خمسة أيام هي الفترة المتبقية أمام الأحزاب والقوى السياسية في لبنان لحشد الناخبين، قبل فتح مراكز الاقتراع صباح الأحد المقبل، في انتخابات برلمانية طال انتظارها 9 أعوام. تبدو القوائم الانتخابية المتنافسة في الانتخابات اللبنانية المقررة في 6 الجاري، في سباق مع الوقت لتأمين ما يكفي من أصوات لحصد المقاعد النيابية، في ظل تعقيدات جديدة فرضها اعتماد النظام النسبي، للمرة الأولى في تاريخ لبنان، مما يجعل الأحزاب والقوى السياسية، لا سيما التقليدية منها، أمام تحدٍّ غير مسبوق، قياسا إلى ما كانت عليه الحال، في ظل نظام الأكثرية، الذي اعتمد في كل الجولات الانتخابية التي شهدها لبنان. على هذا الأساس، لم تعد أي لائحة انتخابية، بما في ذلك تلك التي تتمتع بشعبية هائلة، بما فيها قائمة الثنائي الشيعي («حزب الله» و»حركة أمل»)، مطمئنة إلى قدرتها على اكتساح المقاعد، في ظل وجود منافسين يتمتعون بفرص عالية لتحقيق خرق في هذه الدائرة أو تلك، وهي الميزة التي يوفرها لهم النظام النسبي، الذي تحتسب فيه المقاعد الفائزة، حسب نسبة الأصوات التي تحصل عليها اللائحة، وليس على أساس الأكثرية المطلقة. الحاصل ولهذا السبب، فإن «القوائم الكبرى»، أي تلك التي تتمتع بكتلة واسعة من الناخبين، تبذل جهوداً هائلة في سبيل حشد الناخبين على المشاركة في الانتخابات، بهدف رفع «الحاصل الانتخابي» (عدد المقترعين مقسوماً على عدد اللوائح)، وهي عتبة التمثيل الكفيلة بإقصاء القوائم الصغير من المنافسة. وعلى سبيل المثال، فإن دائرة مثل النبطية - بنت جبيل - مرجعيون وحاصبيا، التي تشكل الخزان الانتخابي لحركة «أمل» و«حزب الله» في الجنوب، كانت توفر في الانتخابات السابقة للثنائي الشيعي، القادر على اكتساح المقاعد بشكل ساحق في ظل اعتماد النظام الأكثري، وهي تضم 11 مقعداً، وتتنافس فيها اليوم ستة لوائح، أهمها لائحة «الوفاء والأمل» (لائحة الثنائي الشيعي). ووفقاً لإحصاءات وزارة الداخلية، فإن عدد الناخبين المسجلين في هذه الدائرة يبلغ نحو 452 ألفاً، ففي حال بلغت نسبة التصويت، كما جرت العادة، 46 في المئة، سيكون الحاصل الانتخابي 21 ألف صوت، ينبغي على كل اللائحة الصغيرة أن تحصل عليها لكي تستمر في السباق، وبالتالي ستكون من بين مهمات اللائحة الكبرى قطع الطريق عليها، من خلال زيادة نسبة المشاركة إلى نحو 50 في المئة، على أقل تقدير، وبالتالي رفع الحاصل الانتخابي، أو عتبة التمثيل، إلى 23 ألف صوت. الأمر ذاته، ينطبق على دائرة بيروت الثانية، التي ستشهد «أم المعارك» بالنسبة إلى تيار «تيار المستقبل» الذي يتزعمه رئيس الوزراء سعد الحريري، الذي تواجه لائحته منافسة شرسة من ثماني لوائح أخرى. وحسب إحصاءات وزارة الداخلية، فإن عدد الناخبين في هذه الدائرة، التي تضم 11 مقعداً، يبلغ نحو 346 ألفاً، وبالتالي في حال بلغت نسبة التصويت 27 في المئة، كما كانت الحال في انتخابات عام 2009، فسيكون الحاصل الانتخابي صغيراً (10 آلاف صوت)، على النحو الذي يسمح بفوز عدد من القوائم المنافسة، وبالتالي فإن «تيار المستقبل» سيعمد بالتأكيد إلى حشد الناخبين لرفع نسبة المشاركة إلى 40 في المئة على الأقل، ليرفع الحاصل الانتخابي إلى 13 ألف صوت، وبالتالي يقطع الطريق أمام العدد الأكبر من القوائم المنافسة، التي لن تتمكن من تجاوز عتبة التمثيل. وفي العموم، فإن لعبة الحاصل الانتخابي تشكل التكتيك الأفضل بالنسبة إلى «القوائم الكبيرة» لتحصين نفسها من المنافسة القوية، التي تشهدها الانتخابات الحالية، مع وجود 77 لائحة في 15 دائرة انتخابية. «التفضيلي» لكن «الحاصل الانتخابي» ليس التحدي الوحيد بالنسبة إلى اللوائح المتنافسة، فالقانون الانتخابي الحالي اعتمد نظاماً خاصاً لتوزيع المقاعد بين اللوائح الفائزة، على أساس طائفي ومناطقي، عبر ما يسمى «الصوت التفضيلي». ومن خلال النظام الأكثري السابق، كان الناخب يشكل لائحته الخاصة، عبر شطب بعض أسماء المرشحين في اللائحة التي يختارها، واستبدالها بمرشح أو أكثر من اللوائح المنافسة. أما في النظام النسبي، المعتمد حالياً، فإن الناخب لن يتمتع بهذا الخيار، إذ ينبغي عليه التصويت للائحة واحدة، مع اختيار مرشح محدد ضمنها، لمنحه «الصوت التفضيلي». وفي بلد مثل لبنان، حيث التمثيل الطائفي يلعب دوراً حاسماً في الحياة السياسية، فإن كافة استطلاعات الرأي تشير إلى أن الناخبين سيمنحون أصواتهم التفضيلية على أساس المذهب أو الطائفة. ولكن الأخطر في الأمر، هو أن «الصوت التفضيلي» قد نقل المنافسة الانتخابية إلى داخل اللائحة الواحدة، إذ يُسجل في معظم الدوائر الانتخابية أن كل مرشح يعمد منفرداً لتأمين أكبر عدد ممكن من الأصوات التفضيلية، وذلك على عكس الانتخابات الماضية، حيث كان العمل ينصب للائحة ككل. وعلى هذا الأساس، فإن «الصوت التفضيلي» قد ساهم كثيرا في إرباك المشهد الانتخابي عبر تشتيت التحالفات السياسية من جهة، وجعل المرشحين «الحزبيين» يشعرون بالخطر، أمام تقدم مرشحين آخرين، معظمهم من رجال الأعمال، الذين يتمتعون بقدرات مالية هائلة. رشا انتخابية وقبل أيام قليلة من الانتخابات، كثر الحديث عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي عن رشا انتخابية، سواء كانت رشا مالية مباشرة أو من خلال استغلال النفوذ لتقديم خدمات معينة. علاوة على ذلك، فإن عددا من الناخبين يشيرون إلى أن الماكينات الانتخابية للمرشحين تتصل بهم طلباً لتأييد مرشح بعينه، وليس اللائحة ككل. هذا الأمر دفع بالرئيس اللبناني العماد ميشال عون نفسه إلى انتقاد الصوت التفضيلي، حسبما قال في رسالته إلى اللبنانيين عشية تصويت المقيمين في الخارج، الأسبوع الماضي، إذ قال إن «الأمر السيئ الوحيد في قانون الانتخاب هو الصراع الذي نشأ داخل اللائحة الواحدة للحصول على الصوت التفضيلي، وهذا لا يعود للقانون إنما للمرشحين». ومع ذلك، فإن ثمة من يعتقد بأن «الصوت التفضيلي» قد يمهد لمفاجآت انتخابية تجعل الطبقة السياسية في البلاد أمام تحد حقيقي يجعل «حقل» القانون الانتخابي مختلفاً عن «بيدر» توزيع المقاعد بين الأصوات، بما يفتح كوّة في جدار التغيير بالحياة السياسية في لبنان، فالقانون النسبي سيكشف الأحجام لكل الأحزاب والقوى والشخصيات السياسية ومدى تمثيلها، أما «الصوت التفضيلي» سيفرض أثره الكبير في ذلك، لجهة إضفاء عنصر خاص على المعركة الانتخابية يعيد رسم الخريطة النيابية في البرلمان الجديد. تنبيه أممي من سخونة الأوضاع في المنطقة كشفت مصادر مطلعة أن قائد قوات "اليونيفل" العاملة في الجنوب الجنرال مايكل بيري، ركز في لقائه مع رئيس الجمهورية العماد عون، أمس الأول، على عوامل الاستقرار، وسط امتلاكه معلومات تتيح له التخوف من تطورات في المنطقة. وأكد الجنرال بيري أن جاهزية "اليونيفل" قد رفعت لأقصى الدرجات، وأن هناك تنسيقا يتم بين الجانبين لكل التفاصيل.
مشاركة :