ندوة في أبوظبي تناقش أقدم أسئلة فلسفة الجمال

  • 5/4/2018
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

كيف نقرأ الجمال ونتذوقه في صورة، في مشاهد الطبيعة، في فكرة، في كتاب، في الفنون والآداب والثقافات، سواء ثقافة النخب أو الثقافة الشعبية؟ وهل هناك قواعد لهذا العلم، علم فلسفة الجمال، فلسفة الفن؟ كيف رأى الفلاسفة والمفكرون الجمال والفن وعلاقتهما بالحياة والموروثات الشعبية وفنونها؟ حول هذه التساؤلات وغيرها كانت الندوة التي شارك فيها المفكر حسن حماد أستاذ الفلسفة بجامعة الزقازيق ورئيس جمعية الفنون والآداب، والدكتورة عائشة الدرمكي، في إطار فعاليات مؤسسة بحر الثقافة في معرض أبوظبي الدولي للكتاب خلال دورته الـ28. ما هو الفن بداية أكد حسن حماد أن الكلام عن فلسفة الجمال أو فلسفة الفن -إذا شئنا الدقة- يستدعي على الفور الكلام عن وظيفة الفن. وقال “إن فلسفة الجمال أو فلسفة الفن باعتبار أن الفن هو أهم تجليات الجمال، هي فرع من فروع الفلسفة ينتمي إلى فلسفة القيم، الحق والخير والجمال، ويتخذ من الفن موضوعا له. وفيلسوف الفن بحكم تخصصه النوعي يختلف كثيرا عن الناقد الفني من حيث أنه يسأل أسئلة كبرى مثل: ما الفن؟ ما طبيعته؟ ما الفرق بين الفن والصنعة؟ ما مكونات العمل الفني؟ هل هناك ملامح وصفات نوعية تجعل الفن فاعلية متميزة عن العلم والسحر والأسطورة واللعب وأنشطة الحياة اليومية؟ وبالإضافة إلى مهمة تحديد طبيعة النشاط الفني يسأل الفيلسوف أسئلة مربكة أخرى مثل: ما علاقة الفن بالطبيعة، ما علاقة الفن بالسياسة، ما علاقة الفن بالسحر والأسطورة، ما علاقة الفن بالحرية، هل الحرية شرط لوجود الفن أم أن الفن هو شرط وجود الحرية؟”. ما هو الفن؟ سؤال على قصره يبدو غاية في التعقيد والصعوبة، ما جعل الفلسفة التي كانت سباقة لاقتحام البحث فيه تحوّل الوجهة من الماهية بشكل مباشر إلى البحث في وظيفة الفن وغيرها، محاولة تفكيك هذا المعطى الإنساني الأبرز على مرّ التاريخ البشري. ثم إن سؤال الفن لا يتقادم مع الزمن، بل بالعكس يطرح له تشعبات جديدة كلما تقدمت الإنسانية أكثر، وخاصة في الظرف الراهن المشوب بالكثير من الاضطرابات ورأى حماد أن أسئلة الفلسفة حول الفن لا حدود لها، ولا يوجد حسم نهائي لأجوبتها، وأنها تقترب من المعنى وتلامسه، لكنها لا تقدم لنا أبدا أجوبة نهائية، وتلك خطيئة الفلسفة وروعتها في الآن ذاته. لكن أهم أسئلة فلسفة الفن المحيرة، ويعني بذلك السؤال عن وظيفة الفن، هو الذي حاول من خلاله الفلاسفة أن يعرفوا الفن من خلال وظيفته، ودوره، ورسالته في الحياة. يستشهد حماد هنا بأفلاطون وأرسطو اللذين جعلا من الفن أداة تطهير للإنسان عبر التراجيديا طبقا لمقولة “وداوني بالتي كانت هي الداء”، أما تولستوي فقد رأى أن الفن لغة للتواصل بين البشر، والماركسية جعلت الفن سلاحا في معركة النضال ضد الرأسمالية وضد قهر الإنسان للإنسان، وجورج لوكاتش الفيلسوف المجري يكاد يوحد بين الفلسفة والفن ويجعل من الفن رؤية للعالم. كما ذكر حماد فلاسفة مدرسة فرانكفورت خاصة تيودور أدورنو وهربرت ماكيوز اللذين جعلا من الفن وسيلة للتمرد على الهيمنة والتحرر من سيطرة الأنظمة القمعية، وسارتر الفيلسوف الوجودي يرى أن قضية الحرية ورسالة الفنان هي تأكيد لهذه الحرية، فالكتابة اختيار وعندما يختار الكاتب موضوعاته وقضاياه فإنه يختار أيضا جمهوره، ولكن مشكلة سارتر أنه حرم كل الفنون من رسالة الالتزام وقصرها على النثر. وأشار المفكر إلى أن هذه الآراء وغيرها تحاول أن تجعل للفن دورا يتجاوز حدود نطاقه الجمالي المحدود، متسائلا ماذا يفيد الجمال أو ماذا يفعل الجمال أمام سطوة القهر والطغيان، وماذا يقدم الجمال للمحرومين والمظلومين والمنبوذين؟ ماذا يفعل الجمال أمام الفتح الذي سيطر على العالم بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية، وبعد أن فرضت الفاشية سيطرتها على ألمانيا وأوروبا مما جعل أدورنو يقول “لا شعر بعد أوشفيتز” أي لا شعر ولا فن بعد معسكرات التعذيب والمحارق التي قام بها هتلر ضد اليهود والشيوعيين. ولفت حسن حماد إلى أن الفن يقف عاجزا أمام مشاهد الإرهاب والترويع التي يشهدها العالم حاليا من خلال المجازر التي يقوم بها الإرهابيون الدواعش، تلك المجازر التي تفوق أي خيال مهما بلغ في جنوحه وجموحه. وأضاف “إن الفن لا يملك عصا سحرية لكنه يملك الإيقاع واللون والكتلة والصورة والخيال والكلمة، إلخ. وهو يشكل عالمه الخاص والنوعي عبر الأدوات، هذا العالم الفني الذي لا يمكن أن يكون مجرد محاكاة بلهاء للواقع القائم، الفن الحقيقي هو الذي يستطيع أن يخلق عالما جديدا ومغايرا ومناقضا ورافضا للواقع الرديء. ومع ذلك فإن الواقع الذي يخلقه الفن ليس عالما انسحابيا أو هروبيا ولا يسعى أبدا لأن يكون تزييفا للواقع وتجميلا له، إن الرغبة في تثوير وتغيير وعي الإنسان تمهيدا لتغيير العالم هي مصدر السعادة الحقيقية لدى الفنان، وهي أيضا مصدر للفرح لدى الجمهور الذي يوقظ الفن لديه الحنين إلى الحرية وإلى تحقيق شكل خاص من الفردوس الذي لا يتأسس في عالم آخر ولكن داخل حدود هذا العالم الأرضي”. الإيمان بالتراث في المنطقة العربية بشكل خاص، لنا اهتمام كبير بالتراث الثقافي، ولكن اهتمامنا لا ينبع من مدى حبنا للتراث تطرقت الدكتورة عائشة الدرمكي إلى الفنون الشعبية وحضورها ودورها وقالت “إن تراث الفنون الشعبية من الفنون الجمالية التي تمثل الشعوب، ولها عمق تاريخي ضارب منذ القدم، وللأسف هناك الآن من ينظر إليها على أنها فنون بسيطة شعبية ليست ذات قيمة جمالية أو فنية، لماذا هي ذات قيمة؟ لأنها تعبير أصيل عن نظرة للعالم، وقد كانت تمثل الأمم لقرون عدة، وتركت إرثا عظيما لا نزال ننهل منه في مختلف ألوان الكتابة والفنون، لذا أنا أقول الآن إن الموضوع موضوع متغير، القيم الجمالية متغيرة، لا يمكن أن نعطي معايير ثابتة للقيم الجمالية سوى المعايير العامة”. وأضافت الدرمكي أنه “في المنطقة العربية بشكل خاص، لنا اهتمام كبير بالتراث الثقافي، ولكن اهتمامنا لا ينبع من مدى حبنا للتراث، وإنما ينبع من نظرة الخارج، بمعنى أنه إذا وقعنا مذكرات مع اليونسكو، نبادر إلى هذا الاهتمام بالتراث، ونسجل ونجمع ونقيم المشروعات، حتى إذا غيرت اليونسكو اهتمامها بعد سنة أو سنتين نسينا الأمر، لدينا إشكال أن اهتمامنا لا بد أن يكون أصيلا ونابعا من ذواتنا، وكواحدة من المشتغلين في التراث، فإننا الآن مهتمون بأن نصنع تنمية مستدامة لهذا التراث، والتنمية المستدامة هي أن تقول إن فكرة التراث هي ماذا”. وأكدت الدرمكي أنه شيء بسيط، قائلة “أنا ورثت شيئا من أجدادي مثلا بناية وبيتا قديما، فإما أنني أشغله ويصبح ملكي، أو أبدأ في البناء مرة أخرى، واشتغل فيه ويصبح مكانا للاستمرار أورثه لأبنائي، وإما أن أتركه وأقفله إلى أن تتآكل جدرانه ويسقط، هذا هو التراث، هو أيضا إرث المفروض أن يكون ملكي، إذا كان هو عبارة عن قلاع وحصون مغلقة، هو لا يمثلني، لأنه ليس جزءا مني، هو جزء من الأجداد، التراث جزء منا بكل جمالياته ولا بد أن نشغله ونؤمن بأنه ملكنا لكي يمكننا الحفاظ عليه، إننا الآن نشتغل على استثماره، وهذا هو الذي يصنع في النهاية القيمة الجمالية، يصنع قيمة جمالية ثقافية مستدامة للأبناء”. ورأت الدرمكي أن المجتمعات تتغير، وهذا التغير يؤدي إلى تغيير في المعطيات، وفي طريقة الحياة نفسها، وبالتالي أيضا القيم الجمالية تتغير، هذا هو الأساس في المجتمعات.

مشاركة :