رفض الماضي وتقدير الحاضر وآفاق التوطين

  • 4/27/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

وتعتبر مهنة التمريض من المهن السامية والإنسانية، بسبب ارتباطها بصحة الإنسان، والمحافظة على حياته، وتخفيف معاناته وإحساسه بالألم، ويوصف كل من يعمل في هذا المهنة بملاك الرحمة، وذلك للدور الإنساني الذي يؤديه في المراحل العلاجية المختلفة، ومن الناحية الطبية فإنّ هذه المهنة تحقق الشمول في الخدمات الطبية المقدمة، وتسعى بها نحو الكمال، فالطبيب هو الشخص الأول الذي يحسم طبيعة الحالة المرضية ويقرر شكل ونوع علاجها، بينما يقع على عاتق الممرض متابعة الحالة الصحية للمرضى، واتّباع كل الوسائل الممكنة لتخفيف أوجاعهم ومواساتهم. رائدات رائعات كانت المملكة العربية السعودية تعتمد على الممرضات الأجنبيات اعتماداً تاماً، حتى عام 1956م، عندما تخرجت أول دفعة ممرضين سعوديين من شركة أرامكو السعودية بالظهران وبقيق ثم في عام 1960م بدأ تعليم الممرضات من خلال المعاهد الصحية، حيث افتتح معهدان للتمريض في مدينتي الرياض وجدة واستمر الاهتمام بهذه المهنة للرقي بالرعاية التمريضية وتشجيع الطلاب على الالتحاق بها، من خلال افتتاح الكليات الصحية للتمريض والكليات الجامعية التي تمنح درجة الإخصائي، ثم الإخصائي الأول، انتهاء بالاستشاري في التمريض. ومن الرائدات في هذا المجال، «لطفية عبد الحميد الخطيب»، فقد كانت أولى الحاصلات على دبلوم التوليد ومازال المجتمع النسائي السعودي يذخر بعديد من النماذج المضيئة اللاتي يقدمن خدمات إنسانية رائعة في مجال التمريض.. ومنهن على سبيل المثال لا الحصر «الدكتورة إلهام نقشبندي، والدكتورة منيرة العصميد، وصباح أبو زنادة، والدكتورة حسنة بنجر، والدكتورة نازك ذكري».. تطور الموقف الاجتماعي تطورت نظرة المجتمع السعودي لمهنة التمريض بشكل كببر في السنوات الأخيرة، وباتت من المهن الجاذبة للشباب والكوادر السعودية، ولا سيما السيدات والفتيات السعوديات، وتزايدت مؤخراً أعداد السعوديات المشتغلات بهذه المهنة السامية على نحو لافت، وأصبح التمريض هدفاً مهماً من بين أهداف خطط توطين الوظائف، حتى بلغ عدد كليات ومعاهد التمريض بالسعودية في الوقت الحاضر 23. وأصبح المجتمع يتقبل الممرضة السعودية بسبب تغير الثقافات واندثار القناعات المغلوطة وذلك على عكس الوضع الذي ساد في الماضي. تقول: «رنيم صباحي، ممرضة بالرعاية المركزة للكبار بمستشفى عرفان»، والتي اختارت دخول هذا المجال والاستمرار فيه، إن التحاق السعوديين بمهنة التمريض أحدث تحسناً ملحوظاً في القطاع، وأزال الكثير من العوائق والحواجز أمام مسيرة المهنة، والتي كان منها اللغة وتفهم عادات وتقاليد المجتمع السعودي، إضافة إلى إثبات كوادر التمريض السعودي قدرتهم على تفهم احتياجات ومتطلبات أبناء وطنه. وقالت إن التمريض في السابق كان يسير من دون تخطيط وتنظيم ومنهجية، وكانت الدراسة تقتصر على المعاهد الصحية ولم يكن هناك تسجيل للتمريض في الهيئة السعودية للتخصصات الصحية، إضافة إلى عدم وجود سياسات وإجراءات ومعايير جودة خاصة بمهنة التمريض. وبينت أن مهنة التمريض في الفترة الحالية شهدت الكثير من التحسن والتطور، وأصبح لها سياسات وإجراءات ومعايير تساعد هيئة التمريض على أداء الرعاية التمريضية بيسر وسهولة في إطار معايير الجودة، مشيرة إلى أنه ومنذ عام 2002 أصبح التسجيل والتصنيف في الهيئة السعودية للتخصصات الصحية إلزامياً لجميع كوادر هيئة التمريض، كما تم اعتماد برنامج التجسير الذي يؤهل الممرض للحصول على درجة الإخصائي في التمريض ويفتح له آفاقاً جديدة في حياته المهنية. وتؤكد رنيم أن التمريض مهنة إنسانية ومن أهم المهن التي تمتهنها المرأة، ومن يشكك في عمل المرأة في مجال التمريض فهو غير واع لأن المرأة في مجال العمل عموماً وفي المجال الصحي خصوصاً تستحق التقدير والاحترام. قيود على المنافسة! وحول منافسة الممرضة الأجنبية للسعودية قالت صباحي: إننا بحاجة للاستفادة من الممرضة الأجنبية قدر الإمكان، فتبادل الخبرات مطلوب في سوق العمل. فالممرضة الأجنبية نستطيع أن ننقلها بين مختلف المدن والمناطق بالتغطيات المناوبة لسد الفراغ الذي لن تستطيع الممرضة السعودية القيام به، بسبب العادات والتقاليد وعدم قدرتها على التنقل بمفردها وارتفاع المستوى الأكاديمي ببذل الجهود وإتاحة الفرصة في التطوير، في المقابل نجد التعليم يتطلب منها ذلك، لكن الفرق بيننا هو أننا أوجدنا بديلاً لتجاوز تلك المشكلة. وفي نفس السياق طالبت الصباحي بتوفير حقوق الممرض سعياً للحصول على إنتاجية أعلى بحاجة لها في الوظيفة، مشيرة إلى أن ذلك سيؤدي إلى التحفيز على العمل وجذب الكادر التوظيفي لهذه المهنة، وأضافت: نحن نقدم العمل المهني أسوة بالطبيب، لكن أين حقوقنا؟ فطالما طالبنا ببدل السكن وبدل العدوى.. وتضيف: لقد حان وقت نفض الغبار عن مهنة التمريض فأميّة المجتمع تعطي انطباعاً سيئاً عن الممرضة السعودية متناسين أنها مهنة محترمة منذ عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم). رواسب معوقة في سياق متصل ترى «الدكتورة مريم الطويرقي، طبيبة الأسنان»، أن العادات والتقاليد لم تعد عائقاً أمام الزواج من ممرضة لأن المجتمع الآن، أصبح أكثر وعياً وإدراكا للأمور، كما أن المرأة الممرضة مثلها مثل المرأة العاملة في البنوك وفي المراكز التجارية النسائية إذ لا فرق بين هذه وتلك، كما أن المجتمع يحتاج إلى أن تعمل بنت البلد بدلاً من الأجنبيات العاملات في مجال الطب والتمريض، والشباب يعي تماماً أن هذه المهن إنسانية في المقام الأول ومن يرفض الارتباط بامرأة لأنها ممرضة هو إنسان غير واع. وتستطرد قائلة: للعوامل الاجتماعية تأثير كبير على السلوك الشخصي لأفراد المجتمع، بما في ذلك توجهاتهم نحو اختيار مستقبلهم الوظيفي، فهناك المهن التي يعطيها المجتمع قيمة عالية وهناك المهن التي ينظر إليها نظرة دونية، وليس بالضرورة أن يكون هذا الترتيب مبنياً على أسس منطقية مقنعة، بل يستمدها من مورثات اجتماعية فحسب، ولكن مثل هذا التصنيف يحدد مدى الإقبال على المهن التي تنظر إليها فئة من المجتمع نظرة سلبية. بدورها تقول «الدكتورة صباح زنادة، استشارية التمريض ورئيس القسم العلمي للتمريض»: لا يرجع السبب في محدودية الإقبال على مهنة التمريض في المملكة إلى النفور من المهنة نفسها، بل يعود إلى محاولة تجنب التصادم مع العادات والتقاليد الاجتماعية السائدة وصورة التمريض التي ترفضها فئة من المجتمع، ورغم أن المرأة السعودية انتفضت وتجاوزت مكانة العائلة وقررت أن تصبح ممرضة في مجتمع شرقي، وذلك أمام القناعة بأن دور الممرضة السعودية دور إنسانى في المقام الأول لتقديم المساعد الكاملة للمريض سواء كان رجلًا أوامرأة، وهو ما جعل المهنة التي كانت مرفوضة محل إقبال النساء في السعودية، بل وأصبحت الممرضة مصدر راحة وثقة واطمئنان للمريض ومن يرعاه. وتشير إلى أن نظرة المجتمع لفكرة التحاق المرأة السعودية بمهنة التمريض ظلت (غير مقبولة لدرجة عدم تداول الفكرة)، غير أن هذه النظرة تبدلت في السنوات الأخيرة وأفسحت المجال لكثير من السعوديات للالتحاق بها دون خوف، بل أصبحت مختلف فئات وشرائح المجتمع تشجع على الالتحاق بهذه المهنة الإنسانية التي مارستها المرأة في صدر الإسلام الأول. أثبتنا جدارتنا وتقول: إن تطور المفاهيم وزيادة الوعي بين الناس بمهنة التمريض بدأ يمحو النظرة الدونية للمرضة السعودية بين أفراد المجتمع ما أدى إلى زيادة إقبال الفتاة السعودية على مهنة التمريض، وقد تجسد ذلك فيما هو واضح من زيادة ملحوظة بعدد الملتحقات بكليات التمريض بشكل عام، وهو ما أدى إلى انحسار نظرة المجتمع وتقبلهم للمرأة السعودية ككادر مهم في هذا القطاع، خاصة بعد أن أدركوا أنها مؤهلة وقادرة على أداء هذه المهمة خير أداء. وتضيف.. كان البعض يرفضون الممرضة السعودية عندما كان عدد السعوديات قليلاً جداً لا يكاد يذكر فتجد بعض المراجعين يفضل الأجنبية علينا. ولكن الآن وبعد أن شكلنا النسبة العظمى تغير الوضع وأثبتت السعوديات جدارتهن في هذه المهنة حتى وصلن إلى ما وصلوا إليه الآن أصبح بعضهم من المؤيدين لسعودة هذا القسم وقالت: إن المجتمع أصبح يفضل السعودية حتى أنه يستطيع أن يتعامل معها بحكم اللغة والعادات والتقاليد بيننا ويفهم ما تطلبه الممرضة وهي أيضاً تفهم ما يريد وتشير إلى أنه قد تأتي بعض الحالات تجد الممرضة صعوبة في التعامل معها فهنا على حسب خبرة الممرضة وهل حصلت على دورات عن كيفية التعامل مع المريض. وترى «الدكتورة صباح»، أن أهم معوق أمام قسم التمريض هي مشكلة السكن فلو كنا داخل مدينة طبية ويوجد سكن للموظفات بجوار المستشفى لقضينا على نسبة التأخر أو الغياب في بعض الأوقات بسبب بعد السكن لبعض الممرضات إضافة إلى عدم وجود حضانة كي تستطيع الممرضة أن تأتي بطفلها لقسم الحضانة حتى تتفرغ ذهنياً لعملها ولا يصبح تفكيرها مشغولاً بأبنائها مع الخدم وخاصة في ظل ارتفاع مستوى المعيشة. عائق اللغة تشير الممرضة سعاد الحريز، ممرضة بمستشفى التخصصي، إلى أن عامل اللغة هو من العوامل الرئيسية التي تشكل عائقاً قوياً في دراسة تخصص التمريض من حيث الأعمال والواجبات والمهارات المطلوبة مني كممرضة فإنني أستطيع إتقانها وأداءها والتعامل معها بشكل ممتاز لكن اللغة الإنجليزية تسبب لي الكثير من الإحراج والارتباك، مشيرة في الوقت نفسه إلى «الصعوبات التي نواجهها أثناء الدراسة، عمل البحوث الكثيرة التي نبذل بها جهداً كبيراً والتي قد تعكس مستوانا العلمي المحدود مقارنة مع المستوى العلمي لعضو هيئة التدريس وعن الثمرات والنتائج الإيجابية التي حصلت عليها شخصياً في هذا المجال في ظل تبحرنا في عالم التمريض فإن هذه المهنة استطاعت إكسابي الكثير من العلاقات الاجتماعية والصداقات القوية ويرجع الفضل في ذلك إلى مجال التمريض نفسه الذي يجسد المعاني الإنسانية النبيلة من رحمة وإيثار وتضحية ومواساة». وتوافقها الرأي نوف صالح، مديرة التمريض بمستشفى المملكة التي تقول: إن الممرضة الأجنبية تأتينا دائماً مدعومة بخبرة لا تقل عن أربع سنوات، بينما السعودية تكتسب خبرتها مع الوقت وخلال ممارسة عملها بسبب أنه يتم توظيفها فوراً بعد أن تتخرج، فالفرق كبير وواضح، حيث إن الممرضة السعودية تستطيع وبجدارة أن تلغي الحواجز بينها وبين المريض، حيث إنها تتحدث باللغة نفسها، ما يجعلها أكثر ثقة عن الأجنبية، وتضيف «نوف»،.. التجاوب من قبل المجتمع للممرضة السعودية ارتفع عن السنوات العشر الماضية بنسبة تفوق ال 85 في المائة، وبما أن خبرتي 14 عاماً لمستُ الفرق الكبير ففي السابق كانت نظرة المجتمع لمهنة التمريض هي مهنة «الاحتياج» أي إن أصحاب هذه المهنة لم يلجأوا لها إلا بسبب الاحتياج المادي، فلم تصنف في السابق كأي مهنة أخرى. وأضافت: لقد استطاعت الممرضة السعودية أن تبث جدارتها فأصبحت موجودة في الأقسام الخطرة والجراحة وذلك لمهنيتها العالية وتطورها السريع، كما أن الممرضة أكثر تعاطفاً مع المرضى.

مشاركة :