تونس - تسارعت خطوات تونس نحو انتزاع حصة من الاستثمارات التي رصدتها الصين ضمن استراتيجيتها المتعلقة بطريق الحرير الجديد، في تحول يقول خبراء إنه سيحرك كافة القطاعات الاقتصادية بالبلاد. وكشف مسؤولون عن خطط تونسية لبلورة استراتيجية واضحة المعالم لربط علاقات شراكة جديدة مع بكين قبل نهاية العام لجذب استثمارات أجنبية إضافية للبلاد. وتأتي الخطوة فيما تحاول الحكومة بكل الوسائل إخراج الدولة من دوامة الأزمة الاقتصادية الحادة التي تعاني منها منذ أكثر من سبع سنوات. وقال صبري بشطبجي، كاتب الدولة للشؤون الخارجية، قبل أيام إن “تونس تتجه للانضمام إلى مشروع طريق الحرير الصيني في الأشهر المقبلة لأنه سيجذب الكثير من الاستثمارات وسيوفر المئات من فرص العمل”. وذهب رئيس المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية، ناجي جلول، إلى ما هو أبعد حينما أكد وجود محادثات رسمية بالفعل بين تونس والصين لتحويل بلاده إلى “حلقة من حلقات طريق الحرير الصيني الجديد”. ورغم أن مساعي الصين لإحياء التجارة الدولية ضمن “الحزام والطريق” تواجه عقبات، من بينها إتمام مشاريع سكك الحديد في الدول التي يستهدفها البرنامج، إلا أن بكين مصرة على إنجاز مشروعها الطموح. وتروج بكين للمبادرة كسبيل جديد لدعم التنمية العالمية والتي رصدت لها استثمارات بأكثر من تريليون دولار، منذ أن كشفت عن الخطة في عام 2013 بهدف تعزيز الروابط بين آسيا وأفريقيا وأوروبا وما وراء ذلك من خلال استثمارات في البنية التحتية بالمليارات من الدولارات. ويؤكد خبراء أن انضمام تونس للمبادرة سيجعل منها قبلة للاستثمارات الأجنبية في المستقبل خاصة باتجاه القارة الأفريقية، وهو ما يجعلها في منافسة مباشرة مع المغرب، الذي بات مركزا للاستثمارات الصينية بفضل رؤية العاهل المغربي الملك محمد السادس. ويقول مصطفى كمال النابلي رئيس مكتب الدراسات الاقتصادية في شمال أفريقيا، إن الصين ستكون في حاجة خلال السنوات القادمة إلى إطلاق مشاريع شراكة لاكتساح دول جديدة على غرار أفريقيا وستكون تونس بمثابة الحليف الأمثل لتونس. وتوقع المحافظ الأسبق للبنك المركزي التونسي أن تستفيد بلاده من موقعها الجغرافي والعمالة منخفضة التكلفة، فضلا عن تجربة التعاون مع دول جنوب الصحراء، لتكون قاعدة استثمارية للصين. وتلقت تحركات تونس لإصلاح اقتصادها المنهك زخما كبيرا في يوليو الماضي مع توقيع ثلاث اتفاقيات استثمارية بنحو نصف مليار دولار تتعلق بالقطاع المالي والتكنولوجيا وبناء مول تجاري ضخم في مرفأ تونس المالي. ولدى الحكومة قناعة بأن هذه الاتفاقيات لم تكن سوى البداية فقط، وتقول إنها ستمهد الطريق أمام دخول المزيد من المستثمرين الصينيين للبلاد في إطار استراتيجية طريق الحرير. وجاءت الخطوة بعد ثلاثة أشهر من افتتاح منظمة طريق الحرير للتعاون الثقافي والاقتصادي الدولي الصينية (سيكو)، مكتبا لها في تونس، هو الأول لها في أفريقيا. ولطالما دعا اقتصاديون الحكومة للإسراع بإبرام اتفاق تجاري واسع لتسهيل دخول البضائع التونسية للصين واستغلال عدم التكافؤ في المبادلات التجارية لضخ المزيد من الاستثمارات الصينية للبلاد. ويرى صالح الحناشي، رئيس جمعية أطلس للتنمية الذاتية والتضامن، أن المبادرة تعد فرصة وعلى الحكومة اقتناصها جيدا حتى يكون لتونس موطئ قدم في سياق إقليمي للاستفادة بشكل أفضل من هذه التجربة. وأكد أن تونس لديها تجارب في مجال الخدمات المتعلقة بقطاعات الطاقة والمياه والتكنولوجيا والزراعة والسياحة وغيرها ويمكن تصديرها نحو البلدان الأفريقية عبر إرساء شراكة مثمرة مع الصين. وتعهدت بكين بتقديم 55 مليار دولار في شكل قروض، و14.5 مليار دولار لصندوق طريق الحرير، و8.7 مليار دولار مساعدات للدول النامية. وقال مدير مكتب “إرنست أند يونغ” في تونس نورالدين الحاجي إن تونس “تزخر بالموارد البشرية الكفؤة مع قطاع خاص وشركات ناشئة تستثمر في مجال التكنولوجيات الحديثة والابتكار”. ويتوقع الحاجي، وهو رئيس معهد الاستشراف الاقتصادي للعالم المتوسطي أيضا، أن تكون لبلاده مكانة مهمة ضمن طريق الحرير خاصة في مجالات الرقمنة والاقتصاد الأخضر. وحتى تجسد تونس طموحاتها، فإن خطتها يجب أن ترتكز على أسس مستدامة، في مقدمتها تعزيز العلاقات الدبلوماسية وتطوير البنية التحتية وتعزيز التعاون في قطاعات النقل والسياحة والاستثمار. وأمام تونس تحديات تتعلق بتسهيل تموقع المستثمرين الصينيين بالقرب من ميناء جرجيس جنوب البلاد عبر بناء منطقة صناعية من أجل زيادة مستوى الصادرات وتشريك بكين في إنجاز ميناء المياه العميقة بالنفيضة وجسر بنزرت.
مشاركة :