غزة- قبل أيام تجاوز أمجد عبدالرحمن من قطاع غزة عامه الثلاثين، لكنه لم يستطع حتى الآن أن يكمل نصف دينه، عبدالرحمن خرّيج قسم “السكرتاريا”، لا يملك من المال ما يؤهله للتقدم لخطبة فتاة، فمنذ أن غادر مقاعد الدراسة الجامعية، بصعوبة يجد بين الحين والآخر عملا حرا لفترة قصيرة، راتبه يكفي لتلبية أبسط احتياجاته اليومية. في حسرة تفضحها نبرة صوته الحزين، يتساءل عبدالرحمن “من أين سآتي بتكاليف الزواج، وسط هذه الأوضاع الاقتصادية الصعبة وانعدام فرص العمل في قطاع غزة؟”. وأضاف “أحتاج معجزة لكي أتزوج، لا أملك شيئا من المال حتى أتمكّن من بناء أسرة، مجرد أن أفكر في الأمر أجدُ نهاية هذا التفكير طريقا مسدودا”. وأردف “لا أملك مكانا للسكن، كما أنه لا يمكنني استئجار منزل وأنا لا أملك عملا ثابتا، وأبحث عن عمل لكنني لا أجد”. ويقدّر متوسط تكاليف الزواج المختلفة بغزة بنحو 15 ألف دولار أميركي. يعيش الفلسطينيون في قطاع غزة وسط ظروف معيشية واقتصادية صعبة جعلت الزواج في نظر الكثيرين رفاهية للأغنياء فقط، أو لمن استطاع إليه سبيلا، ويعتبر الكثيرون أن التراجع في معدلات الزواج مؤشر خطير على أمن المجتمع وتوزيعه الديموغرافي وتعاني غزة، حيث يعيش قرابة مليوني نسمة، أوضاعا معيشية وصحية متردية للغاية، جراء الحصار المتواصل للقطاع، منذ صيف عام 2007، وتداعيات الانقسام الفلسطيني بين حركتي “فتح” و”حماس” بعد فوز الأخيرة في الانتخابات البرلمانية عام 2006. ويسود انقسام جغرافي وسياسي بين غزة والضفة الغربية منذ أن سيطرت “حماس” على القطاع. وانخفضت معدلات الزواج في قطاع غزة عام 2017، بنسبة 10.8 في المئة، مقارنة بالعام الذي سبقه، وفق إحصائية لمجلس القضاء الأعلى الفلسطيني في غزة، صدرت مؤخرا. الشاب يوسف جمال، 25 عاما، يملك شقة غير مكتملة البناء في منزل عائلته، إلا أنه لا يستطيع أن يكمل تشييدها، لكي يتزوج، ويقول جمال “محظوظ جدا من يستطيع الزواج في غزة، معظمنا لا يملك ربع التكاليف المطلوبة”. وتابع جمال خريج التعليم الأساسي “لم أجد عملا في مجال دراستي، وإن وجدت فإنني أحتاج لعشر سنوات على الأقل لجمع المبلغ المطلوب للزواج، أوضاعنا الاقتصادية في غزة مدمرة جدًا”. واتجه الشاب للعمل كبائع سكاكر ورقائق بطاطا، لمساعدة عائلته في توفير أدنى متطلباتها، بعد أن بحث طويلا عن عمل في مجال تعليمه الجامعي. وقال المركز “الفلسطيني لحقوق الإنسان” (غير حكومي)، إن الحصار على قطاع غزة رفع نسبة الفقر بين سكانه إلى 65 في المئة. وذكر المركز في تقرير صدر مطلع العام الجاري أن نسبة البطالة في غزة ارتفعت في الآونة الأخيرة إلى 47 في المئة، وأن 80 في المئة من سكان القطاع باتوا يعتمدون على المساعدات الخارجية لتأمين الحد الأدنى من متطلبات المعيشة اليومية. ويقول رئيس مجلس القضاء الأعلى الفلسطيني في غزة، حسن الجوجو إن “نسبة الزواج في قطاع غزة تراجعت بنحو 10.8 في المئة خلال عام 2017 مقارنة بالعام الذي سبقه”. ويضيف “تم تسجيل نحو 19 ألف حالة زواج في عام 2016، بينما في عام 2017 تم تسجيل نحو 17 ألف حالة”. وفيما أكد أن “العديد من الشباب في غزة أصبحوا يبلغون الثلاثين عامًا ولا يستطيعون الزواج”، أشار الجوجو إلى أن “التأخر في الزواج سيزيد من نسبة العنوسة بين الشباب والفتيات”. وطالب الجوجو بالعمل على حل مشاكل الشباب مع توفير العمل والمسكن ومتطلبات الحياة الكريمة. ودعا رئيس مجلس القضاء إلى تأسيس صندوق وطني فلسطيني للمساعدة على الزواج تساهم فيه كافة الجهات الرسمية والشعبية، جازما بأن ميل المجتمع الفلسطيني إلى تزويج الشباب مطلع العشرينات من أعمارهم لم يعد ممكنا حاليا. ومن جانبه قال سمير زقوت، نائب مدير مركز “الميزان لحقوق الإنسان” (غير حكومي) بغزة “إن الانهيار الاقتصادي الذي يعاني منه قطاع غزة هو السبب الرئيسي في تراجع أعداد المتزوجين”. وأوضح قائلا “الشباب لا يستطيعون أن يوفروا أبسط مقوّمات الحياة الزوجية في ظل هذه الأوضاع”. وحذّر زقوت من “الانهيار الاجتماعي، وشيوع الجرائم والسرقة، في حال استمر الوضع على ما هو عليه”. وكشفت إحصائية للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، مطلع 2015، أن مؤسسات التعليم العالي في البلاد، تخرّج سنويا حوالي 32 ألف طالب وطالبة، بلغت نسبة البطالة بين صفوفهم خلال الربع الثاني من عام 2014 حوالي 56 بالمئة. نسبة البطالة في غزة ارتفعت في الآونة الأخيرة إلى 47 في المئة، وأن 80 في المئة من سكان القطاع باتوا يعتمدون على المساعدات الخارجية لتأمين الحد الأدنى من متطلبات المعيشة اليومية وقال أدهم البعلوجي، رئيس مجلس إدارة “جمعية التيسير للزواج” في وقت سابق، إن مؤسسته تهدف إلى توفير جزء من تكاليف الزواج للفئات الأكثر تهميشًا في المجتمع الفلسطيني. وبالإضافة إلى المساعدات المالية، تقدم الجمعية خدمات توعوية وإرشادية للمقبلين على الزواج، لمساعدة العروسين في إنجاح حياتهما الزوجية، والحد من نسب الطلاق، بحسب البعلوجي. وبيّن أن هناك شروطاً يجب أن تنطبق على المتقدم للجمعية، تتمثل في أن يكون هذا زواجه الأول، وأن يكون الفقر هو المعيق لزواجه، بالإضافة إلى توفير سكن جيّد لبدء حياة زوجية. ولا تقتصر خدمات الجمعية التي تأسست قبل نحو 10 سنوات، على الذكور فقط، بل تشمل الإناث أيضا. ويرى رئيس الجمعية، أن افتتاح مثل هذه الجمعيات، مهم في ظل الأوضاع الصعبة التي يعيشها الفلسطينيون في قطاع غزة، مضيفا “لقد تفاجأنا خلال عمليات البحث الميداني، برجال بلغوا الخمسين من العمر، وحال الفقر دون زواجهم”. ومن جانبه صرّح صقر الغول، مدير الحملة الشعبية لتيسير الزواج “حُلم”، في قطاع غزة، أن الحملة “توفر للشباب المقبلين على الزواج معظم احتياجات يوم الزفاف، من طعام الغداء وبطاقات الدعوة، وحجز قاعة العرس، وثمن بدلة العروس، وتكاليف الكوافير، ومسرح ومقاعد حفل الشباب، وغيرها”. وقال الغول إن “الشاب يستطيع توفير كافة هذه المتطلبات مقابل دفع مبلغ مالي يقدر بـ1700 دولار، بالتقسيط على مدار عام كامل، وقد تزيد المدة وفقًا للحالة الاقتصادية”. وتكون أسعار هذه الاحتياجات مضاعفة إن وفرها الشاب بنفسه، حيث أنها قد تصل إلى 3000 دولار. ويرى الشباب أن تقسيط تكاليف الزواج عبر الجمعيات، يرفع عن كاهلهم عبئا كبيرا، في ظل الفقر والحصار، وقلة فرص العمل.
مشاركة :