هل تستعيد المخرجة نادين لبكي نجاح مارون بغدادي في «كان»؟

  • 5/4/2018
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

نادين لبكي... الممثلة (الحياة) عندما نتأمل فيلمي المخرجة والممثلة اللبنانية نادين لبكي «سكر بنات» (أو في تسميته الأخرى «كراميل» ٢٠٠٧)، و«هلأ لوين» (٢٠١٢) - عرضا ضمن تظاهرتي مهرجان كان «نصف شهر المخرجين» و«نظرة ما» - نشعر وكأنها تستلهم شيئاً من روح سينما مارون بغدادي... ثمة أشياء عاطفية وفكرية في أفلامها تتماس مع بعض أعماله وتجعلنا - رغم المبالغات أحياناً - نُعيد مشاهدتها بمتعة. ثمة تفاصيل أنثوية وإنسانية تلمس قلوبنا وتجعلنا نتغاضى عن تحيزها ضد الرجل - خصوصاً في الفيلم الثاني - أو تطرفها في بناء حبكته أيضاً. ولا ندري على وجه الدقة هل ستظل لبكي محتفظة بتلك الروح أم سيطرأ عليها التغيير في شريطها السينمائي الطويل الجديد الثالث المعنون بـ«كفر ناحوم» من إنتاج زوجها الموسيقار خالد مزنر والذي وضع الموسيقى لعمليها السابقين كما الحالي. مع ذلك، فإن اختيار «كفر ناحوم» ليُعرض ضمن المسابقة الرسمية للمهرجان الكاني ٨- ١٩ أيار- مايو الجاري، يمنحنا بصيصياً من الضوء آملين طبعاً، بأن يتفوق جديدها على سابقيه، وربما تُعيد إلى الأذهان نجاح وتميز مارون بغدادي بفيلمه «خارج الحياة» الذي نال جائزة لجنة التحكيم في كان ١٩٩١ مناصفة مع لارس فون ترير عن فيلمه «أوروبا». دموع تلك الأم كان مارون بغدادي من جيل سينمائي يرى للسينما دوراً كبيراً في التثقيف ونشر الوعي. فالسينما في تقديره لم تكن للتنويم المغناطيسي، ولكنها محرك وباعث على التفكير. لذلك، مع بعض أبناء جيله تبنوا شعار «السينما البديلة» في محاولة كي تلعب السينما دورها الحقيقي. من هنا، كان للأغنية دور جوهري في أعماله خصوصاً الوثائقية، لكنها الأغنية الملتزمة التي لها دور فاعل وتُعبر عن مشاعر الناس، وأفكارهم، وآرائهم. في ذلك الوقت كانت الأغنية، أيضاً، تلعب دوراً في التعبئة والتوعية، وإعطاء المزيد من عناصر المناعة. ربما لذلك كان مقطع «أجمل الأمهات» يتكرر عنده وكأنه يُذكّر طوال الوقت بأن: «أجمل الأمهات التي انتظرت ابنها وعاد مستشهداً، فبكت دمعتين ووردة، ولم تنزو في ثياب الحداد.» فهذه الكلمات التي صاحبت، طويلاً، لقطات فيلمه التسجيلي «أجمل الأمهات» كانت قد انطلقت أصلاً من واقعة حقيقية إذ رأى الشاعر امرأة استشهد ابنها فاستبدلت النواح والبكاء كما تفيد أغنية مارسيل خليفة، ووضعت مكبراً للصوت فوق سطوح منزلها فأخذ الناس يستمعون للأناشيد التي تدفعهم إلى النضال، وإلى مزيد من المقاومة. كراميل على المنوال ذاته، يمكن اعتبار أن نادين لبكي في عملها الطويل الأول «كراميل» كانت تحكي عن أجمل البنات أو بالأحرى عن أجمل النساء، فهي أثناء كشفها المسكوت عنه وقول ما لا يُقال في مجتمعها، رسمت ملامح بطلاتها وهن يجمعن بين المتناقضات، بين قدرة عجائبية على المزاح والسخرية وتفجر الضحكات عالياً في أحلك الأوقات، صورتهن وهن يجمعن بين المكر والطيبة، بين هشاشة الضعف والقوة، بين الخير والشر من دون أن تُدين أياً منهن. فالنساء عندها ورغم قسوة الحياة لا يبكين طويلاً. فقط يذرفن دمعة أو دمعتين ثم يعاودن البحث عن سبيل لتحقيق أحلامهن، أو يُنقبن عن حيلة لسرقة لحظات آخرى يستمتعن فيها بالحياة، ويُواصلن طريق الكد والكفاح معلنات عدم الاستسلام. فمثلاً شخصية الخياطة روز - التي ترعى أختها المصابة بالجنون - تبكي عقب قراراها بالتخلي عن الرجل المُسن الذي سيؤنس وحدتها لكنها سرعان ما تجفف دموعها وتعود إلى أختها. ثم هناك جمال المرأة المطلّقة التي تعتني بطفليها المراهقين وترفض العودة لزوجها. إنها تعمل موديل إعلانات وتقاوم آثار الزمن على ملامحها، تارة بالماكياج وتارة بالشعر المستعار، فتبكي في الظهور الأول لها وهي تجري اختباراً للكاميرا مُهيناً بالفعل، تبكي وتشعر أن ما تقوله عن نضارة البشرة وحيوية الشباب يتناقض تماماً مع حالها، فتختنق بالدموع وتنسحب، لكنها تعود للظهور بشكل أكثر ألقاً، وتتفنن في الوسائل التي تُوهم الآخرين بصغر سنها. ماكياج... ليس إلا أما نسرين الفتاة التي اقترب موعد زفافها من رجل لم يكن الأول في حياتها، فتجري جراحة لإعادة غشاء البكارة وأثناء ذلك تنتقل كاميرا المخرجة بينها في غرفة العمليات وبين لقطة للماكينة تخيط قطعة ثياب، ثم تعود إليها قبل أن تنتقل مجدداً إلى روز وهي تضع ماكياجاً للمرة الأولى، وذلك القطع عمدي لينفي أي حكم بالإدانة على نسرين، ثم هكذا تفعل الأمر ذاته بأشكال متباينة مع باقي النساء، وحتى ليال نفسها - البطلة الرئيسية التي لعبت دورها المخرجة نادين لبكي - تتجاوز أزمتها وتتحرر من حنينها وأشواقها لهذا الرجل المخادع المتزوج بأخرى، وذلك بعد أن قدمته المخرجة في كوادر يشغل مقدمتها قطع الخردة ويحيطها الخراب ويعلوها الكباري، وحينما تستعد للقائه يكون في بانسيون مشبوه للعاهرات، وذلك لتُوحي بتلك النهاية المحتومة وذلك الفشل، إذ لم تكتفِ بتهميشه في الكوادر وعدم إظهاره وجهه أو تفاصيل ملامحه. تحية ما... من ناحية أخرى، يمكن أن نعتبر شريطها الروائي الثاني «هلأ لوين» تحية إلى سينما وروح مارون بغدادي. يتبدى هذا واضحاً بأكثر من دلالة، ليس فقط في توظيف المخرجة الأغاني المعبرة كما في شريطها الأول، ولكن أيضاً بدءاً من المشهد الافتتاحي الذي يتماس مع كثير من افتتاحيات أفلام مارون - خصوصاً أفلامه الوثائقية - حيث النساء يتشحن بالسواد في جنازة أحد أولادهن على الطرقات، مروراً بعدم الاستسلام للحزن ومواصلة الحياة، وتوظيف كل سبل الدهاء للسيطرة على الرجال ومنعهم من الاقتتال، وذلك رغم المبالغة في تصوير الرجال بأنهم بلا عقول وتسهل استثارتهم فيشتبكون في حرب طائفية مذهبية - في مشاهد تبسيطية - تشي بأن هؤلاء الرجال وراء تفجير تلك الحروب برعونتهم من دون ذكر أي عوامل خارجية أو تلك الألاعيب السياسية الدولية. وتكتمل تحية نادين لبكي إلى بغدادي بتصويرها لإحدى البطلات وكأنها هي أيضاً، «أجمل الأمهات»، فتلك الأم عندما يُقتل ابنها المراهق برصاصة طائشة - نتيجة الحرب الطائفية - أثناء إحضاره بعض الأشياء من المدينة لأهالي قريته المعزولة، تبكي مكلومة بحرقة في مشهد مؤلم عاطفياً، لكنها سرعان ما تتماسك وتخفي الخبر، فتغسل ابنها وتدفنه في البئر، وتدعي أنه متوعك خوفاً على ضياع ابنها الآخر. لذلك أيضاً عندما يعلم الابن ويبحث عن البندقية للأخذ بثأر أخيه تطلق الأم الرصاص على قدمه لتمنعه من الخروج، ولتحميه من الموت. دائماً، النساء - مسلمات ومسيحيات - لدى هذه المخرجة اللبنانية فاعلات، غير مستسلمات رغم القهر والظروف الصعبة، ورغم قيود المجتمع وأحكامه. ورغم أن بطلات فيلمها شخصيات لبنانية، لكنهن في ذات الوقت يكتسبن هوية أوسع وكأنهن يحكين عن كثير من النساء في مجتمعاتنا الشرقية، يحكين عن تلك المرأة المكبلة بالمسؤولية لكنها تنجح في اقتناص لحظات الفرح قبل أن يضيع عمرها. اللافت في الأمر، أيضاً، أن المخرجة والممثلة نادين لبكي التي تشارك في كتابة سيناريوات أعمالها، قادمة من عالم الفيديو كليب، لكنها إلى جانب توظيفها الكوادر المليئة بجماليات الإضاءة وزوايا التصوير، تتميز بعقل مستنير يحمل أفكاراً تنويرية، ورغبة في تقديم سينما مغايرة تجمع بين الجودة الفنية والفكرية وبين قدرتها على جذب الجماهير لتحقيق عائد تجاري، وفوق هذا وذاك تمثيل بلدها في المهرجانات الدولية الكبرى وتحصد بعض جوائزها. والآن، هل تنجح بفيلمها «كفر ناحوم» في اقتناص السعفة الذهبية، أو على الأقل بإحدى جوائزه؟

مشاركة :