الخطاب الفرنسي: بين معاداة السامية الجديدة والقديمة ـ

  • 5/4/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

الثقافة الأوروبية تثبت مجددا وهم ادعاءات احترام الآخر وقبوله، ودعائية ما تطرحه الأكاديميات الغربية في كلاسيكياتها ومستجداتها، وتثبت أنه لن تخرج نظرية ذات وزن معتبر به في الواقع من أوروبا لتعترف بحق حضارة أخري في الحياة وفق سياقها وهويتها، ويظل الحلم العربي بخروج نظرية معرفية ونموذج حضاري مبادر يقتحم خضم "التدافع الحضاري" الراهن، ويرى في طبيعية أن يخرج نظام معرفي جديد مرتبط بالثورات العربية، وثورتها القيمية البحتة اعتمادا على "القيم الإنسانية العليا"، ليصبح المركز الحضاري الجديد عربيا، بما يدفع أزمات المركز الأوروبي القديم للتقهقر والتفكك من تلقاء نفسها، بما في ذلك الصراع مع الصهيونية والتطرف العربي واللجوء للعنف في مواجهة الهيمنة، الحل لن يكون أوروبيا أبدا هكذا تخبرنا سنن التاريخ، بأن ما تخلِّفه حضارة ما من مشاكل وأعراض جانبية، لا ينتهي سوي ببزوغ مركز حضاري جديد. نقد الخطاب العربي ردا على البيان اعتمد معظم الخطاب العربي وتحديدا في البلاد العربية، على العاطفة الدينية ورفض تدخل الفرنسيين في شئون الدين الإسلامي (وهو حق طبيعي وعاطفة مبررة تماما)، لكن لم يتجاوز خطاب الداخل العربي منطق الرد فعل ولم يبادر أحدهم بتبني مبادرة علمية ومعرفية للرد على "الخطاب المعرفي" المدمج بين سطور البيان، لم تلتفت النخبة العربية السائدة مجددا لمتن الأزمة وانصرفت لهامشها، لم تشاهد سوى العرض ولم تبصر المرض وأصل الداء الفرنسي/الأوروبي. وتبقى الذات العربية أسيرة لسياق القرن الماضي والاستقطاب بين فرق الدين السياسي ودعاة العلمانية والماركسية، ويظل المشروع العربي رهنا بتجاوز ذلك التناقض التاريخي الذي يمكن إعداد نموذج معرفي، يَدْرسُ كل لحظات البلاد المفصلية لنكتشف أن السلطة التقليدية في العالم العربي، كانت توظف هؤلاء وأولئك لتفر من ظرفية تشكل تيار بديل، يعبر عن لحظته التاريخية الحاسمة، ونموذج الثورة المصرية خير دال، على إدارة التناقضات وتوظيف البنية السلطوية التقليدية القديمة لليسار واليمين وضربهم بعضم ببعض، لتخرج هي محافظة على مواقعها التاريخية وتثبت المجتمع على حاله. ضرورة تطور خطاب عربي للرد على معاداة السامية الجديدة رددت على سارتر في دراسة مطولة بعنوان "سارتر بين الصهيونية وسلب الحق الوجودي للفلسطينيين"، أتمنى لو تترجم قريبا للفرنسية والإنجليزية، والحقيقة أنني رأيت في خطاب عرب أوروبا/فرنسا مؤشرات على وعي مبشر بسياق الأزمة، ويظل الدور العربي المؤسسي المنتظر في دعم وجود القوة الناعمة العربية في أوروبا/فرنسا وإنشاء المراكز العربية الثقافية هناك، ومدها بالكتب والدراسات المترجمة التي تؤكد على صورة الذات العربية الحقيقية ووجهة نظرها، وتصحح الصورة النمطية الموروثة في العقلية الأوروبية، علينا أن نكون في الموعد على استعداد للمواجهة المضادة، وفي المركز من ذلك العرض تقع "دراسات التدافع الحضاري" ونموذج "الثورة القيمية الحضارية" التي احتفى بها العالم، وصارت في حينه مضربا للأمثال وموضعا للتقليد والتكرار في كل مكان. ختاما،ليس من حق أوروبا أن تمارس إسقاط عقدها القديمة على العرب وكأنهم الحائط المائل بلا إرادة أو وجهة نظر بديلة، ولا يمكن أن تستمر الثقافة الفرنسية/الأوروبية في البحث عن تطهرها وخلاص الذات الأوروبية من عقدها وما مارسته تجاه يهود أوروبا على حساب العرب والمسلمين، لقد أسس سارتر طقسا في مخيلة الثقافة الفرنسية/الأوروبية يعتبر العرب مجرد هامش للمتن الأوروبي وكبش فداء، وحتى ينفي العرب عنهم تلك الصفة يجب أن نتحرك بالعدة والعتاد لمخاطبة الآخر في عقر داره، ونمارس دور الثقافة الفاعلة ونتوقف عن ثقافة الرد فعل والتحسر على الحال وسوء المآل.   د. حاتم الجوهري شاعر ومترجم وناقد أكاديمي free3ever@hotmail.com

مشاركة :