أن نكون ما نُريد

  • 4/27/2018
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

د. حسن مدن أذكر أنه في الفترة التي كنا نتهيأ فيها لولوج الجامعة، بعد أن أنهينا الدراسة الثانوية، وكنا رهطاً من الفتيان المقبلين على اختيار المستقبل الذي نرغب فيه، من خلال اختيار الكلية المناسبة للتقدم بطلب الالتحاق بها، والتي سيحدد ما سندرسه فيها المهنة التي سنمارسها بعد التخرج، كان بيننا زميل، يمكن أن أصفه الآن، بغريب الأطوار، حيث إنه في كل لقاء نلتقيه، وكانت لقاءاتنا تكاد تكون يومية، يذكر تخصصاً جديداً يرغب في دراسته، غير ذاك الذي كان قاله بالأمس، أو قبل الأمس. وليس ضرورياً أن تكون التخصصات التي كانت رغباته تتنقل بينها يومياً متقاربة، ففي يوم قد يقول إنه يرغب في دراسة الأدب، وفي اليوم التالي يختار طب الأسنان، وفي اليوم الثالث قد يفاجئنا بالقول إنه يرغب في دراسة الرياضة، أو التربية البدنية.نموذج هذا الزميل الذي لا أعرف حقيقة أين انتهى به الأمر في آخر المطاف، صورة متطرفة لجهل الإنسان، ولو في مراحل مختلفة من حياته، ليس ضرورياً أن تكون في بدايات هذه الحياة فحسب، برغباته واستعداداته الحقيقية، فإما يظل حائراً في تحديد ماذا يريد بالضبط، وإما يتلبسه الوهم بأنه قادر على الجمع بين الرغبات كلها في الوقت نفسه، والتجربة تدل على أن ذلك محال.ينسب إلى أندريه جيد قوله: «أملك ألف إنسان في ذاتي، ولا أستطيع أن أكون واحداً منهم»، لكن الحيرة التي كان جيد يشعر بها هي أقرب إلى القلق الوجودي - الفلسفي الذي قد ينتاب مبدعاً مثله، فهو في النهاية حدّد خياره في الحياة ككاتب مهم، شكّل هو، ومارسيل بروست، القطبين الأبرز فيما يصفه بعض النقاد بـ«القصة النفسية» في فرنسا.والإحالة إلى أندريه جيد بالذات، في سياق حديثنا هذا، مقصودة، ذلك أنه كان معنياً بالسؤال حول الطريقة التي ينبغي لنا أن نعيش بها، وما القيم والغايات التي يجب أن نكرّس هذه الحياة من أجلها. وما دمنا بلغنا فرنسا فإنه سيكون مناسباً الوقوف عند قول أحد فلاسفتها المعاصرين: ميشيل لكروا الذي يرى أن تحقيق الذات أهم من السعادة، منطلقاً من قول لهايدجر عن نفسه: «إنني أُمثّل وعداً بالإمكانات»، وهو قول فسّره لكروا بامتلاك قوة من الاستعدادات، والدوافع، والقدرات، والرغبات، لكن علينا أن نتشكّل مما نقدر عليه، ونرغب فيه.وهو في هذا قد يحثنا على التحرر من حيرة أندريه جيد بأن نكتفي ببعض الإمكانات الكامنة في نفوسنا، أو القابليات المعطاة لنا بالفطرة، كي نطورها ونشق بها طريقنا في الحياة، لأنه ليس بوسعنا أن نحقق كل شيء، وإذا انجررنا نحو مغامرة تحقيق كل شي فقد لا نصبح شيئاً، وهي مغامرة تمثل، بوصف الرجل، «روح المراهقة التي يجب أن نتخلى عنها لنصبح راشدين». madanbahrain@gmail.com

مشاركة :