أعلن البنك المركزي التركي في بداية هذا الشهر أنه “يحقق” في أسباب الهبوط الحاد الذي منيت به الليرة هذا العام، لكن بيانه كان مربكا ومثيرا للحيرة، في ظل مستويات التضخم. وصار هذا الوضع شائكا منذ العام الماضي، وذلك على خلفية فرط نمو الاقتصاد الذي أحدث قصورا خطيرا من جهة ارتفاع أسعار الاستهلاك. ويبدو أن البنك اكتشف، هذه المرة، السبب أخيرا في اجتماع مجلس السياسة النقدية الشهري هذا الأسبوع، وتحرك في مسعى لكبح الهبوط السريع في قيمة الليرة، التي تشهد تراجعا غير مسبوق. وبناء على ذلك، رفع سعر فائدة “نافذة السيولة المتأخرة” إلى 13.5 بالمئة من 12.75 بالمئة بينما أبقى سعر إعادة الشراء (الريبو) الرئيسي عند ثمانية بالمئة. وسعر نافذة السيولة المتأخرة هو أعلى أسعار المركزي للفائدة على التمويل بين أسعار الفائدة الأربعة التي يستخدمها لتوفير السيولة بالأسواق. وقد ظل متوسط سعر فائدة التمويل في السوق عند 12.75 بالمئة منذ ديسمبر الماضي. تتزايد المؤشرات المدفوعة بتحليلات الخبراء على أن ما أقدم عليه البنك المركزي التركي برفع أسعار الفائدة إنما هو علاج مؤقت للتشوهات، التي تعاني منها العملة المحلية ولن تتمكن من امتصاص معدلات التضخم، بل تأتي فقط لخدمة مصلحة الرئيس رجب طيب أردوغان في الانتخابات المبكرة وجاء القرار متماشيا مع توقعات السوق برفع أسعار الفائدة بما يتراوح بين 50 و75 نقطة أساس، لكن الأسباب الجديدة لانخفاض الليرة التي توصل لها البنك، وتلك التوقعات، ربما لا تقدم الكثير في ما يتعلق بزيادة معدل التضخم ولا بمخاوف النمو. وكانت آخر مرة يرفع فيها المركزي أسعار الفائدة في ديسمبر، وبلغت الزيادة حينها 50 نقطة أساس، وظل البنك يراقب التوقعات المتداعية للأسعار منذ ذلك الحين. كما أحجم البنك عن التحرك في ظل تحذير بعدم رفع أسعار الفائدة أطلقه الرئيس رجب طيب أردوغان الذي أكد مرارا أن أسعار الفائدة المرتفعة تتسبب في ارتفاع معدل التضخم. وبناء على ذلك، كان المستثمرون يأملون بزيادة كبيرة في أسعار الفائدة لكبح جماح التضخم المرتفع دفعة واحدة، ويتوقعون عدم تحرك المركزي بأي شكل من الأشكال منذ ديسمبر، لكنهم غيروا رأيهم بشكل مفاجئ قبيل اجتماع مجلس السياسة النقدية. ويستند حزب العدالة والتنمية في إقباله على خطوة الإعلان عن إجراء انتخابات مبكرة في الـ24 من يونيو المقبل على أوجه خلل في اقتصاد البلاد المتداعي. ويرى محللون أن السبب الذي يقف وراء خطوة البنك هو أنها ستخدم مصلحة أردوغان كونها ستساعده على تحقيق استقرار سعر الليرة أمام الدولار حتى حلول موعد الانتخابات، وبالتالي فإن الحكومة ستتساهل هذه المرة مع المركزي في ذلك القرار. وبينما رحب الكثير من المستثمرين بالزيادة التي بلغت 75 نقطة أساس، فإن أثر تلك الزيادة على قيمة الليرة كان محدودا، فقد ارتفعت الليرة مقابل الدولار إلى 4.03 ليرات للدولار بعد الإعلان، مقارنة مع 4.12 بالمئة قبله، قبل أن تسجل خلال ساعتين 4.1 ليرات للدولار. وبعيدا عن رفع أسعار الفائدة على نحو يبدو غير كاف لبنك مركزي يستهدف التضخم، في ظل المستوى الذي بلغه التضخم الأساسي، فإن رفع أسعار الفائدة هو أيضا إجراء سيّء الحظ بالنظر إلى ارتفاع مؤشر الدولار إلى 9.11. وارتفاع مؤشر الدولار الذي يقيس أداء العملة الأميركية مقابل سلة تضم عملات أخرى ليس أمرا جديدا ومن المتوقع أن يستمر لبعض الوقت استنادا إلى قصة النمو الأميركي. وإذا كانت الحكومة والبنك المركزي يعتقدان أن رفع أسعار الفائدة قد يكون كافيا لفرض بقاء سعر صرف العملة التركية مقابل نظيرتها الأميركية حول مستويات أربع ليرات للدولار، على الأقل حتى موعد إجراء الانتخابات المبكرة، فإن هذا يعد خطأ جسيما في حساباتهما. وقال المركزي في بيانه إن القرار استند إلى “مستويات التضخم المرتفعة حاليا وإلى توقعات التضخم التي تزداد سوءا، والتي مازالت تشكل مخاطر على السلوك التسعيري وخاصة أسعار السلع الأولية”. ولو كان السبب الرئيسي للمركزي، مخالفا لكونه مجرد أداة لتجميل وجه الحكومة قبيل الانتخابات المبكرة، لتعين عليه فعل المزيد في الأشهر القادمة حتى يحقق هدفه في ما يتعلق بالتضخم. وفي ظل التغير الفصلي وارتفاع سعر النفط في الوقت ذاته، فإنه من المرجح أن يلقي هبوط الليرة خلال الشهرين الماضيين بظلاله بشكل أساسي على بيانات التضخم لشهري أبريل ومايو، كما ستتفاقم الفجوة في ميزان المعاملات الخارجية التركي. وحتى يحقق المركزي هدف استقرار الليرة والرجوع عن الاتجاهات التضخمية، سيكون بحاجة لفعل ما هو أكثر من رفع الفائدة لمرة واحدة، بل سيضطر لرفعها في مايو ويونيو المقبلين، وربما حتى بعد إجراء الانتخابات. وسيتبين لاحقا ما إذا كان هذا ذا جدوى أم لا بالنسبة للبنك المركزي الذي يتعرض استقلاله لضغوط سياسية كبيرة. ولكن إذا تقاعس البنك عن التحرك، فإن العواقب على الليرة تبدو واضحة، حيث يتوقع أن تظل تتراجع مع ارتفاع مؤشر الدولار واستمرار صعود أسعار النفط.
مشاركة :