القاهرة – على مدار عقود طويلة، ارتبط الكثير من الصحافيين بمهن أدبية وفنية جعلتهم يظهرون في صورة الإعلامي الفنان، واشتهر بعضهم في مجال الكتابة، لكن آخرين وصلوا إلى أبعد من ذلك ليكونوا جزءا من أعمال سينمائية ودرامية. وفُتح باب النقاش مجددا، عقب ظهور الإعلامي المصري معتز الدمرداش في فيلم “قسطى بيوجعني”، والذي يعرض حاليا بدور السينما المصرية، وظهرت المسألة بشكل أكبر بعد أن وضحت ملامح الدور الذي يؤديه الإعلامي إبراهيم عيسي في مسلسل “أرض النفاق”، ويشترك في بطولته مع الفنان الكوميدي محمد هنيدي. ويظهر عيسى في رداء الشخصية الشهيرة “صاحب محل الأخلاق” التي سبق أن جسدها الفنان الراحل عبدالرحيم الزرقاني في فيلم “أرض النفاق” المأخوذ عن رواية لإحسان عبدالقدوس تحمل العنوان نفسه. ومع أن هذه ليست المرة الأولى التي يشارك فيها إبراهيم عيسى في أحد الأعمال الفنية، إلاّ أن مشاركته في دور البطولة دفعت الكثيرين إلى التأكيد على أن شخصيته بما لديها من حضور تمثيلي ودرامي ساخر جعلته مؤهلا لشغل هذه المساحة الكبيرة من المسلسل الذي تدور أحداثه في إطار كوميدي اجتماعي. ويؤكد خبراء الإعلام أن استغلال الجوانب التمثيلية في أداء الصحافي وتوظيفها لخدمة الأعمال الفنية المختلفة، أحد العوامل الرئيسية التي تساعد على انغماس الممثلين في العمل الفني بسهولة، والأمر لا يكون مرتبطا فقط بالإعلامي الذي يستعين في بعض الأحيان بالأداء الدرامي للتفاعل مع الجماهير، بل إن بعض الكتاب يذهبون بكتاباتهم إلى تقمّص أدوار لا تعبّر عن حقيقة شخصياتهم. ولدى الجماهير قناعة عامة بأن الصحافيين يتقمّصون شخصيات مختلفة لمواكبة الظرف السياسي الذي تعيشه دولهم، أو مواجهة تطوّر طارئ في السياسة التحريرية لصحفهم نتيجة التضييق عليها أو نتيجة لتغير الظرف السياسي، ما يدفعهم إلى مواكبته. ويربط البعض بين توقّف برنامج “مع إبراهيم عيسى”، الذي قدّمه على فضائية “القاهرة والناس”، وانطوى على نبرة معارضة لم تتحمّلها الحكومة، وبين اهتمامه بالأعمال الدرامية، بعد أن كان مرشحا لبطولة فيلم “مولانا” المأخوذ عن روايته، ومشاركته في مسلسل “أرض النفاق”، واستعداده لبطولة فيلم “الضيف” المقرّر عرضه الصيف المقبل. الأمر ذاته ينطبق على الإعلامي عمرو الليثي الذي يشارك في مسلسل “ربع رومي”، في محاولة للظهور من جديد بعد أن اقتصر برنامجه “واحد من الناس” على إجراء لقاءات مسجلة لمناقشة قضـايا ترفيهية واجتماعية، على إثر أزمة شهيرة توقّف بسببها البـرنامج عقب إجراء حـوار مع سائق “توك توك” تحدّث فيه عن صعوبة الأوضاع المعيشية فـي مصر. وقال صفوت العالم، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، إن لجوء الصحافيين إلى الأعمال الفنية يسعى لكسب جمهور جديد قد لا تكون له علاقة بالقضايا السياسية أو المجتمعية التي يناقشها الإعلامي في برنامجه، وفي بعض الأحيان يكون هربا من تضييق ما على ظهوره، ويستهدف حضوره على الساحة كأحد الأدوات التي تساعده في تحقيق نجاحات على المستوى المهني. وأضاف لـ”العرب”، “يساعد على هذا الانتشار أن الفن من المهن التي ليست لها قواعد حاكمة، والقاعدة الأهم أن تكون من دائرة المعارف التي تضطلع بالعمل، وهذا يعتبر إحدى الأزمات التي تواجه الفن المصري، ويستغلها الصحافيون بعلاقاتهم في الوسط الفني، وبالتالي تجد الصحافيين المتخصّصين في المجال الفني أكثر حضورا في الساحة الفنية”. وظهر الإعلامي محمود سعد في عدد من الأعمال الفنية منها أفلام “أمير البحار” و”إسكندرية نيويورك” و”الرجل الثالث”. وظهر أيضا الشاعر والصحافي ورسام الكاريكاتير الراحل صلاح جاهين، كممثل في عدد من الأفلام منها “اللص والكلاب” و”المماليك” و”وداعا بونابرت” و”من غير ميعاد” و”لا وقت للحب”، ناهيك عن أدوار الشر التي أبدع فيها الفنان والصحافي سعيد عبدالغني، حين كان مشرفا على القسم الفني بجريدة “الأهرام”. كما أن الإعلامية إنجي علي التي قدّمت العديد من البرامج الفنية دخلت مجال التمثيل أيضا من خلال أفلام “عسكر في المعسكر” و”صايع بحر” و”الدادة دودي” و”أحلام الفتى الطائش”. وبحسب خبراء تأتي الاستعانة بالصحافيين من منطلق تحقيقهم نجومية وشعبية كبيرة من خلال برامجهم، بالتوازي مع تنامي ظاهرة الإعلامي النجم الذي يقوم بدور البطل الأوحد للبرنامج الذي يظهر من خلاله، ويبدو ذلك واضحا في برامج “التوك شو” اليومية. وتشارك الإعلامية هبة الأباصيري في بطولة مسلسل “للحب فرصة أخيرة”، ويعرض حاليا على قناة “أون إيه” المصرية، عقب تركها قناة “أم.بي.سي مصر” وكانت تقدّم برنامج “السم في العسل” وتوقّف لأسباب تتعلق بعدم تحقيق البرنامج عوائد إعلانية تغطي إنتاجه. وقرّرت الإعلامية إيمان عبدالعاطي التوجّه إلى التمثيل بعد أن قدّمت موسمين متتاليين من برنامج “نواب مصر”، وكان يناقش قرارات البرلمان المصري قبل أن يتوقّف مؤخرا، وتواصل حاليا عرضها المسرحي الأول “فرصة سعيدة”، كما تصوّر الجزء الثاني من مسلسل “الأب الروحي”. ويؤكّد الناقد الفني طارق الشناوي على أن دخول الإعلاميين مجال التمثيل يعبّر عن رغبة في تحقيق حضور شخصي أكثر من كونه رغبة في أداء دور درامي يجلب إليه مجدا فنيا.
مشاركة :