شعراء: قراءاتنا الأولى عوالم مدهشة كتجارب الحب

  • 4/28/2018
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

أثرت بي الحكمة التي تقول "نصف حكايات البشر تطفو على وجوههم، والنصف الآخر تقرأه في طريقة تعاملهم مع الحياة"، ومما زادني تعلقاً بها ممارستي للصحافة، حيث استمررت في تأمل الوجوه التي ألتقي بها، بحثاً عن إجابة لا تنطقها الأفواه؛ فقد اعتدت على تصفح الكلمات في وجوه الأدباء والشعراء الذين تجمعني بهم الملتقيات والمؤتمرات الثقافية، وطرقات الأيام محاولاً الغوص في خيال واقعي لشخصية هذا الشاعر أو ذاك الأديب، من عتبة البداية إلى أعماق عالمه الإبداعي، متذوقاً كلماته وهو يستعرض دفاتر تجاربه مع القصيدة أو السرد، وعلاقته مع القراءة، وصحبته للكتاب، ومدى انعكاس ذلك على تجربته وحياته اليومية. في هذا يقول الشاعر البحريني قاسم حداد بطبيعة التجربة، ليس كتاباً واحداً، ففي كل مرحلة ستصادف كتاباً مختلفاً يسهم في تأسيس أو إعادة تأسيس لمعرفة جديدة تضيف إلى حياتك ورؤيتك للحياة والعالم. غير أن كتاباً واحداً أعتقد أنه يظل قابلاً لمواصلة التأثير كلما تقدمت في السن والتجربة، وهو "القرآن"، الذي قرأته في أزمان ومراحل عمرية مختلفة كثيرة، فهو يكشف لي ما يعمل الكثيرون على حجبه عني. كلما قرأته بحريتي وخبرتي ومعرفتي المستجدة والمستدامة تكون مكتشفاتي أكثر حيوية وإنسانية وجمالاً. فهو مثلاً يطمئنني دائماً أن الماضي كان أجمل من الحاضر، راجياً أن تتم قراءته مجدداً بشكل أكثر جمالاً من أجل أن يكون المستقبل أفضل. ثم يضيف، هذا الكتاب إذا حفظنا له قدسيته، فهو كتابك الخاص الذي يمنحك ما يؤمّن لك الاطمئنان في حياتك، لكأن الله قد أرسله لك أنت بالذات، من أجل أن تحب الحياة وتسعى لجعلها جميلة لك ولغيرك. من هذه الشرفة فإن ثقتك بأهمية هذا الكتاب للإنسان كبيرة، حين يكفّ الآخرون عن الزعم بمسؤوليتهم عن توصيله إلينا، بالطريقة التي يفهمون فقط. وحين طالبته أن يوضح لي أكثر، قال يهمني دائماً في علاقتي بهذا الكتاب أن تكون معرفتي بالشعر العربي الذي سبق الإسلام أكثر وضوحاً. ومن بين أهم ما أعنيه بأهمية القرآن في حياتنا الثقافية العربية عبر العصور، أنه النص الذي يتوفر على درجة فاتنة من التعبير أدهشَ عرب العرب أنفسهم، مما دفع بعضهم إلى اتهام النبي محمد بالجنون تارة وبالسحر تارة أخرى، بل إنهم قالوا إنه شاعر أيضاً، وهي في الواقع صفات المواهب الإنسانية السامية، وكل ذلك يجعل الأمر يخلخل البناء السائد آنذاك، لأن القرآن كان خارج التصور العام للبلاغة بالرؤية العظيمة التي تقدم بها القرآن. لقد كان عرب ذلك العصر في صدمة رسالة الكتاب، ليس لعدم قبولهم فرض القداسة فحسب، ولكنهم تعاملوا مع صاحب الرسالة بوصف بشريته فقط. إلى أن يقول أهمية القرآن عندي فيما أقرأ وأعيد قراءة الشعر القديم الذي سبق الإسلام، بشغف ورغبة عميقتين للتعرف على عبقرية وإبداع ذلك الشعر، إن الكتاب الذي أبهر عرب الجزيرة آنذاك دليل تعبيري مذهل على أن اللحظة التاريخية للمناخ الثقافي والأدبي الذي ولد فيه القرآن، الأمر الذي يمنحنا الثقة أكبر في الصدق الفني والحضاري لتلك القصائد النادرة الجمال. أما الشاعر السعودي عبدالله السميح وبالرغم من حال الفقر واليتم الذي عاشه إلا أنه أغنى أهل قريته بالقراءة والمعرفة كما يقول كاشفاً إن أولى خطوات الترحال مع خير جليس وصاحب بدأت من منتصف السبعينات الهجرية ولم ألق عصا الترحال لهذه اللحظة، وفي ذلك يضيف السميح: إن ذلك يمتد إلى كتبٍ أخرى، البيان والتبيين للجاحظ، البخلاء، رسالة التدوير والتربيع الذي أسس فيها لمعنى الكتابة الساخرة بعيداً عما يمارسه البعض إلى أن يقول أستطيع القول إنني قرأت معظم كتب التراث شعره ونثره ولم أزل أكتشف في مناجمه العجب. كذلك في القصة القصيرة تأثرت برائديها الفرنسي (موباسان)، والروسي (تشيخوف)، ولم أزل أتذكر من مجموعته الكاملة (الرجل الذي عطس فمات). ووصف الشاعر الأردني محمد تركي حجازي سؤالي له ببالغ الخطورة والعمق قائلاً: في الواقع إن كل كتاب وقع بين يدي في مكتبة المدرسة بعد عمر 12 عاماً مارس تأثيره وسلطته علي ابتداءً من قصص الخيال والساحرات والجن إلى كتاب الأغاني ومقامات الهمذاني مروراً بالمجموعات الكاملة للشعراء أبي تمام والبحتري وشوقي وحافظ وحجازي والفيتوري والسياب وغيرها، وكل ما استهواني مما توافر في مكتبة المدرسة أو ما كنت أشتريه أحياناً أثناء الدراسة الثانوية، أو أجده عند الأصدقاء والأقارب على الرغم من أن هذه القراءات كانت شبه استكشافية لتلك العوالم الجديدة المدهشة أكثر من كونها قراءات واعية متعمقة تماماً كتجارب الحب التي تمر بنا أثناء مراهقتنا وبحثنا، ومحاولة اكتشافنا لعوالم المرأة وأسرار تلك العوالم الغامضة، سارداً قصته أيام مرحلة الثانوية العامة خلال رحلة مدرسية إلى سورية، وفي تجوله بمدينة اللاذقية دخل مكتبة ضخمة، ومن بين عشرات الكتب اختار: ثلاثية نحيب محفوظ، والمجموعة الكاملة لمصطفى لطفي المنفلوطي النظرات والعبرات، والبخلاء للجاحظ، وكتب أخرى. مبيناً أن هذين الأثرين كان لهما تأثير واضح في تشكيل مفهومه للثقافة الأكثر وعياً. ويقول: فقراءتي لثلاثية محفوظ منحتني التمرين اللازم لقراءة رواية ضخمة من ثلاثة أجزاء قراءة متأنية ناقدة، أما في الشعر تحديداً فأنا على علاقة محبة لمعظم شعراء العربية، ولكنني كنت أكثر قرباً لديوان بدر شاكر السياب، فقد قرأته عشرات المرات، وأحب أن أعود إليه من فترة لأخرى، تعلقت بقصائده: أنشودة المطر، وحفار القبور، والسوق القديم، والمومس العمياء، قصائد مليئة بالحب والحزن والعواطف الملونة والظلال والنخيل والصور المدهشة بهدوئها. قاسم حداد محمد حجازي

مشاركة :