مقديشو – اقتحم جنود من الجيش الصومالي مركز تدريب كانت تديره الإمارات، في العاصمة مقديشو، في خطوة نسفت كل الجهود الرامية إلى بناء صومال مستقر، وتغيير الصورة النمطية عن هذا البلد الأفريقي الهشّ، الذي يرتبط ذكره أساسا بعمليات القرصنة في الساحل الأفريقي وخطف الرهائن الأجانب لطلب الفدية وحركة شباب الصومال الإرهابية. وبايعت هذه الحركة تنظيم الدولة الإسلامية، لكن مازال فيه شق يوالي تنظيم القاعدة، ما يعني انشقاقا في صفوف هذا التنظيم والمزيد من الإرهاب في الصومال والمنطقة. وكان الهدف الرئيسي من اتفاقية التعاون العسكري الموقّعة بين الحكومة الصومالية ودولة الإمارات العربية المتحدة، عام 2015، مساهمة الإمارات في تدريب القوات الصومالية لمواجهة هذه التحديات، خصوصا ما يتعلق بالإرهاب، بعد نجاح جهود إماراتية سابقة في مجال محاربة القرصنة البحرية انطلاقا من سواحل الصومال. لكن، استقرار الصومال، لا يناسب أجندات دول مثل قطر وتركيا وإيران. واستقطبت هذه الأطراف الرئيس الصومالي محمد عبدالله فرماجو، الذي بيّن من خلال التصعيد الأخير أنه يقدّم مصالحه على السلام في البلاد. وغذّت هذه الأطراف غضب فرماجو، والحكومة في جنوب الصومال، التي رغم الدعم الدولي والإقليمي مازال يراوح مكانه من الفقر والفساد وضعف التنمية، من جمهورية أرض الصومال، وبقية أقاليم البلاد، التي نأت بنفسها عن فساد الحكومة في مقديشو، وسعت إلى تطوير سياساتها وتنميتها الداخلية من خلال التواصل مع جهات خارجية، منها الإمارات. وضع الرئيس الصومالي محمد عبدالله فرماجو نفسه في مأزق كبير من خلال التصعيد الأخير مع دولة الإمارات العربية المتحدة، الذي أفضى إلى قرار أبوظبي إنهاء مشاركتها العسكرية والمالية في مهمة إعادة بناء القوات الصومالية. يعيد هذا الموقف الصومال الذي يعيش أوضاعا سياسية واقتصادية وأمنية بالغة الهشاشة إلى دائرة الفوضى، وسط قلق صومالي ودولي متصاعد من أن يساهم غياب الدور الإماراتي في حدوث انتكاسة كبرى تنسف جهود إخراج الصومال من واقع الصراع والاحتراب الداخلي الذي تردّى فيه منذ مطلع تسعينات القرن الماضي. ويؤكد الباحث الصومالي، عبدالنور معلم محمد، أن دولة الإمارات العربية المتحدة تلعب دورا محوريا في مساعدة الحكومة الصومالية في إعادة بناء تشكيل الجيش الذي انهار بعد سقوط الحكومة العسكرية برئاسة اللواء محمد سياد برّي عام 1991. ويرى معلم محمد أن التطوّرات الأخيرة ستؤثر سلبا على عملية إعادة بناء تشكيل الجيش الذي يخوض حربا مع حركة الشباب الإسلامية، مشيرا، في تصريحاته لـ”العرب”، إلى أن الإمارات قدّمت تسهيلات كبيرة لأكثر من 2000 جندي صومالي وكانوا يتلقون مرتبات بانتظام من قبلها ضمن اتفاقية التعاون العسكري بين الدولتين. ويحذّر من أنّ الإمارات أكبر شريك تجاري للصومال، وتدهور العلاقات يمكن أن يؤثر على الجوانب التجارية والاقتصادية، وهذا يفتح الباب أمام نشاط القرصنة والتجارة غير المشروعة ويعيد المنطقة إلى مربع خطف الرهائن. قال جنود وسكان إن جنودا من الجيش الصومالي تبادلوا إطلاق النار في العاصمة مقديشو الاثنين مع محاولة مجموعة منهم اقتحام مركز تدريب كانت تديره الإمارات قبل أن تنهي برنامج تدريب هناك. ويعدّ الاشتباك المسلح الذي وقع الاثنين، بين أفراد من الجيش الصومالي وبين متدربين صوماليين في المركز الإماراتي، مؤشرا على صعوبة إعادة تشكيل قوات أمن متحدة في البلد الذي انهارت سلطته المركزية في عام 1991، وفي وقت تواجه فيه الحكومة المدعومة من المجتمع الدولي، التي جرى انتخابها العام الماضي، تحديات كبيرة. ودربت الإمارات المئات من الجنود الصوماليين منذ عام 2014 في إطار جهد تدعمه البعثة العسكرية للاتحاد الأفريقي لهزيمة إسلاميين متشددين، وتأمين البلاد من أجل الحكومة التي تحظى بدعم دول غربية وقطر وتركيا والأمم المتحدة. لكن، اضطرت الإمارات إلى إيقاف برنامجها التدريبي في الصومال هذا الشهر ردا على مصادرة قوات الأمن الصومالية الملايين من الدولارات واحتجازها طائرة إماراتية لفترة وجيزة، في تصعيد يضرّ بالصومال ويضعه أمام فوهة بركان الإرهاب، في وقت تتصاعد فيه التقارير التي تتحدث عن أنّ الجماعات الإرهابية المهاجرة من الشرق الأوسط شدّت رحالها نحو المنطقة الأفريقية. وقال أحمد نور، وهو أحد الجنود الذين تلقوا تدريبا في إطار البرنامج الذي لم يكتمل، لرويترز “هاجمتنا بعض قوات الجيش الصومالي في القاعدة وأرادوا نهبها لكننا صددنا هجومها”. وقال جندي آخر تلقى التدريب الإماراتي ويدعى عبدالرحمن عبدالله إن بعض الجنود الذين تلقوا التدريب فروا. وأضاف “قفز أكثر زملائي من فوق الجدار وفروا ومعهم أسلحتهم. ترك آخرون أسلحتهم وهربوا لذا اضطررت (للفرار) أيضا”. ويشير علي شيخ آدم يوسف، الباحث الصومالي في العلوم القانونية والسياسية، في تصريح لـ”العرب” إلى أنّ هشاشة الأمن الصومالي تمتد جذورها إلى انهيار المؤسسات الأمنية، منذ ثلاثة عقود بعد انهيار الدولة المركزية، إضافة إلى وجود تنظيمات مسلّحة مرتبطة بمؤثرات عالمية مثل حركة الشباب التي تعدّ أكبر مهدّد للأمن الصومالي يواجه الحكومة والمنطقة عموما. الصوماليون من سيدفع ثمن لعب الرئيس الصومالي وحكومته بأمن البلاد، في وقت يتصاعد فيه الغضب الشعبي من سياسته ويوضح أنّ الفشل الأمني في البلاد يعود إلى عدة عوامل أبرزها: ضعف التنسيق بين الأجهزة الأمنية المختلفة، وضعف كفاءات وقدرات عناصر الشرطة والجيش على التعامل مع حركة الشباب، علاوة على ما يعانيه الجندي الصومالي من تخبّط في الروح القتالية وتنوع الولاءات. ويرى علي شيخ آدم يوسف أن “مستقبل العلاقة الإماراتية الصومالية مرهون بمدى تسارع الأحداث في ظل وجود وساطة عربية”، في حين يؤكد خبراء آخرون أن قطر وتركيا تعملان على قطع أي طريق لإعادة هذه العلاقات. وكشفت وكالة “سبوتنيك” الروسية أن الحكومة القطرية منحت نظيرتها الصومالية شحنة مكوّنة من 30 حافلة نقل ورافعتين لنقل البضائع من السفن، وجاء ذلك في خضم الأزمة المفتعلة مع الإمارات. وتعدّ هذه المنحة القطرية الثانية خلال شهرين تقدّم للحكومة الفيدرالية. وتقدّم تركيا، التي تملك قاعدة عسكرية في الصومال، وقطر مساعدات مالية وتنموية إلى السلطات الفيدرالية التي تصب في النهاية في مصلحة مقديشو، مما أثار بعض الخلافات والنزاعات حول تقاسم المساعدات الخارجية الممنوحة للصومال بين الأقاليم. ويضع الرئيس الصومالي نفسه في مواجهة العديد من التحديات في مقدمتها الجماعات المتطرفة وأيضا تردي وتراجع الوضع الأمني، بالإضافة إلى سلطة العشائر التي تحدّ من السلطة التنفيذية إلى جانب الوضع الاقتصادي الهش. ويؤكد مراقبون أنّ الصوماليين هم من سيدفعون ثمن لعب الرئيس الصومالي وحكومته بأمن البلاد، في وقت يتصاعد فيه الغضب الشعبي من سياسته ومن عودة انتشار الفساد في البلاد، التي بعد أن تراجعت درجة على مؤشر منظمة الشفافية الدولية كأثر بلدان العالم فسادا، سنة 2016، عادت واحتلت مركزها القديم على رأس القائمة سنة 2017. توجّه رئيس بونتلاند (بلاد بنط) شبه المستقل عبدالولي محمد علي غاس، السبت الماضي إلى الإمارات بعد أسبوع من إلغاء الدولة الخليجية مهمتها التدريبية في الصومال، مؤكدا على أهمية الدور الإماراتي في المعركة ضد الإرهاب والقرصنة داخل المنطقة. وقال محمد علي غاس، في حديث صحافي، إن الإمارات بذلت مجهودا يستحق الثناء في ما يتعلق بإعادة بناء القوة العسكرية الوطنية للأمة التي كانت تعاني من المعارك الدامية منذ عدة سنوات. ويوضح خبراء صوماليون أن الرئيس فرماجو، استفاد من دعم الإمارات ودروها في ترسيخ الاستقرار في البلاد، خلال حملته الانتخابية التي قادته إلى الفوز في 2017. ويقول سامويل أوكيرور، مراسلة شبكة الأنباء الإنسانية، ايرين، إن فرماجو قد استفاد من كون أن البعض يرون أنه يمثل الزعيم المناسب لبناء جيش صومالي وطني قويّ، ويسرع خروج بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال، ويحقق الاستقرار والأمن، ويكبح التدخلات من جانب الدول المجاورة، ويصون كرامة الصومال وسيادته، لكن، الواقع يشير إلى أن الرئيس حاد عن هذا الطريق وسياسته تهدد بإعادة البلاد إلى مربع الفوضى والانقسام المحفوف بالمخاطر. وكان من المقرر أن تبدأ بعثة الاتحاد الأفريقي سحب قواتها في شهر أكتوبر 2018، على أن تستكمل انسحابها بالكامل بحلول ديسمبر عام 2020، حيث ستسلّم مواقعها للجيش الصومالي الوطني، الذي سيبلغ عدده على الأرجح 20 ألف جندي فقط. لكن، المؤشرات الراهنة تشير إلى عكس ذلك، وتصاعد التحذيرات من سحب القوات الأفريقية من الصومال. ونقلت صحيفة غارو أونلاين، ومقرها بوتلاند، عن مسؤولين في الإقليم، الواقع شمال البلاد، أنّ تذبذب العلاقات وانعدام الثقة هما نتيجة عدم وجود خطة إصلاح دستورية في الصومال لأن السلطات السابقة فشلت في إنهاء مهمة الدستور المؤقت، بالإضافة إلى أن الإدارة الحالية مشغولة ببعض القضايا السياسية. ونتج عن ذلك عدم وجود خطة توضيح شاملة لبرنامج تقسيم المساعدة الخارجية للصومال، وكذلك عدم توضيح القوى السياسية بين الدول الاتحادية والسلطات المركزية.
مشاركة :