يضعون غلّتهم كلها وما كسبت أيديهم في سبيل أن يُيَمّموا وجوهم. لتراهم ضحىً عن بكرةِ أبيهم، زرافاتٍ ووحدانا، وهم يتّخذون لأولهم وآخرهم من «دبي» قبلةً لأعيادهم!. وآخرين منهم أولئك الذين يحجّون: «دبي» في كلّ شهرٍ مرةً أو مرتين، مفردين تارةً وفي الأخرى تَراهم قارنين، أولئك: «المتمتعون» في كلّ حالاتهم فاحذرهم، همُ الذين يقولون لا تنفقوا على ما في السعودية من سياحةٍ وآثار. ذلك وأنّ منهم «شيباناً» وعجائز مدبرين، ولئن عاد أحدهم إلى بلده، يومَ يعود كيوم ولدت أمّهُ، فإنه لا ريب: سيعود فقير جيبٍ، وثالث لا مرحباً به، ولبئس ما كان يصنع.! كبُر مقتاً عند: «الوطن» أن تقولوا ما لا تفعلون، وذلك مَثَل: «السعوديين» في الإجازات، مثلِ الزّرع أحرج شطته فآزره، و ما إن يخرج نباته/راتبه فيستوي على سوقه حتى يذرو حصادهُ في بيدر بسرف مَن لا يخشى الفاقة، و: «دبي» ياسادة.. ما هي إلا تلك الدار التي لا تنفك عن التهام ما بجيب كل حَيٍّ، ثم لا تلبث -دارُ كلّ حي- مِن أنْ تردّه عنوةً إلى دارِه: «مُنتّفاً» لا حياةَ فيه إلا مِن رمقٍ يمكن أن يكفيّهُ لممارسةِ عشقه الأزلي، حيث يشتغل بقية عامه كالنائحة بلا أجر، إذ يولول حسرةً في ندب حظّ : «الفواتير» الواقفة دوماً له بالمرصاد، وإذا ما حلّ وجعُ المساء رأيتَهُ يلطمُ الخدّ جزعاً من أجرةِ سكنٍ لا قِبَلَ له بها، فيما يُمضي هزيعه الأخير من الليل كالمصروع، يذرع سطح بيته جيئة وذهاباً وزوجته-المغلوب على أمرها- تجري خلفه.. غير أنّها -بسبب الحمل- تعجز عن مجاراته ركضاً، وحينذاك لا تجدُ بُدّاً من أن تقعد مكانها جراء إعياء لهثها، ولأنها تحبُّ -هذا الدّاشر- فقد ألفت نفسها مضطرةً مِن أن تشاطره ليلته المتخمة مناحةً، بحيث كان نصيبها لطم الصدر وشق الجيب، في الأثناء التي يستأنف الزوج -لحنه الشجي- في صَبّ صوته بمقام المخالف -أكثر المقامات العراقية حزناً- وينقضي ليلهم كله وأنت لا تسمع إلا الزوج منادياً: (وآرااتبااه.. وآرااتبااااه.. وآآرااتباااه .. ألا يا ليتني قد صُنته عن تحقيق رغباتي وملذّاتي.. ولم أنفقه إلا فيما كان ضرورياً من حاجاتي، ألا ليت دبي محرّمة علينا كأورشليم -ثم عقّبت زوجته: وحرّم عليه يارب غيرِي من الحريم -التفت إليها بعين محمرّة من الغيظ وقال: استغفري يا مره!) وراح يكمل مناحته: (ألا يا ليتني كنت مهموما بمطالب السكن.. ومنشغلاً بسؤال التأمين الصحي إلحاحاً وطلبا.. لقد كنتُ أظنّني ذا عقلٍ وإذ به قد هربا.. ) وفجأة اعترته انتفاضة المحموم فصرخ: (يا ليتني كنت راشداً فأربأ بعقلي أن يؤجر للمتوترين.. يا ليتني كنت في معيّة العاقلين.. يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزاً عظيما..).
مشاركة :