أكد أكاديميون وخبراء في الجلسة الأولى لمنتدى الجزيرة -التي جاءت تحت عنوان: «عام على الأزمة الخليجية: حصيلتها ومساراتها المقبلة»- أن أزمة الخليج ليست وليدة اللحظة، بل هناك تاريخ من الاستهداف، ومحاولات متكررة للهيمنة والسيطرة على قطر، مشيرين إلى أن الأزمة ينظر إليها في أوساط عديدة على أنها أزمة انقسام حقيقية، وليست أزمة محدودة في المنطقة. وقال الدكتور ماجد الأنصاري -أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة قطر- إن الأزمة الخليجية تحولت من كونها أزمة مفاجئة بدأت منذ يونيو العام الماضي بتقلباتها المختلفة إلى حالة استقرار غير مرغوب فيها، كونها تعكس عدم وجود نية لحل هذه الأزمة التي لها دلالات على مستقبل المنطقة. أضاف الأنصاري أن مجلس التعاون الخليجي يواجه اليوم كبرى أزماته في تاريخه الحديث، وهناك الكثير من الحديث حول زوال المجلس خلال هذه الأزمة. وأردف الأنصاري قائلاً: «قلت من قبل إن المجلس لن يزول بهذه الأزمة، ليس بسبب قدرته على حل الأزمة، لأن ما ساهم في بقائه هو أنه لم يكن له دور سياسي في السابق، وبالتالي فإن وجوده في الأزمة الحالية لم يؤثر في ديناميكية عمل المجلس اليومية، ونطالب بوجوده باعتباره أمل الشعوب المقبلة». وبدوره، قال الأستاذ فيصل أبوصليب، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت: بعد مرور عام تقريباً على بداية الأزمة، لم يكن أحد يتوقع أو ربما القليل توقع استمرارها لهذه الشهور الطويلة»، لافتاً إلى أن هذه الأزمة غير مسبوقة، لأنها وصلت إلى مستوى الشعوب بخلاف الأزمات السابقة التي كانت بين القادة. وأضاف أبوصليب: «ربما كنت في بداية الأزمة من المتشائمين القلائل بأن أمدها سيطول، وذلك لاعتبارات، منها أن أطراف الأزمة، وخصوصاً السعودية، القرار السياسي فيها قرار فردي، وأيضاً لا توجد ضغوط داخلية تمارس على متخذ القرار تمنعه من إطالة أمد الأزمات التي تنشب بين السعودية ودول أخرى». من جهته، قال الدكتور عبد الله الغيلاني -الأكاديمي العماني المتخصص في الشؤون الاستراتيجية- إن أزمة الخليج لم تعد مرتبطة بالمطالب الـ 13 التي قدمتها دول الحصار، فهذه المطلب منذ البداية لم تكن مقنعة على الإطلاق، خاصة أن الأزمة تخطت إلى نطاقات أخرى. وأضاف الغيلاني أن أزمة الخليج ليست وليدة اللحظة، بل هناك تاريخ من الاستهداف، ومحاولات متكررة للهيمنة والسيطرة على قطر، مؤكداً أن هناك رغبات واضحة من دول الحصار إلى إجبار قطر على التخلي عن سيادتها وقرارها المستقل. وشدد على أن هناك استهدافاً جوهرياً للسيادة القطرية، يسعى إلى وأد القوة الناعمة لقطر وتمددها الاقتصادي والسياسي. وبدورها، أكدت سينزيا بيانكو -الباحثة الإيطالية المتخصصة في شؤون الخليج والشرق الأوسط- أن الأزمة الخليجية ينظر إليها في الأوساط الأوروبية على أنها أزمة انقسام حقيقية، وليست أزمة محدودة في المنطقة. وأشارت إلى أن الاتحاد الأوروبي يحاول التعامل مع تلك الأزمة، من أجل إيجاد حل لها، حتى تستقر المنطقة، باعتبار المصالح الموجودة مع دول مجلس التعاون الخليجي. عبدالله الغيلاني: البعض يهدف لتأبيد حالة الاستبداد قال عبدالله الغيلاني -الأكاديمي المتخصص في الشؤون الاستراتيجية- لـ «العرب» إن هنالك شعوراً ذاتياً عند بعض دول الخليج، أعطت بموجبه نفسها أحقية الهيمنة وتشكيل الوعي السياسي، والخيارات السياسية للدول الأخرى. مشيراً إلى أن الربيع العربي -وإفرازاته وما ترتب عليه- خلق حالة من الخوف غير المبرر لدى بعض الدول الخليجية التي شعرت أنها مستهدفة، من الممكن أن يصلها هذا المد، وبالتالي، شرعت في بلورة هذا المشروع، الذي يهدف إلى تأبيد حالة الاستبداد في المنطقة العربية، عبر تغيير هياكل السلطة في الدول العربية، بحيث لا تصبح هنالك منافذ لإجراء إصلاحات دستورية حقيقية، تمهد للشعوب المشاركة السياسية. وأضاف أن هذه الدول تخوفاتها غير صحيحة، لأنه ليس هنالك مطالب بتغيير نظام الحكم في الخليج، وإنما المطروح هو توسيع المشاركة السياسية. مشيراً إلى أن نجاح بعض الدول في تغيير النظام في مصر صور لهم أن هذا نجاح كبير، بينما هذا خطأ، لأن النجاح لا يكمن في دعم المؤسسة العسكرية لحكم شعبها، بل بكسب صوت الشعب عبر إقناعه. د. محمد الخليل: مخاوف عُمانية - كويتية من تكرار السيناريو معهما قال الدكتور محمد المختار الخليل، مدير مركز الجزيرة للدراسات، لـ «العرب»: إن دولتي الكويت وعُمان اتخذتا موقفاً استراتيجياً مبنياً على المحافظة أولاً على مجلس التعاون الخليجي، وكذلك المحافظة على العلاقات والأواصر الاجتماعية، بالإضافة إلى محاولاتهم تجنّب عدوى ما حدث من دول الحصار مع قطر بأن ينتقل إليهم؛ حيث إن الغزو العراقي للكويت لا يزال حاضراً في أذهان دول الخليج 1990، ومخاوف دولتي عُمان والكويت معلومة ولا تخفى على أحد وليست سراً. وأكد أن جميع الأهداف التي افتعلت من أجلها دول الحصار الأزمة الخليجية لم تتحقق، وبالتالي ووفقاً لما هو متعارف عليه في التحليل السياسي لا بدّ في هذه الحالة على دول الحصار أن تراجع موقفها من الأزمة الخليجية، خاصة أن هذه الدول لم تحصد حتى الآن أي مردود من أهدافها، بل أثبتوا فشلهم لأن موقف قطر واضح منذ اليوم الأول للأزمة وهو عدم التنازل عن سيادتها تحت أي ضغط. أما عن ما أُثير حول انشغال دولة قطر بالأزمة الخليجية على حساب بعض الملفات العربية والإقليمية المهمة، أوضح الخليل أن هناك جانباً من الصحة حول هذا الأمر، ولكن الموقف القطري تجاه بعض الملفات والقضايا لم يتغير، ومنها على سبيل المثال القضية الفلسطينية واعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، فقد استنكرت قطر ذلك علناً وبوضوح، وهناك الموقف القطري تجاه ما يحدث في سوريا والغوطة، كلها مواقف شاهدة على ثبات دولة قطر تجاه ما يحدث في المنطقة. عز الدين عبد المولى: مصر تختلف مع دول الحصار بشأن مواجهة إيران وحزب الله قال الدكتور عز الدين عبد المولى -مدير إدارة البحوث بمركز الجزيرة للدراسات- لـ «العرب» إن الأزمة الخليجية بها عدة مستويات، ومنها المستوى الإعلامي، موكداً أن الهجوم الإعلامي بدأ من دول الحصار، ومن الطبيعي أن دولة قطر ترد على هذا الهجوم بالأدوات الإعلامية نفسها، ولفت إلى أن خفض مستوى التصعيد الإعلامي ربما يُساهم في تفتيت الأزمة مع الوقت، ووضعها تحت دائرة البحث عن الحلول. وأوضح أن هناك تكاتفاً على مستوى كبير من عدة دول لاتخاذ موقف الوساطة لحل الأزمة الخليجية، ولكن كل هذه المبادرات تُقابل دائماً بالتصدي من جهة دول الحصار، وهذا ما يؤخر ثمار هذه الوساطات؛ لأنه لا توجد رغبة حقيقية من السعودية والإمارات بالبحث عن حلول وإنهاء الأزمة، مشيراً إلى أن دولة مصر رسمياً مصطفة مع دول الحصار، وتجلس معهم في الاجتماعات الرباعية، وهي جزء من الإعلانات المشتركة، ولكن هناك العديد من الأمور التي تختلف فيها مصر مع الموقف الخليجي، مثل الموقف المصري الإيراني؛ حيث أعلنت مصر موقفها بعدم رغبتها في مواجهة إيران ومواجهة حزب الله، وهذا مؤشر أن يكون ربما لمصر موقف مغاير في لحظة ما غير محددة تجاه الأزمة المفتعلة ضد قطر. عبدالوهاب الأفندي: دول الخليج كانت صمام أمان للمنطقة قال الدكتور عبدالوهاب الأفندي -عميد كلية العلوم الاجتماعية والإنسانية بمعهد الدوحة للدراسات العليا- لـ «العرب» إن دول الخليج العربي كانت سابقاً صمام أمان للمنطقة العربية بأكملها عبر امتصاص الأزمات، لكن في الفترة الأخيرة وعقب التطورات التي حدثت به، أصبح مصدراً لأزماته. وأضاف الأفندي أن دول مجلس التعاون الخليجي كانت تعمل للاستقرار ولكن بعضها في الآونة الأخيرة اتخذ خطوات سعى بموجبها إلى تغيير الأوضاع في عدد من الدول العربية. وأوضح الأفندي أن الدعم الخليجي في السابق للدول العربية كان لتعزيز أوضاعها، ولتحقيق استقرارها خلافاً للمشهد اليوم، حيث أصبح البعض يدعم الميليشيات على الرغم من صدور قرار في مؤتمر القمة العربي الأخير في الرياض بعدم تسليح الميليشيات. وأكد الأفندي أن هذ التسابق لتسليح الميليشيات في عدد من الدول سيؤدي إلى زعزعة أمن الخليج العربي؛ لأن تورطها في الصراعات في بعض الدول مثل اليمن جعل بعض الأطراف المتحاربة تطلق صواريخها تجاه السعودية والإمارات، ما يهدد اقتصاد هذه الدول التي تعتمد بصورة كبيرة على التجارة والاستثمارات، لافتاً إلى أن التدخلات في ليبيا والصومال، وغيرها ستتبعها ردة فعل دون شك. د. صلاح الزين: لا يمكن التعويل على الموقف الأميركي تجاه الأزمة قال الدكتور صلاح الزين -مستشار بشبكة الجزيرة الإعلامية والمدير السابق لمركز الجزيرة للدراسات- لـ «العرب» إن مجلس التعاون الخليجي فشل في صياغة سياسة خارجية إقليمية موحدة تتبناها دوله الأعضاء، حيث إن كل دولة من دول الخليج اتخذت مساراً مختلفاً عن غيرها فيما يتعلق بسياستها الخارجية، معتبراً أن الأزمة الخليجية فرضت تحديات على مجلس التعاون الخليجي، لم تُوضع لها آليات للتعامل من قبل المجلس. وأوضح أن المجلس سيستمر في وجوده، لكن فقط كإطار هيكلي، أما واقعياً، فهو لم ولن يتمكن من لعب دور حقيقي في حل الأزمة الخليجية، مضيفاً أنه على الرغم من كل هذا ما زالت دولة قطر حريصة على وجود مجلس التعاون الخليجي، إيماناً منها بدوره تجاه العالم العربي والإسلامي. وعن الموقف الأميركي تجاه الأزمة الخليجية، أكد الزين أنه لا يمكن التعويل بقوة على الموقف الأميركي، نظراً لأن التعويل عليه سيحمل بعض المخاطر، نظراً للتباين الواضح في مواقف المؤسسات الأميركية تجاه العديد من القضايا. ونوه بأنه لا يمكن إغفال مخاوف دولتي عمان والكويت من التصرف الذي قامت به دول الحصار تجاه قطر، وافتعال أزمة بهدف التعدي على سيادتها بشكل اتضح للجميع.;
مشاركة :