مع كتابة هذه السطور قد لا يكون من المبالغة القول إن النجم الأول للشباب العربي اليوم هو اللاعب محمد صلاح. هذا اللاعب تحول إلى «ظاهرة» لافتة ومهمة. يفند أسبابها نقاد الكرة وعلماء الاجتماع وخبراء الطب النفسي؛ فبالإضافة إلى كون اللاعب الفذ المميز يؤدي موسماً استثنائياً جعله يصنّف في خانة الأفضل عالمياً مع العمالقة ميسي ورونالدو ونيمار، وزادت بالتالي قيمته السوقية أضعافاً مضاعفة في بورصة اللاعبين، ويسيل عليه لعاب الأندية الكبرى، وتستعد لإغرائه بصفقة العمر للانتقال إليها.لكن الموضوع لا يتوقف أبداً عند تقييم أداء محمد صلاح الكروي؛ إذ إن النجاح الأهم يكمن في قدرة اللاعب بمفرده على كسر العوامل النفسية في العالم العربي من جهة، وفي بريطانيا من جهة أخرى. العالم العربي دوماً يتطلع شبابه إلى القدوات في الخارج، لكن لم يكن لديهم النموذج الجميل الناجح الذي من الممكن أن يفتخروا به. كان الشاب منهم مأسوراً ومتيماً بقصص نجاحات أبطال الأفلام، وأبطال الرياضة، وأبطال الموسيقى من العالم الغربي، بكل نماذجه. لكن اليوم لدى هؤلاء الشباب أيقونة أخلاقية وناجح ومميز جداً في مجاله، بل ولديه من الثناء والإطراء الشيء الكثير، حتى في الغرب، وتحديداً في بريطانيا صاحبة ظاهرة مشاغبي الملاعب المعروفة بالهولوغنز، والملاعب المليئة بالهتافات العنصرية البغيضة والعنصرية القميئة وحالات الإسلاموفوبيا المعادية للدين الإسلامي... ورغم كل هذا الجو المشحون، تمكن محمد صلاح بنجاحه الأسطوري من «ترويض» جموع هذه الظواهر بحقه، وتحويلها إلى عناصر مساندة ومحايدة ومؤيدة له، بل وهاتفة باسمه وبدينه، وأطفال الهاتفين يقلدونه فرحته بالأهداف حينما يسجد بعد كل هدف.لقد تمكن محمد صلاح بنجاحه وتميزه وعطائه وجديته من إعادة صياغة صورة الشاب العربي المسلم بأبسط الصور، بالابتسامة والعناق والترحاب بالمعاملة الحسنة. لم يبرز الكراهية، ولم يعبس في الوجوه ولم يضمر الكراهية في الصدر، ولم يرفض مصادقة أحد من الآخرين.هذا هو النموذج الذي «يثمر» ويؤتي بالنتائج كما توضح لنا المشاهد، على عكس الأسلوب الآخر المليء بالصياح والتهديد والتحذير والتخويف والوعيد والكراهية الذي أثبت فشله التاريخي والمعيب عبر السنوات الماضية.محمد صلاح يقدم لنا نموذجاً «حياً» لما هو ممكن وما هو مطلوب وما هو مقبول وما هو لائق وما هو ناجح. السر في الخلطة السحرية لمحمد صلاح هو إتقان الوظيفة المنوطة بالشخص وتطعيمها بالخلق الحسن. وهي خلطة عابرة بامتياز لكافة الحدود والثقافات والأسوار للحضارات.لعل أهم مشهد في مباراة محمد صلاح وناديه ليفربول الأخيرة، التي فاز فيها صلاح وناديه على ناديه السابق روما الإيطالي بنتيجة قياسية قدرها خمسة أهداف... لم يكن الهدفان الساحران اللذان أحرزهما محمد صلاح ولا التمريرات التي نفذها لزملائه ليحرزوا الأهداف، لكنه كان مشهد محمد صلاح في ممر اللاعبين قبل نزولهم إلى أرض الملعب وهو يقوم بتقبيل والسلام على كافة أفراد بعثة فريق روما الإيطالي في مظهر حضاري أخلاقي راقٍ.محمد صلاح قصة تستحق أن تروى ويحق للشباب الاقتداء به.
مشاركة :