المنتجات المتوافقة مع أحكام الشريعة.. نقطة في المحيط

  • 5/1/2018
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

طارق قاقيش * لا يزال الجزء الأكبر من الاهتمام في المنطقة ينصب على المنتجات التقليدية حتى يومنا هذا. ومؤخراً، توجهت الميول أكثر نحو رأس المال المغامر والأسهم الخاصة والشركات الناشئة القائمة على التكنولوجيا.لا شك في أن قطاع الخدمات المالية المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية ينمو بوتيرة أسرع من قطاع الخدمات التقليدية، ولكن هذه الزيادة لا زالت تشكل غيضاً من فيض. ويأتي معظم الطلب على المنتجات المتوافقة مع الشريعة من الشركات التي تلتزم في تعاملاتها بأحكام الشريعة الإسلامية، مثل التأمين الإسلامي (تكافل) والبنوك. أما المستثمرين الذين يمتلكون أرصدة مالية ضخمة والمستثمرين من الأفراد، فلا يزالون يتعاملون بمرونة من خلال التركيز على تعويض المخاطر بالعائد.إذا تعمقنا في الوضع أكثر، فسنجد أن ثروات الدول الإسلامية تمثل نسبة كبيرة من الثروة العالمية. ومع ذلك، فإن السبب وراء قِلّة تدفق الثروات الضخمة إلى قطاع المنتجات المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية هو الافتقار إلى توحيد المعايير فيما بين الدول والعلماء، وغياب التنافسية بين المنتجات، فضلاً عن عدم تقديم مجموعة متنوعة من المنتجات وغياب فعالية التكلفة. يسلّط هذا المقال مزيداً من الضوء على التغيّرات التي يشهدها العالم، وكيف أن معظم حكومات الدول الإسلامية تنظر إلى ما هو أبعد من المنتجات المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية.لنبدأ بوضع الأمور في نصابها الصحيح ونكشف الستار عن بعض الحقائق التي ترشد القراء في رحلة التعرّف إلى طبيعة هذا القطاع. يضم العالم 195 دولة، من بينها 62 دولة إسلامية تعداد سكانها قرابة 1.8 مليار نسمة أو 24% من عدد سكان العالم. ومن بين أكبر 10 دول منتجة للنفط في العالم، تقدم الدول الإسلامية 44% من الإنتاج و57% من المخزون الاحتياطي. وفي وضع مماثل في قطاع الغاز؛ حيث تشكل الدول الإسلامية 24% من الإنتاج و56% من المخزون الاحتياطي.إذا نظرنا إلى 15 من أكبر صناديق الثروة السيادية في العالم، فسنجد أن أربعة منها من منطقة الخليج، وتمثل 24% من إجمالي الصناديق. وهناك فجوة اقتصادية ضخمة بين الدول الإسلامية، في حين تحقق قطر أعلى ناتج محلي إجمالي للفرد بلغ حوالي 145,000 دولار على مستوى العالم، هناك 25 دولة إسلامية تحقق أقل من 2000 دولار. علاوة على ذلك، يتركز توزيع أصول التمويل الإسلامي على الأعمال المصرفية الإسلامية بنسبة 73% تقريباً، تليها الصكوك بنسبة 16%، بينما لا تزيد الصناديق الإسلامية على 4%، وفقاً للإحصاءات التي وردت في عام 2016 عن شركة «بي دبليو سي».يبدو جلياً أن تدفقات الأموال إلى صناديق إدارة الأصول التقليدية ليست قادرة على مجاراة ركب التمويل الإسلامي، ولا تستحوذ على الثروة الضخمة التي تنعم بها بعض الدول الإسلامية الغنية. لقد بلغت قيمة الثروات الخاصة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا 8.1 تريليون دولار أمريكي في عام 2016 وفقاً للبيانات الصادرة عن مجموعة بوسطن الاستشارية. وتشهد الأصول الخاضعة للإدارة (AuM) نمواً معتدلاً؛ حيث حققت معدل نمو سنوي مركب بلغ 2.4% في الفترة بين 2012 و2016، وتتمركز أنشطة القطاع بشكل كبير في السعودية وماليزيا؛ إذ تستحوذان على 68% من إجمالي الأصول الخاضعة للإدارة. ويبلغ صافي التمويل الإسلامي 2.2 تريليون دولار وفقاً للبيانات الصادرة عن بنك «أل فندز».تتغير توجهات السوق العالمي والمستثمرين على الدوام. وتُعتبر بعض هذه التغييرات إيجابية، ولكن هناك تغييرات أخرى ليست كذلك؛ ما يضع مزيداً من الضغط على الحلول المالية الإسلامية. وهناك معتقد خاطئ بأن المنتجات الإسلامية أكثر أماناً عن المنتجات التقليدية. ومع ذلك، مثلما هي الحال مع أي استثمارات تقليدية أخرى، فإننا نشهد المزيد من حالات التعثر، مثل الوضع الذي واجهته شركة دانة غاز مؤخراً. دانة غاز هي شركة مساهمة عامة تضطلع بأعمال البحث عن الغاز الطبيعي واستخراجه في مصر والعراق بصورة رئيسية، وقد واجهت مؤخرًا عجزًا فنياً عن سداد مستحقات صكوكها التي بلغت قيمتها 700 مليون دولار.يكتسب المستثمرون الذين يمتثلون لأحكام الشريعة الإسلامية وعياً متزايداً بأن المخاطر لا تقتصر على المنتجات المالية التقليدية فحسب؛ ما يعني أن المنتجات الإسلامية تستدعي اهتماماً وحذراً مماثلاً من المستثمرين. ومن العوامل الأخرى التي ربما تركت أثرها في الانجذاب نحو المنتجات المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية والتي ظهرت مؤخراً؛ هو خوف المستثمرين من أن يُوصموا بأنهم محافظون (أصوليون)؛ أي لديهم تعاطف مع الجماعات غير المرغوب فيها.وعلى صعيد آخر، تشهد الأسواق العالمية تغييرات سريعة ويلزم على المستثمرين التصرف بسرعة أكبر من ذي قبل أو سيفوتون على أنفسهم العديد من الفرص. لقد أصبح الاستثمار في التكنولوجيا في مرحلة بداية المشروع أمراً مألوفاً وضرورياً للحكومات التي تطمح لمواكبة تطورات العصر. وعلى الرغم من أنه يتعذر علينا تصنيف ما إذا كانت تلك الاستثمارات متوافقة مع أحكام الشريعة أم لا، فإنه وفقاً لطبيعة الأعمال، تجد الأسهم الخاصة ورأس المال المغامر والشركات الناشئة فرصة كبيرة لتمرير عوامل تصفية للمنتجات المالية المتوافقة مع أحكام الشريعة. وقد كانت هناك العديد من الصفقات عالية المستوى التي أبرمتها صناديق سيادية في الخليج، مثل صندوق الاستثمارات العامة السعودي (PIF) الذي يستثمر 3.5 مليار دولار في شركة أوبر، فضلاً عن أنه أودع 45 مليار دولار لدى صندوق رؤية سوفت بنك. وتهدف صفقة صندوق الاستثمارات العامة مع سوفت بنك إلى التركيز على الاستثمار في الشركات التكنولوجية التي تمثل المستقبل. وقد حذت دولة الإمارات العربية المتحدة حذو السعودية، حيث تستثمر 15 مليار دولار في صندوق رؤية سوفت بنك، وقامت بافتتاح مكتب لها في سان فرانسيسكو لإدارة استثمارها.إن المجال مفتوح أمام إدخال تحسينات على قطاع المنتجات المتوافقة مع أحكام الشريعة. غير أن هذا الأمر يستدعي وضع بعض الحلول الموحدة في سبيل إتاحة الفرصة أمام القطاع لجذب المزيد من المستثمرين والتنافس على نطاق عالمي. وهناك مجموعة ضخمة من الاستثمارات التي يمكن توجيهها إلى قطاع المنتجات المتوافقة مع أحكام الشريعة، ولكن لا تتم ترجمة هذه الاستثمارات إلى أرقام واقعية. يمثل التمويل الإسلامي البصمة الناجحة حتى الآن داخل قطاع الاستثمارات المتوافقة مع الشريعة. وفي ملاحظة أخيرة، وهنا أقتبس عنواناً رئيسياً في صحيفة «ذي إيكونوميست» بتاريخ 12 سبتمبر 2014، الذي يلخص في رأيي المسألة برمتها في كلمات معدودة: «الطلب كبير، لا يوجد طلب على الإطلاق». * مدير إدارة الأصول في «ميناكورب»

مشاركة :