تتجه الأنظار إلى جلسة «سهرة الثلاثاء حتى فجر الأربعاء»، كما وصفها رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم، لمناقشة ثلاثة استجوابات موجهة – وفق ترتيبها – إلى وزير الكهرباء والماء وزير النفط بخيت الرشيدي، ورئيس مجلس الوزراء سمو الشيخ جابر المبارك، ووزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل وزيرة الدولة للشؤون الاقتصادية هند الصبيح. المؤتمر الصحافي للغانم الذي عقد أخيراً بهذا الشأن حمل رسالة طمأنة للنواب بقوله «لا حل للمجلس»، تفادياً لاستعجال إعلان مواقف «مسبقة» مؤيدة لأيٍّ من الاستجوابات، مما قد يترتب عليه خلط للأوراق والمشهد السياسي مبكراً، وفي الوقت ذاته لتوفير مساحة من الوقت للأعضاء للاستماع إلى مرافعة جميع الأطراف، واتخاذ القرار النهائي على ضوئها. تأتي مناقشة الاستجوابات الثلاثة في يوم واحد، رغم ما تؤكده التجارب السابقة من أن غياب التنسيق النيابي والتزاحم على تقديم تلك المساءلات ومناقشتها في جلسة تمتد إلى فجر اليوم التالي، خطأ استراتيجي ينعكس على جميع الاستجوابات المقدمة، إذ يصعب على النواب متابعة محتوى كل منها وتقييمه. وبعيداً عن التوقيت، فإن مواجهة الاستجوابات بشكل عام تحمل شقين؛ فني وسياسي، فالأول يحاول تفنيد الاتهامات والمخالفات الواردة في المحاور، والآخر يسعى لكشف الدوافع التي وضعت الوزير على المنصة، بمحاولة وضعها في إطار الاستفادة المصلحية المحدودة لا العامة، وهو السيناريو المتوقع أن يلجأ له الوزراء المستجوبون في جلسة بعد غدٍ. ولعل استجوابَي حمدان العازمي وصالح عاشور الأكثر وضوحاً في دوافع تقديمهما، وما تعدد المحاور إلا محاولة لإخفاء الجوانب الشخصية في أسباب المساءلة، ويُستدل على ذلك بتصريحات النائبين نفسيهما، لا التحليل في قراءة المنطلقات، فالأول أعلنها صراحة: إما «دوائر البلدي» ورفع الظلم عن قبيلة العوازم، أو استجواب سمو الرئيس، والثاني وضع شرطاً لتفادي مساءلة الصبيح، وهو إلغاء قرار حل جمعية الثقلين الخيرية – التي يترأس مجلس إدارتها - وإلا فصعود المنصة. كلا النائبين يدرك أن مجرد تقديم الاستجواب- بغض النظر عن نتائجه- يحقق له النجاح المطلوب على مستوى قاعدته الانتخابية، أما الوصول إلى مستوى عدم التعاون وطرح الثقة فتلك مكاسب إضافية مرحب بها، بل إن جنوح مساءلته باتجاه «القبلية» و«الطائفية» قد يسقط الاستجواب، ولكنه سيخدمه سياسياً في دائرته الانتخابية، إذ تغلب عليه الأهواء السياسية لا القضايا الفنية. وعلى نقيض استجوابَي المبارك والصبيح، فإن استجواب الوزير بخيت الرشيدي يعد من الاستجوابات الفنية العميقة في قضاياها، وإن كانت معظم الملفات حدثت في عهود سابقة على تولي الرشيدي حقيبة «النفط» ولا يُسأل عنها سياسياً، إلا أن استمرارها وعدم معالجتها يضعانه تحت طائلة الاستجواب، وفق ما يرى النائبان المستجوبان عمر الطبطبائي وعبدالوهاب البابطين. ولكن هل فترة الأشهر الثلاثة منذ تولي الرشيدي حقيبة النفط كافية لإصلاح ما جاء في الاستجواب من مخالفات وملاحظات فنية، ارتبطت بأفعال باتت لها مراكز قانونية مختلفة؟ لماذا استعجل النائبان في تقديم الاستجواب بينما تريثا كثيراً في الحكومة السابقة؟ لقد وجّه الطبطبائي إلى وزير النفط السابق عصام المرزوق أسئلة مشابهة في مارس من العام الماضي، وهدد بتفعيل أداة الاستجواب، وكرر التهديد في سبتمبر وأكتوبر الماضيين، إلا أن الأمر لم يصل إلى مرحلة التطبيق. ويقول محللون إن تردد الطبطبائي في استجواب المرزوق كان لسببين: أولهما كفاءة الوزير في إدارة القطاع النفطي ومتابعة ملفاته، واتضح ذلك في ردوده على النائب في جلسة عامة خلال مناقشة الأسئلة، والآخر هو النظر لما قد يترتب على الاستجواب من أثر انتخابي سلبي على النائب، وهو ما لا يتحقق في مساءلة الوزير الرشيدي. صياغة صحف الاستجوابات أخيراً أخذت أبعاداً سياسية وانتخابية أكثر منها رقابية مرتبطة بمصلحة عامة، فزج القضايا الشعبوية في المحاور هدفه تحقيق الإثارة الإعلامية من المستجوِبين لاستقطاب التأييد الشعبي أولاً، وإحراج زملائهم النواب ثانياً، فمن الملاحظ أن التهديدات بالاستجوابات تبدأ بقضية محددة لتنتهي الصحيفة بملفات مفتوحة.
مشاركة :