مؤخرًا صدرت للإعلامية والروائية العراقية سمية الشيباني رواية جديدة بعنوان “هي التي رأت” عن دار “العين” في القاهرة، وتعدّ الرواية الثالثة في مشوارها الإبداعي. تشير الشيباني إلى أنها في روايتها الجديدة حاولت أن تذهب بشخوصها بعيدا عن حقائق مرارتها التي لا تحتمل، ومصائر ليست محتمة إنما مفتعلة، إنها عملية اقتلاع مورست عليهم. لافتة إلى أن شخوصها دائما هم رسائل تحذير لكل الغافلين الذين يصنعون الموت على اختلاف أشكاله بقلوب ميتة، وهي محاولة لكسر القوالب الجاهزة والسير في طرق ممنوعة، فهي تحب الممنوع وتحب النظر إلى قاع البحر أو البئر. قلق الكتابة تهدي الشيباني أعمالها الروائية إلى المرأة العراقية التي تقول عنها “هي كل ‘القصة‘، المسألة الكونية كلها تدور حول المرأة منذ بداية الخلق، لكن خديعة كبرى جعلت الرجل في المقدمة أو متفوقا على المرأة، إنها أكثر بل أشد المتضررين في المحن التي تطحن عالمنا، هي وحدها التي يعتصر قلبها ويموت قبلها بكثير، ولكن بصمت دون أن يشعر أحد بها”. مضيفة “مهما كتبت فمن غير الممكن أن أحشرها أو أترجم حزنها في مشروع روائي واحد، لذلك أقول نعم المرأة موضوعي بشكل مباشر أو غير مباشر، هي دائما محور تفكيري وكتابتي”. تؤمن الكاتبة بأن الرواية تُكتب على مدى سنوات وهي فترة تنطوي على احتراق دائم للوصول إلى قمة الأحداث وقمة اللغة. وتنوه بأن موضوع روايتها الأولى “حارسة النخيل”، الصادرة عام 2006 متأثرة بمآلات الأحداث في العراق خلال العقود الأخيرة، قد عاش معها ثلاثين عاما، تفكر فيه منذ صباها ولكنها لم تكن تعلم، كانت تشعر بأن عليها أن تقول أمرا ما، ولكن حتى هذا الشعور كان غريبا ونما ليصبح قلقا دائما يرافقها. تستطرد “الحرب فجّرت هذه الطاقة الكامنة في روحي، جعلتني أواجه نفسي لأكتشف أنني لا أعرف نفسي جيدا، وأن عليّ أن أجلس أمام ذاتي لأتعرف على نفسي، الحرب حركت مخيلتي وجعلت عقلي ينمو بسرعة جنونية، اكتنزت كل شيء كنت أسجل المشاهد وأربطها ببعضها، لا أظن أن أي إنسان عايش حربا وخرج هكذا ببساطة ليكمل حياته دونما أي تغيير، الحروب تُعيد تشكيلنا، تغيّر جيناتنا والطريقة التي نفكر بها، تخرجنا من مساحة البراءة أو بقاياها وتزرعنا في عالم التفكير على طريقة مختلفة، الحروب تجعل الأطفال يشيخون والكبار يحزنون بشدة، خسائر الحروب ليست مادية ولا وليدة وقتها بل هي خسائر معنوية كبيرة وألمها يكبر ويستفحل حتى بعد انتهاء الحرب وحتى بعد مرور سنوات طويلة”. اهتمت الشيباني بالكتابة عن التحولات التي شهدها العراق منذ الحرب العراقية الإيرانية وما تلاها من أحداث في روايتيها “حارسة النخيل” و”نصف للقذيفة”. وعن دوافعها لخوض تلك العوالم؟ تجيب الكاتبة العراقية “حين أكتب أكون هناك حيث العالم الذي أحوكه بدقة وبشكل معقد، بحيث أتعثر أحيانا في العُقَد التي كونتها، ومع ذلك أنهض من جديد كالأطفال غير مبالية بالجروح التي سببتها لنفسي، أنا أحتاج أن أستوعب الأحداث التي تدور من حولي وفي نفس الوقت وعلى النقيض تماما أحتاج إلى الهروب وصناعة عالمي الخاص، لكن المفارقة هي أن عوالمي الافتراضية صارت تشبه العوالم الحقيقية غير أني أجعل أبطالي طليقي اللسان وأذكياء، ويعيشون حالة من الصراحة بحيث يقولون ما يشاؤون”. المرأة لم تعد تلك الشخصية المتشرنقة حول نفسها وهمومها بحيث لا تستطيع الخروج من ذاتها بل بالعكس المرأة لم تعد تلك الشخصية المتشرنقة حول نفسها وهمومها بحيث لا تستطيع الخروج من ذاتها بل بالعكس وتتابع “إذن أنا أكتب لأقول الحقيقة، أو أحيانا أحتاج أن أحب بشكل مختلف فتكون الكتابة هي الـ’إيروس’، وهناك اللغة التي حين أصل إلى سقف روعتها يبدأ جسدي يفرز مادة غريبة تجعلني سعيدة ومتوازنة، لا أدري ماذا يسمونها ولكنني أشعر بها جيدا، باختصار إذا كان الإنسان جسدا وروحا فالكتابة هي الروح، ثم إنني عراقية وهذا سبب كاف لأكتب”. الرواية العراقية فيما يتعلق بمسألة التوثيق في العمل الروائي، توضح الشيباني أن الرواية ليست عملا توثيقيا بحتا بل هو سرد يتداخل ما بين الواقع والخيال، مضيفة “كيف لي أن أكتب فصلا عن حرب الخليج الأولى دون أن أمرّ على ملجأ العامرية؟ ولكن كيف أكتب عن ملجأ العامرية وأنا لم أكن موجودة به؟ ببساطة سأقرأ وسأجالس من كانوا هناك وسأتخيل، وسأذهب بعقلي إلى تلك الدقائق المرعبة التي تركت المكان رمادا وكومة لحم بشري محروق”. تتحدث الكاتبة عن شخوص رواياتها بقولها “ذاكرتي حافلة بالمشاهد، رأسي مكتظ بالشخصيات المعقدة، أنا لا أسير وحيدة أبدا، دائما هناك من يرافقني، ودائما هناك أصوات في رأسي، ودائما تزاحم الكلمات والأحداث بعضها البعض، أشعر دائما بأمور غريبة ستحدث وتحدث حقا، وأتخيل حوارات أسمعها في رأسي ثم تصادفني تماما كما هي؛ أبدا لا أجلس وحيدة دائما هناك من يجلس معي”. تؤمن الشيباني بأنه لا يمكن فصل أي جنس أدبي عن مرحلته، وترى أن “الرواية أهم ما يجسد الواقع الذي هو بمثابة النهر الذي يرفد أهم وأجمل الأعمال الإبداعية، وواقعنا بات شاسعا وعميقا وممتلئا بالأحداث التي لا يصدقها عقل فلماذا نذهب إلى الخيال؟ واقعنا بات عنيفا يتربص بنا في الأزقة المعتمة وأحيانا بصلافة يخرج علينا شاهرا الموت في وضح النهار، يسرقنا من لحظات النوم التي تبدو مستحيلة ويجرجرنا إلى يقظة تجحظ لها أعيننا، إنه انهيار لكل شيء فلماذا لا تكون الرواية واقعية؟”. تروّج على المستوى النقدي في الكثير من الأطروحات فكرة عجز المرأة الكاتبة عن الخروج من شرنقة ذاتها وكتابة مشاكلها وهمومها الذاتية، وأن ما تكتبه المرأة لا يرقى إبداعيا إلى كتابات الرجل. تعلق الشيباني “هذا كلام جاهز وبات قديما لا ينطبق على المرأة لا اليوم ولا حتى بالأمس، لم تعد تفصلنا أجناسنا في أمر الكتابة، لأننا ببساطة نعيش حزنا واحدا ووهما مشتركا واحدا، نشاهد الجريمة معا ونتقاسم الخوف والقلق والعجز العاطفي، المرأة لم تعد تلك الشخصية المتشرنقة حول نفسها وهمومها بحيث هي لا تستطيع أو لا يمكنها الخروج من ذاتها، بل بالعكس اليوم المرأة تفوقت في نصها الأدبي على نفسها وباتت مهمومة بقضايا كبيرة، سأكرر أن هناك خديعة كبرى عزلت المرأة عن مساحة الفكر والتفكير، هذه الخديعة باتت غير مهمة اليوم بل لا نستطيع أن نقول هذا نص أنثوي وهذا ذكوري، كلانا إنسان. أليس هذا كافيا لنشعر بالفخر؟”. وترى الشيباني أن الرواية العراقية اليوم مهمة جدا، وهي مثال حي للرواية التي واكبت الواقع “المرّ” وليس المعيش”.
مشاركة :