كيف تنشئ طفلاً سوياً من الناحية النفسية؟

  • 5/3/2018
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

على الوالدين أن يشعرا طفلهما بأنهما قريبان منه (بيك ستوك) يتعلّم الأطفال من خلال التفاعل مع عائلاتهم، وتحديداً مع والديهم، كيفية التعرّف إلى الحاجات والمشاعر والقيم والتواصل الصحي مع الذات ومع الآخرين. ولهذا فإن كيفية التواصل مع الأبناء أو مع الآخرين أمام الأبناء، أمر بالغ الأهمية لتشكيل هويتهم، ونموّهم الشخصي والانفعالي. إن ارتكاب الأخطاء أو الوقوع في المطبات أمر لا بدّ منه في التربية، إلا أن ما يميز والداً/ والدة عن الآخرين، هي القدرة على اكتشاف الأخطاء التي يرتكبها أثناء تربيته لأبنائه، وتصحيح هذه الأخطاء، بطريقة تساعد على تحقيق نمو نفسي واجتماعي وجسدي صحي لهم. تقوم الوالدية الإيجابية على اختيار الأسلوب التربوي أو الوالدي المناسب لكل طفل، باعتباره فرداً مميزاً عن الآخرين، له حاجاته، وطبيعته، وشخصيته الفريدة، وتلبية حاجاته في ضوء تفرّده واختلافه، ومراجعة أساليب العناية والرعاية الوالدية، في شكل يضمن نمواً انفعالياً وجسدياً سوياً. إن مشكلات سلوكية ونفسية واجتماعية كثيرة يقع فيها الأطفال وحتى البالغون، ليست سوى نتاجاً لطريقة تربية ومكتسبات طفولة لم يتم التعامل معها في شكل سوي، وخبرات لم تصحح في مرحلة الطفولة، وبالتالي فإن ما يعيشه الشباب والبالغون اليوم، هو ربما ما كان في الأمس خطأ تربوياً لم يكترث له الأبوان، ولم يعملوا على تصحيحه. أُولى الممارسات التي تضمن تنشئة أبناء أسوياء نفسياً، أن يشعر الوالدين في حاجات أبنائهم ومزاجهم، ولا يعتمدوا على دور رد الفعل، أي الاستجابة حين يطلب منهم الطفل شيئاً، وإنما أن يكونا حساسيّن لحاجاته ومشاعره، ويُشعرا الطفل بأنهما قريبان منه، ويستجيبان له، فضلاً عن تمضية وقت نوعي كافٍ معه، للاستماع إليه، واللعب معه، أو دعوته إلى رحلة خاصة، أو قراءة كتاب معه، أو حتى مرافقته إلى السينما، وأن يكون الوالدان على اطلاع دائم على ما يشعر ويفكر فيه. وعلى القدر عينه من الأهمية، تأتي أهمية السماح للطفل بالتعبير في شكل منفتح وآمن ومُتقبّل عن المشاعر والأفكار والملاحظات التي يفكّر فيها، وما ينبغي أن يُقابل به هذا التعبير، هو الاحترام والتقبّل، والتعاطف، والتعامل مع الملاحظات في شكل جيد وفيه احترام، وإجابات واضحة، ولا يجوز إعطاءه إجابات غير مقنعة أو غير واقعية، لأنه سيدرك أنه لم تتم إجابته في شكل صحيح. وسيبقى يبحث بنفسه حتى يجد من يحترم مشاعره أو يستغلها، أو يجيبه في شكل غير صحيح وغير آمن، أو أنه سيتعلّم عدم البوح بمشاعره، وأفكاره، ما يؤثّر في نموه النفسي والعقلي، وتقديره لذاته. كما يعد إظهار الاحترام، لكلام الأطفال ومشاعرهم، أمراً في غاية الأهمية، حتى وإن لم نتفق مع ما يقولون، فمجّرد الاستماع باهتمام، والاستجابة بلطف واحترام، وإبداء رأيك من دون سيطرة أو فرض، ومن دون انتقادات تدمّر احترامهم لذواتهم وأفكارهم، تعلّمهم التعامل مع الآخرين بهذه الطريقة، كما أنها تُشعرهم باهتمامك واحترامك لهم، وتمنحهم بالتالي فرصة نمو نفسي وذهني ثمينة. ويأتي في هذا السياق أيضاً تعزيز السلوك الجيد للأبناء، والثناء عليه، وتوضيح العواقب السلبية للسلوك غير المستحب، مع توضيح أن المكروه هو السلوك السلبي وليس الطفل، أي ألا أكرهك عندما تخطئ، فالحب بين الآباء والأبناء لا يتأثر بالسلوك السلبي الذي يمارسه أحدهما، وإنما أبغض السلوك الخاطئ الذي قمت به، والذي أومن أنه يمكنك تغييره. إحدى الأخطاء الخطيرة التي يقع فيها الأبوان، هي عدم السماح للطفل بالتعبير عن مشاعر الحزن والغضب والخوف والقلق، أو حتى الفرح، وذلك بقول: لا تبك، أو لا تخف، أو لا تغضب. فيتعلّم الطفل أنه ليس من حقه أن يشعر، أو أن مشاعره ستكون محط إهمال أو سخرية أن نقد، ما يسهم في شكل كبير في تحطيم تقديره لمشاعره، وذاته، بينما يؤدّي احترام مشاعره والتأكيد على حقه في التعبير عنها، إلى شعوره بأنها موضع تقدير، وبالتالي لن تبقى مكبوتة وتضغط عليه أمداً من الزمن. لا يجب أن تكون مشاعر الطفل منطقية، وفقاً لمقاييس الوالدين، ولا يجب على الوالدين «إصلاحها». بدلاً من ذلك، عليهم طمأنة الأطفال وتهدئتهم، كما لا بد من التأكيد على عدم حريته في التصرّف بناء على هذه المشاعر. أن أكون غاضباً من شخص فهذا حقي، ولكن ليس من حقي أن أضربه أو أشتمه أو أهدده، على الأبوين تعليم أطفالهم كيفية إدارة مشاعرهم في شكل صحيح وإيجابي. من المهم أيضاً، لضمان صحة نفسية سوية للأطفال، أن تُحترم حدودهم وخصوصيتهم، وهذا يبدأ من احترام أقوالهم ومشاعرهم، وعلى الأبوين أن يعووا أن الاعتداء اللفظي على الطفل أو شتمه أو التجسس على خصوصياته، من دفاتر وأوراق، وحسابات إلكترونية، هي انتهاك لخصوصيته. سيتعلّم الطفل من احترام والديه لخصوصيته وحدوده أنه شخص جدير بالاحترام، وسيشعر بالأمان. كما سيتعلم أن يتعامل باحترام مع خصوصيات والديه وخصوصيات الآخرين. وما يؤثّر في النمو النفسي السوي للطفل، اتخاذ القرارات نيابة عنه، أو القيام بالمهام التي يفترض أن يقوم بها هو، ويأتي ذلك نتيجة عدم معرفة أو إدراك الأهل للمهارات التي يجب أن يتقنها الطفل في كل مرحلة عمرية. وبالتالي يقوم الأهل إما بفرض سيطرتهم واتخاذ القرار عن الطفل، أو نفاداً لصبرهم، أو عدم ثقتهم بأنه يستطيع القيام بالمهمة، أو خوفاً عليه. وتؤدّي هذه الخيارات إلى فقدان الطفل للثقة بقدرته على إنجاز المهمات، ويؤثر في استقلاليته وقدرته على القيام بالمهام في شكل صحيح. على الأهل أن يعلّموا أطفالهم آليات اتخاذ القرارات وحلّ المشكلات، وتحديد البدائل وتوقّع النتائج، عوضاً عن القيام بالمهمات عنهم. إن مقاومة الأطفال لسيطرة الأبوين عليهم هي ممارسة طبيعية، في طريق استقلالهم وبناء شخصياتهم، وليس تمرّداً أو سلوكاً يجب قمعه، بل يجب دعمه وتعزيزه. تحدث الخلافات الوالدية في أحيان كثيرة بسبب عدم وجود قواعد محددة، يستطيع الطفل تنبؤها أو توقّع نتائج سلوكه الخارق لها، وعندما يتعرّض لعقاب بسبب سلوك لم يتم تنبيهه إلى قواعده، مثل موعد التواجد في البيت مساء مثلاً، ويتعرّض للعقاب بسبب تأخّره، فسيفقد ثقته بوالديه، وسيشعر بأنه يعيش في بيئة غير عادلة وغير آمنة، ولا توجد فيها قواعد. كما أن العقوبة، في حال كانت هناك عقوبات، يجب أن تنسجم مع حجم الخرق الذي ارتكبه الطفل، ومع وجود قاعدة أو عدم وجودها، ففي حال عدم وجود قواعد فإنه لا يحق للوالدين اتخاذ إجراء بحق سلوك الطفل، لأنه حينها يُعتبر إجراء تعسفي، ويؤثر في الطفل، كما يؤثر في علاقته بوالديه. إنّ الكثير من الحب والاهتمام والرعاية لا يمكن أن يفسد الطفل، هذه متطلّبات نفسية وانفعالية أساسية على الوالدين تقديمها له. إنّ ما يُفسد الطفل حقاً، ويؤثّر في صحته النفسية، ونموه، هو تخبّط الوالدين وعدم قدرتهما على احترامه، وعدم وجود قواعد وحدود في طريقة تربيتهما، وغياب الاتفاق بين الأبوين على أساليب الرعاية الوالدية. كلما كان هناك احـــترام وحــب وحدود، زادت فرص النمو النفسي والاجتماعي السوي.

مشاركة :