يبدو أن تقليداً عريقاً اعتمدته الإدارة الأميركية لأجيال، في طريقه إلى الزوال، وهو المؤتمرات الصحافية التي ينظمها البيت الأبيض. إذ مرّت أكثر من سنة على عقد الرئيس الأميركي دونالد ترامب مؤتمراً صحافياً هو الوحيد، أُعدّ على عجل ودام 77 دقيقة، انتقد خلاله وسائل الإعلام ودافع عن مستشاره للأمن القومي، قبل أن يعزله، مصرّاً على نفي أي صلة لحملته بـ «تدخل» روسي في انتخابات 2016. ويعتمد ترامب لقاء الصحافيين في جلسات غير رسمية، يرى مساعدوه أنها تمنح هؤلاء فرصة الحصول على معلومات من الإدارة الأميركية، بسهولة لم تكن متوافرة مع الإدارات السابقة. وفي هذا الشأن تقول سارة هوكابي ساندرز، الناطقة باسم البيت الأبيض، إن «التواصل مع ترامب أسهل بكثير ممّا كان عليه مع سابقيه»، مشيرة أنه «غالباً ما يتلقى أسئلة من الصحافيين»، ولكن في «مناسبات محددة تُدعى إليها مجموعة مختارة منهم، كما يجيب عن أسئلتهم في حديقة البيت الأبيض، لدى مغادرته أو عودته إليه». وتتيح هذه الصيغة لترامب مزيداً من السيطرة، إذ يمكنه تجاهل أسئلة لا يستسيغها، وتفادي نقاشات تميّز المؤتمر الصحافي التقليدي. فقبل أيام، أجاب عن أسئلة صحافيين في شأن ملفَي كوريا الشمالية وإيران، في المكتب البيضاوي، ولكن عندما سُئل عن تهديده بالتدخل في عمل وزارة العدل، أجاب بعبارة «شكراً لكم»، منهياً الجلسة. وتقول مارغريت تالييف، رئيسة جمعية مراسلي البيت الأبيض، إن الجمعية «ترحب بانفتاح ترامب على اللقاءات الصحافية غير الرسمية في المكتب البيضاوي، وفي مواقع غير تقليدية». واستدركت معربة عن خيبة «نتيجة رفضه المشاركة في مؤتمرات منتظمة، تساعد الجمهور على فهم أعمق لما يفكر به، وتُظهر شفافية ومساءلة، وتمكّن الصحافيين من طرح أسئلة الرأي العام». وكان لافتاً أن ترامب انتقد، خلال حملته الانتخابية، منافسته الديموقراطية هيلاري كلينتون، مشيراً إلى أنها «لم تعقد مؤتمراً صحافياً منذ أكثر من 7 أشهر». وبرّر ذلك بأن «سجلها سيء جداً، ولا يمكنها الإجابة عن أسئلة صعبة». وتُظهر سجلات السنة الأولى للرؤساء الأميركيين، أن باراك أوباما عقد 11 مؤتمراً صحافياً، وجورج بوش الابن 5، وبيل كلينتون أكثر من 12، في مقابل مؤتمر صحافي واحد لترامب. وتلفت كاتي تاونسيند، مديرة التقاضي في لجنة «مراسلون من أجل حرية الصحافة»، إلى أن البيت الأبيض «ليس ملزماً قانوناً عقد مؤتمرات صحافية»، مستدركة أنه «تقليد يخدم الجمهور». لكن آري فلايشر، الناطق باسم جورج بوش الابن، رأى «فائدة ضئيلة يجنيها البيت الأبيض من المؤتمرات الصحافية، إذ يمكن الرئيس التواصل مع الناس بطرق أخرى». وأشار إلى أن بوش لم يكن من المعجبين بهذا التقليد، بل كان يشكو من أن المراسلين الصحافيين «يستغلّون» المناسبة، ليسلطوا الضوء على أنفسهم، لا على الرئيس. وعندما سأله صحافيون عن اتصالات بين حملته الانتخابية وروسيا، في مؤتمره الصحافي اليتيم العام الماضي، حرّف ترامب السؤال، ليتحدّث عن «تسريبات غير قانونية» و «تغطية إعلامية غير شريفة»، وزاد: «خرجت الصحافة عن السيطرة، وخرج مستوى خيانة الأمانة عن السيطرة». وبعدما «طلب» من أحدهم أن «يجلس»، قال: «سيقولون إن دونالد ترامب يصرخ ويهاجم الصحافة. لكني لا أفعل ذلك. أنت تدرك أنك شخص غير شريف».
مشاركة :