثانية» (الدار العربية للعلوم – ناشرون) للكاتب الفلسطيني الأردني إبراهيم نصرالله جائزة البوكر العربية، وحسمت الجدل الذي انطلق حولها منذ إعلان اللائحة الطويلة التي ضمت 16 رواية من أصل 124 كانت رشّحت إليها، واستمر مع اللائحة القصيرة التي حوَت ست روايات اختيرت منها الفائزة. تتناول الرواية الفائزة تحوّلات المجتمع والواقع بأسلوب فانتازي، يفيد من الغرائبية ومن الخيال العلمي في فضح الواقع وتشوهات المجتمع في التركيز على فساد الشخصية الرئيسة وتحولاتها بين موقعين مختلفين، من معارض إلى متطرف فاسد. تكشف الرواية نزعة التوحّش التي تسود المجتمعات والنماذج البشرية واستشراء النزعة المادية بعيداً عن القيم الخلقية والإنسانية، فيغدو كل شيء مباحاً حتى المتاجرة بمصير الناس وأرواحهم. وكان الجدل تناول أولاً تغييب أسماء مهمة تقدمت إلى الجائزة، وأخرى مكرّسة لم ترد في اللائحة الطويلة، وبعضها يحتل مواقع راقية في الحركة الروائية العربية الراهنة. وبدا لافتاً إصرار لجنة التحكيم على اختيار أسماء شابة وجديدة، وبعضها غير معروف، مثل السعودي عزيز محمد، والعراقية شهد الراوي اللذين لم ينشرا سابقاً، عطفاً على اسمين آخرين هما في عملهما الثاني. وشمل الجدل أيضاً لجنة التحكيم المؤلفة من الأردني إبراهيم السعافين، والجزائرية إنعام بيوض، والمستشرقة السلوفينية بربارا سكوبيتس، والفلسطيني محمود شقير، والسوداني- البريطاني جمال محجوب، وأخذ بعضهم عليها أنها غير متخصصة بالنقد الروائي، عطفاً على وجود اسمين غير ملمين بالإبداع الروائي العربي، هما المستشرقة السولفينية المتخصصة بالأدب العربي القديم، والروائي السوداني الذي يكتب بالإنكليزية ولا يجيد العربية تماماً. وأشيع أن أحد الروائيين في اللجنة سعى إلى فرض خياراته انتقاماً لعدم فوزه بالجائزة عندما وصل اسمه سابقاً إلى اللائحة القصيرة. لكنّ الإشاعات تظل إشاعات، والاختيار يظل وقفاً على ذائقة لجنة التحكيم نفسها التي تملك حريتها التامة. وقد يُسجَل لهذه اللجنة ميلها إلى الشباب ولو على حساب بعض الأسماء المهمة، مثل الجزائري أمين الزاوي، واللبناني جبور الدويهي وسواهما. إلا أن الروايات التي بلغت اللائحة القصيرة تمثل فعلاً صورة بانورامية عن الواقع المأزوم الذي يشهده العالم العربي. رواية «ساعة بغداد» للكاتبة العراقية شهد الراوي تبحث في ذاكرة المكان والهوية، وتصوغ المصير الإنساني في علاقة المحلة البغدادية بالزمان مع تقلبات الشخصية الرئيسية. تدور أحداث الرواية في حي من مدينة بغداد، وتسرد على لسان طفلة، تلتقي صديقتها عام 1991، في ملجأ محصن ضد الغارات أثناء الحملة الجوية لدول التحالف. رواية «زهور تأكلها النار» (دار الساقي) للكاتب السوداني أمير تاج السر تصور ثراء المشهد الإنساني في السودان بطقوسه المتعددة، ثم وقوع البناء الاجتماعي والاقتصادي تحت سيطرة الجهل والأحادية. تظهر فجأة على الجدران كتابات لجماعة «الذكرى والتاريخ» التي أعلنت الثورة على الكفار، مستبيحة المدينة قتلاً وذبحاً وسبياً. اقتيدت النساء إلى مصيرهن كأدوات متعة للثوار الأصوليين، بل كزهور ملونة تأكلها النيران. أما رواية «وارث الشواهد» (الدار الأهلية) للكاتب الفلسطيني وليد الشرفا، فتغوص في أعماق معاناة الذات الإنسانية للفلسطينيين الواقعين تحت الاحتلال وسلخ الهوية. من زنزانته في سجن على جبل الكرمل، يعود الفلسطيني «الوحيد» إلى الوراء، حين كان طفلاً أثناء حرب حزيران 1967، يتذكر أن جده وأباه هاجرا قسراً من قريتهما «عين حوض» التي حولها الإسرائيليون إلى قرية اسمها «عين هود». رواية «الحالة الحرجة للمدعو ك» (دار التنوير) للكاتب السعودي عزيز محمد، تصف في سرد ذكي يُعنى بالتفاصيل الدقيقة صراع مريض بالسرطان ورؤيته للوجود من ذلك المنطلق. أما رواية «الخائفون» (دار الآداب) للكاتبة السورية ديمة ونوس، فتصور ثنائية المواطن والسلطة، وتفضح العلاقة الشاذة بينهما، مركزة على ثيمة الخوف اللصيقة بحياة الفرد والمجتمع. وكتبت ونوس في «الخائفون» روايتين، واحدة داخل الأخرى، إحداهما حقيقية بوصفها سيـــرة ذاتية مضمرة أو غير معلنة، والثــانية هي رواية الواقع الأليم والمـرير، واقع السوريين المصابين بمرض أضحى مزمناً هو «الخوف».
مشاركة :